صدر تقرير ضخم عن منظمة الفرنكفونية حول وضع اللغة الفرنسية في العالم يتضمن معطيات من ضمنها نسبة الفرنكفونيين في المغرب حيث تجعلهم الدراسة ما بين 25 % الى 65 % من مجموع الشعب المغربي. وهو رقم يناقض الواقع المغربي بشأن هذه النسبة المرتفعة على ضوء معدل الأمية الحقيقية في البلاد وعلى ضوء استهلاك اللغة الفرنسية في البلاد. التقرير يبرز احتلال اللغة الفرنسية المركز الخامس في العالم ب 274 مليون شخص بعد لغات أخرى منها الإنجليزية والإسبانية والصينية واللغة الرابعة الأكثر استعمالا في شبكة الإنترنت وهي اللغة الثانية في العالم التي يجري تعلمها. ونشر التقرير خريطة بالألوان تبرز معدل انتشار اللغة الفرنسية، حيث تأتي فرنسا وكندا وبلجيكا في المركز الأول باللون البنفسجي بما يناهز 65 % الى 98 %، وتحتل دول المغرب العربي الثلاث المغرب وتونس والجزائر المركز باللون الأحمر بما بين 26 % الى 65 %. ويركز التقرير كثيرا على المغرب ويعتبره من الدول الأكثر استعمالا للغة الفرنسية في العالم. والمثير للتساؤل في هذه الدراسة هو استمرار اعتمادها معايير قديمة دون تحديد المفهوم الحقيقي للفرنكفونية على المستوى الثقافي والسياسي والاجتماعي، وفي الوقت نفسه دون توضيح المعايير الدقيقة. وتفيد الكثير من الدراسات بما فيها الفرنسية بتقهقر اللغة الفرنسية في العالم لصالح منافستها التاريخية الإنجليزية وكذلك لصالح لغات أخرى مثل الإسبانية والصينية. وتقهقