انطلقت بمراكش مساء أمس الخميس 27 نونبر 2014، أشغال المنتدى العالمي الثاني لحقوق الإنسان، الذي يشارك فيه ما يزيد عن ستة آلاف مشاركة ومشارك من مائة دولة من مختلف أنحاء العالم ، يمثلون المجتمع المدني والمؤسسات الحكومية والمنظمات والمؤسسات الإقليمية والدولية المعنية بحماية حقوق الإنسان. وينعقد هذا الملتقى العالمي، الذي يشكل لحظة هامة في مسار التفكير الكوني في الحقوق الإنسانية وتوثيق كل الآليات الكفيلة بتعزيزها عالميا وترسيخها في الواقع العملي، وتوسيع نطاقها، في سياق مازال يعرف فيه العالم الكثير من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الأساسية ، إذ مازالت شعوب بكاملها مهددة في حقها الثابت في الحياة بسبب انتشار الحروب في عالم لم يعرف بعد كيفية ترتيب سلامه الدائم، حيث أن تسعين بالمائة من قتلى الحروب التي يناهز عددها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية 248 حربا، هم من المدنيين . كما تعيش مئات الملايين من سكان العالم في ظل انعدام تام للشروط الضامنة لكرامتهم بسبب الفقر، وسيادة نظام اقتصادي دولي غير عادل ولا منصف، بما يصاحب ذلك من غياب أفظع للاستفادة العادلة من الحق في الصحة والتعليم وباقي الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية. كما أن عجز المجتمع الدولي عن صياغة توافق كوني، تحترمه جميع القوى و تلتزم بتطبيقه، من أجل حماية البيئة بسبب هيمنة اقتصاد أعمى يقدس النمو فقط ويحول السوق إلى مبدأ لا يُجادل، يُجهز على الحق في البيئة ، مثلما يجهز على حق الأجيال المقبلة في الموارد الطبيعية . المنتدى العالمي الثاني لحقوق الإنسان، ينعقد أيضا، في ظل نمو إيديولوجيات تنازع في كونية هذه الحقوق، وترفض التسامح، وترفع الخصوصية الحضارية والثقافية سلاحا لتعطيلها. لذلك يشكل تنظيم المنتدى العالمي لحقوق الإنسان في مراكش، فرصة لإعداد حصيلة عامة حول التقدم الذي تم إحرازه في مجال حقوق الإنسان وكذا التحديات والعوائق التي تعرقل تحققها، مع جرد وتحديد الإشكاليات الجديدة وطرق التفكير الجديد فيها، إضافة إلى توفير إمكانية التفكير التعددي بين الحكومات والمنظمات غير الحكومية والمؤسسات الإقليمية والدولية المعنية بحماية حقوق الإنسان وإجراء تقييم لوضعية الحركات المدافعة عن حقوق الإنسان. ويعرف المنتدى، تجهيز ما يناهز 200 فضاء للنقاش واللقاءات والتكوين، بالإضافة إلى برمجة عشرات الأنشطة حول موضوعات متنوعة تغطي كافة أجيال حقوق الإنسان، المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والحقوق البيئية . ويسعى المغرب، من خلال تنظيم الدورة الثانية للمنتدى العالمي لحقوق الإنسان إلى المساهمة في انبثاق فضاء عالمي للحوار بين الحكومات، والمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان والمجتمع المدني لتلبية تطلعات الشعوب إلى احترام كرامتها وتحقيق المساواة والعدالة . ويتمحور المنتدى العالمي بمراكش حول محطتين اثنتين هامتين هما الندوة الافتتاحية، التي تقدم خلالها العديد من الشخصيات العالمية البارزة، وجهات نظرها حول القضايا الرئيسية لحقوق الإنسان في عالم اليوم، والندوة الختامية التي ستعرض الخلاصات الرئيسية لأشغال المنتدى والتوصيات الصادرة عنه وتضم ممثلي الحكومات والمنظومة الدولية لحمية حقوق الإنسان، والمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان والمنظمات غير الحكومية الوطنية والدولية ومختلف الشخصيات العالمية. كما يحتضن المنتدى العالمي لحقوق الإنسان بمراكش ثلاثين منتدى موضوعاتيا، وأزيد من عشر تظاهرات خاصة وخمسين تظاهرة جد متنوعة تضم محاضرات، حوارات حول الحقوق، أنشطة داخلية، ورشات تكوينية، ورشات مسيرة ذاتيا، وبرنامجا ثقافيا. المنتديات الموضوعاتية التي تعد ثمرة للحوارات والمناقشات التي شهدتها اللجنة العلمية وكذا مقترحات المنظمات غير الحكومية الشريكة، صُممت لتكون فضاءات للحوار الذي يمكن من رصد وضعية حقوق الإنسان ومناقشة القضايا والإشكاليات الناشئة. ومن المتوقع أن تسهم هذه المنتديات الموضوعاتية في بلورة توصيات وتساؤلات كما ستوفر عناصر مهمة لإغناء النقاش خلال الجلسة الختامية للمنتدى العالمي لحقوق الإنسان . ومن الإشكاليات التي تناقشها المنتديات الموضوعاتية النظام الدولي لحماية حقوق الإنسان، والتقاليد الدينية وحقوق الإنسان، والحركات الاجتماعية وحقوق الإنسان، والديمقراطية وحقوق الإنسان، والأمن وحقوق الإنسان، والولوج إلى العدالة، والعدالة الانتقالية، وعقوبة الإعدام، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية، والتنوع الثقافي والحقوق اللغوية والثقافية، والمقاولة وحقوق الإنسان، واتفاقيات التبادل وحقوق الإنسان، والاقتصاد الاجتماعي والتضامن البيئي، والانترنيت والحق في الاتصال، والحق في الماء والحق في البيئة، والهجرة والاندماج و التمييز، والهجرة والحقوق الأساسية، والنساء والهجرة، والحق في التعليم والوصول إلى المعرفة، وحقوق الأطفال والشباب، والمرأة والمساواة ، والحق في الصحة. وكانت البرازيل قد استضافت في شهر دجنبر من عام 2013 الدورة الأولى للمنتدى العالمي لحقوق الإنسان، بحضور أزيد من 5000 مشاركة ومشارك من 30 بلدا. ونظم هذا المنتدى بعد مرور عشرين سنة عن انعقاد مؤتمر فيينا العالمي لحقوق الإنسان في عام 1993. وخلال هذه المدة، شهدت قيم حقوق الإنسان دينامية كونية مستمرة وأصبحت معطى أساسيا في العلاقات الدولية، في سياق شهد ظهور مواثيق جديدة جاءت لتعزيز القانون الدولي ودعمه. وخلال نفس الفترة، توسعت وتعززت بشكل كبير منظومة الأممالمتحدة في مجال حماية الحقوق الأساسية .وتأسست هيئات إقليمية ودولية جديدة للنهوض بحقوق الإنسان وحميتها، في حين كرست المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان موقعها كفاعل دينامي يقوم بدور متزايد الأهمية. وفي الوقت نفسه، ظهرت العديد من المنظمات غير الحكومية الوطنية، والإقليمية والدولية، وأصبحت أكثر احترافية وتخصصا وفاعلا لا محيد عنه . وعرفت العشرون سنة الماضية، أيضا، ظهور إشكاليات جديدة لم تكن معروفة من قبل، تسائل الضمير الدولي بالموازاة مع تنوع وتعاظم أشكال المنازعة في كونية الحقوق.