بات تنظيم «الدولة الإسلامية» ذو الأيدلوجية المتطرفة يجتذب العديد من المؤيدين وخصوصا الشباب في الأوساط الراديكالية في ليبيا, إذ أصبحت مدينة درنة (شرق) التي تحولت إلى»إمارة إسلامية» أول موطىء قدم له في ليبيا ومعقلا لأنصاره كما يرى خبراء. ويعتبر بعض المراقبين الغربيين والمحللين مدينة درنة معقلا تاريخيا فعليا للمتشددين في ليبيا, خصوصا وأن جماعات منها أعلنت تأييدها لتنظيم «الدولة الإسلامية» على غرار جماعات متطرفة أخرى في شمال إفريقيا من بينها جماعة جند الخلافة في الجزائر وأنصار بيت المقدس في مصر. وقبل أيام فقط, أعلن أبوبكر البغدادي في «رسالة صوتية» إن «الدولة الإسلامية» التي يتزعمها تمددت لتشمل عددا من الدول من بينها ليبيا. وقال البغدادي «نبشركم بتمدد الدولة إلى الحرمين واليمن ومصر وليبيا والجزائر وإعلانها ولايات جديدة للدولة الإسلامية», معلنا عن حكام على رأس هذه «الولاية الجديدة للتنظيم». وقبل أيام حشد ما يسمى ب»تنظيم شورى شباب الإسلام» في درنة مجموعة من أتباعه لمبايعة التنظيم المتطرف أو التمهيد لذلك, فيما أفادت تقارير محلية أن يمنيا وضع على رأس ولاية درنة بعدما تلقى البيعة مبعوث سعودي للبغدادي من الموالين الجدد هناك. وفي الواقع, بينت الأخبار والصور المتداولة على المنتديات الجهادية في الأسابيع الأخيرة موالاة الجهاديين في ليبيا لتنظيم «الدولة الإسلامية». وفيما لم يتسن التحقق من صحة هذه الأخبار والوثائق حتى الآن, كونها غير مذيلة بتوقيع لمجموعات معروفة, سوى حملها لعبارة غامضة وهي «الدولة الإسلامية, ولاية برقة» وهو الإقليم الشرقي لليبيا إضافة إلى إقليمي طرابلس وفزان. لكن الولاياتالمتحدة الأميركية, أعربت الاسبوع الماضي عن «قلقها» حيال هذه المعلومات. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية جيفري راتكي «لقد رأينا تقارير بأن الفصائل المتطرفة العنيفة في ليبيا تتعهد بالولاء لتنظيم الدولة الإسلامية وتحاول الانضمام إليه». ومنذ سقوط نظام معمر القذافي في عام 2011 احتلت مدينة درنة ومعظم بنغازي, ثاني أكبر مدينة, من قبل الجماعات المتطرفة وخاصة أنصار الشريعة التي اعتبرها مجلس الأمن الدولي الأربعاء جماعة إرهابية. وبدأ اللواء المتقاعد خليفة حفتر مدعوما مؤخرا من قبل الجيش في مايو عملية ضد مجموعات وصفها ب»الإرهابية» في شرق ليبيا, بما في ذلك انصار الشريعة, ومنذ ذلك الحين, يستمر القتال بشكل شبه يومي ويؤدي الى سقوط قتلى من المعسكرين. وفي أبريل الماضي أعلنت مجموعة متشددة في درنة أنها ستنشىء محاكم شرعية وفقا للشريعة الإسلامية. وهذه الجماعة التي تطلق على نفسها اسم «مجلس شورى شباب الإسلام» في درنة, أقامت محاكم وشرطة «إسلامية», وأخرجت عدة مواكب بانتظام في درنة, لمسلحين ملثمين يرتدون الزي العسكري على متن شاحنات صغيرة مسلحة, وهم يحملون البنادق الرشاشة والقذائف الصاروخية ويلوحون بالراية السوداء الخاصة بالقاعدة. وأصدرت هذه الجماعة في غشت الماضي شريط فيديو يظهر عملية إعدام علنية لمصري متهم بالقتل, في ملعب لكرة القدم في المدينة خارج إطار القضاء, وهي العملية الأولى من نوعها في ليبيا. وفي المقابل, لم تعلن أي مجموعة متطرفة رسميا حتى الآن ولاءها الرسمي لأمير تنظيم الدولة الإسلامية أبوبكر البغدادي, بسبب الانقسامات داخل صفوفها بحسب تقارير المحللين والمراقبين. وقال خبير ليبي في الجماعات الجهادية طلب عدم ذكر اسمه إن «كثيرا من المتطرفين في درنة ينجذبون لتنظيم الدولة, ولكن لأن معظم قادة الجهاديين في ليبيا هم أعضاء سابقون في القاعدة, ولأن هناك صراعا أيديولوجيا بين مؤيدي الدولة, وتنظيم القاعدة لا يوجد حتى الآن إعلان صريح بالانضمام إلى تنظيم الدولة». وقد صنف مجلس الأمن الدولي جماعة أنصار الشريعة في درنة وفي بنغازي جماعة إرهابية كونها على صلة مع تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي. وقال الخبير الليبي إن «القرار استند على تقارير استخباراتية عالية الدقة, لأن أنصار الشريعة لها فعليا روابط وثيقة بالقاعدة أكثر من أية مجموعة متطرفة اخرى». ووفقا لكلوديا غزاني, المحللة في المجموعة الدولية لمعالجة الأزمات في ليبيا, فإن فصائل من مدينة درنة تعهدت بالولاء لتنظيم الدولة الاسلامية, لكن وزنها وعدد أعضائها غير معروفين. وقالت غزاني «هناك ربط خاطىء بين إنشاء المحاكم الإسلامية, وقتل الجنود الذي يقوم به تنظيم الدولة الإسلامية». وفي الواقع, تعتبر درنة فعليا «إمارة إسلامية» خارج سيطرة السلطات الليبية, حتى قبل إعلان «الدولة الإسلامية», فقد استقطبت العديد من المقاتلين الأجانب بانتظام منذ العام 2011 ليتم تدريبهم قبل إرسالهم إلى العراق أو سوريا او مالي. وقالت غزاني «الأمر ليس واضحا» إذا ما كان الجهاديون في درنة مع «الدولة الإسلامية» أم لا. وقال خبير أمني ومسؤول ليبي سابق إن «هناك مجموعات صغيرة في درنة تعهدت بالولاء لتنظيم الدولة بحثا عن كيان قادر على توحيد المجتمع الإسلامي في نظرها, وفقا لمفهوم الحكم الإسلامي والخلافة التي تنادي بها مختلف الجماعات الجهادية». واضاف الخبير الذي طلب عدم الكشف عن هويته لأسباب أمنية ان «الاختلافات الأيديولوجية مع الجماعات الجهادية الأخرى والحرب التي شنها التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة جعل هذه الفصائل تختار عدم الإعلان عن نفسها وإن كان عدد من أفرادها يقاتلون إلى جانب أفراد تنظيم الدولة الإسلامية في العراقوسوريا». وقال أحد سكان المدينة إن «الحياة اليومية طبيعية في درنة», موضحا أنه «يمكن الخروج والذهاب للتسوق وزيارة الأقارب, ولا أحد يمسك, ولكن إذا كنت من الشرطة أو الجيش أو تعمل في مجال القضاء, فمؤكد أنك ستكون ميتا». وأشار إلى أنه «لتكون في درنة بمنأى عن العنف, لابد عليك أن تكون بمعزل عن السياسة وعن كل ما يثير هذه الجماعات الإسلامية المتطرفة لتعيش». محفزات الدنيا والدين يحلمون بالشهادة ويمجدون الشريعة والخلافة, ولكن خلف هذا الخطاب المؤمن يخفي المتجهون للقتال في سورياوالعراق دوافع اكثر دنيوية, يؤكد الخبراء والمسؤولون. قسوة العيش والرغبة في المغامرة والمطالب السياسية وعدم القدرة على الاندماج في المجتمع والانجذاب للحرب والرغبة في السير على خطى الاصحاب والحصول على لقب بطل في نظرهم, وخوض تجربة مثيرة مع المجموعة: يلتقط كثيرون الخطاب الاسلامي المتطرف على الانترنت والذي قلما يفهمونه أو يعرفون مقتضياته, ويستخدمونه للتعويض عن نواقصهم وضعفهم ولتغذية أوهامهم او تطلعاتهم المثالية. يقول البروفسور الاميركي جون هورغان الاختصاصي في علم النفس السياسي ومدير مركز دراسات الارهاب في جامعة بنسلفانيا «اعتقد ان الاسباب (التي تدفعهم للسفر الى تركيا للالتحاق بالجهاديين) ليس لها علاقة بالدين بقدر ما يعتقد البعض». ويضيف ان «الدولة الإسلامية تبيعهم الأوهام وخليطا من المنافع الشخصية والسياسية. فهؤلاء الشبان يوعدون بالجنس والمغامرة والإثارة والرفقة. لكن يمكنهم كذلك الانتقام من قرون من التفرقة والتغريب. كما يشكل استخدام افعالهم لاهانة الغرب مكافأة إضافية». ونجح فريق «داعش» وهي التسمية الرائجة للتنظيم في توظيف قنوات التواصل الاجتماعي والخرافات والاقتباسات الدينية التي يعرفون انها ستخدم اغراضهم وتجذب الشباب للالتحاق بهم. وفي دراسة بعنوان «التحول الناجم عن الخطاب الارهابي الجديد لدى الشباب», يفصل المركز الفرنسي لدرء الانحراف الديني المرتبط بالإسلام كيفية توظيف فيلم «المصفوفة» (ذي ماتريكس) (اخرج من المصفوفة واصبح المختار) وثلاثية سيد الخواتم (عد الى الجماعة) او لعبة فيديو «عقيدة القاتل» (اطع السيد المقدس), في التجنيد. ويوضح التقرير ان «الخطابات الارهابية الجديدة طورت وسائل التجنيد من خلال التخصص في استخدام الانترنت كأداة, الى درجة أنهم يقترحون عروضا شخصية مختلفة عن بعضها وتلائم شبانا مختلفين تماما». بعدها, يتابع التقرير «ينقلون الشاب من التكوين العقائدي الافتراضي الى التجنيد الميداني». «معظمهم لا يعرف شيئا عن القرآن», يقول مارك سجمان الاخصائي النفسي الذي تابع مسار المتطوعين للجهاد, والعميل السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الاميركية ومؤلف كتاب «الوجه الحقيقي للارهابيين». ويضيف «انهم يشعرون بالانتماء الى جماعة سياسية, فهنا هم مجاهدون. الدين هو مجرد قشور. انها جماعة اسلامية ولكن كان يمكن ان تكون أي شيء آخر, جماعة فوضوية او مناهضة للفاشية (...) انه مجتمع وهمي وهم يتخيلون انهم يشكلون جزءا منه حتى وان كانوا لا يمتون اليه بصلة. انهم يشعرون بانهم جنود للدفاع عن هذا المجتمع الذي يقال لهم انه يتعرض للعدوان». وفي كلمة أمام مركز للابحاث في واشنطن قال وزير الخارجية الاميركي جون كيري «العام الماضي, غادر شابان بريطانيان للانضمام الى «الدولة الاسلامية». قبل مغادرتهما طلبا كتاب «الإسلام للأغبياء» و»القرآن للأغبياء !» واضاف «لنكن صريحين: مجندو «الدولة الاسلامية» لا يبحثون عن مؤمنين متبحرين في الاسلام. انهم يؤكدون ان اعمال القتل والتعذيب والوحشية والاغتصاب وانتهاك المحرمات تؤتى بوحي الهي. هذه سخافات». وتؤيد هذا التحليل الطبيبة كانتا احمد البريطانية التي درست شخصيات المتطوعين للجهاد. وقالت الطبيبة لصحيفة الغارديان قبل فترة قصيرة «انهم يسعون وراء حلم وغالبا لا تكون لديهم اي فكرة عن الاسلام. يصبحون سجناء لهذا الوهم, كما ينغمس البعض في عالم العاب الفيديو, ويغريهم الكلام المشبع بالاستعارات والتشبيهات التي ليس لها صلة بالاسلام الحقيقي». واضافت «هؤلاء الشباب يشعرون بلا شك انهم سجناء في عالم تافه وعادي, و»الدولة الاسلامية» تجعلهم يعتقدون ان بامكانهم ان يكونوا جزءا من شيء اكبر (...) اذا كنت شابا وخيالك محدود ولديك مشكلة في التواصل مع الجيران والاصدقاء في مجتمع تعددي, يمكن بسهولة اغواؤك. فأنت تشبه صفحة بيضاء». شبان عاديون من فرنسا يحملون أسماء عادية كماكسيم وايلين ودافيد, وهم شباب فرنسيون عاديون اعتنقوا الاسلام واتجهوا نحو التشدد, ما اثار صدمة في المجتمع الفرنسي الذي لم يستوعب سلوكهم. وقال رينيه وهو جار لذوي ماكسيم اوشار الذي يشتبه بأنه كان بين مقاتلي تنظيم الدولة الاسلامية الذين اقدموا في نهاية الاسبوع على قطع رؤوس حوالى عشرين سوريا «لم يذهب الى سوريا في البداية بقصد الإيذاء». وقالت زوجته جانين وهي تحاول حبس دموعها, مستذكرة فتى كان يلهو مع احفادها في بلدة بوسك-روجيه-ان-روموا الصغيرة في النورماندي (شمال غرب) «كان صبيا لطيفا لم يكن يعاني من مشاكل. ربما قاموا بتخديره». ولا يمثل ماكسيم كما ايلين (17 سنة) التي كشف الاعلام الفرنسي مطلع اكتوبر حياتها العادية حتى ال15 او دافيد دروجون الذي قتل مطلع نوفمبر بهجوم لطائرة اميركية من دون طيار, نماذج تصور فعلا الفرنسيين الذين ذهبوا الى العراق او سوريا للقتال. وهناك عامل مشترك واحد يجمعهم وهو انهم ينتمون الى عائلة ملحدة او كاثوليكية واعتنقوا الاسلام في سن مبكرة, 13 عاما لدافيد و15 لايلين التي تسعى والدتها لاعادتها الى حياتها السابقة ومنعها من مغادرة فرنسا و17 عاما لماكسيم. وفي السابق كان الخطاب الاسلامي المتشدد يطال أساسا شبانا مهمشين على الصعيدين الاجتماعي والعائلي. وقالت دنيا بوزار مديرة مركز الوقاية من التجاوزات المرتبطة بالاسلام «اليوم هذا الخطاب يؤثر على شباب من اسر مختلفة». وبوزار من معدي التقرير الاخير حول الجهاديين الشباب الفرنسيين مع المفاوض السابق في شرطة النخبة الفرنسية كريستوف كوبين والاخصائي في شؤون التربية سليمان فالسان. وعمل الثلاثة على معلومات تتعلق ب160 اسرة اتصلت بمركز الوقاية من التجاوزات المرتبطة بالاسلام منذ فبراير. و80% من الاسر ال160 التي اتصلت بالمركز لافشال عملية تشدد شاب وتوجهه الى سوريا او العراق تقول انها ملحدة. وتشكل الطبقات الوسطى غالبية مع نسبة 67%. والشباب الذين تتراوح اعمارهم بين 15 و21 سنة هم الاكثر تأثرا (63%) وفقا للتقرير نفسه الذي يشير الى ان الانترنت يشكل الطريقة التي يتم جذبهم بها في 91% من الحالات. وأكد معدو التقرير ان «الخطابات الارهابية الجديدة»حسنت تقنيات التجنيد من خلال التحكم باداة الانترنت لدرجة انهم باتوا يستطيعون التأثير على شبان مختلفين تماما». فقد تمكن المتشددون الإسلاميون من جذب الشبان الغربيين عبر اللعب على «خمسة نماذج» فعالة : نموذج «البطل» الذي يغوي الشباب, او التركيز على التحرك من اجل «قضية انسانية» الذي يجذب قاصرات للتوجه الى سوريا او العراق, او نموذج «الذي يبحثون عن زعيم», او جذب الشبان الذين يرغبون في القتال, او من يبحث عن النفوذ وهو نموذج يجذب افرادا «دون حدود». ووفقا للأرقام التي نشرتها صحيفة لوموند الثلاثاء الماضي, فإن عدد «الذين اعتنقوا الاسلام» يزداد في صفوف تنظيم الدولة الاسلامية. ومن اصل 376 فرنسيا موجودين في سوريا 23% منهم لم ينشأوا في ثقافة اسلامية بحسب الصحيفة. ونقلت الصحيفة عن جان بيان فيليو الاخصائي في العالم العربي-الاسلامي قوله ان اعتناق الاسلام المتشدد يزداد بسبب جهل الدين الاسلامي. ومهمة الشبان الذين يعتنقون الاسلام تجنيد آخرين وقال «يجندون اشخاصا من معارفهم ما يعني ان اليوم لم يعد هناك نموذج للجهادي لكن بات هناك مزيج من فئات مختلفة ومتباينة» اي اسر ملحدة او كاثوليكية او مسلمة او موحدة او مفككة. واعلنت الشرطة الفرنسية انها تحقق لمعرفة ما اذا كان هناك فرنسي أخر قد يكون ضمن الجهاديين الذين قاموا بعملية إعدام جماعية في نهاية الاسبوع الماضي. وذكرت السلطات الفرنسية انه شاب في ال22 قد يكون اعتنق الإسلام.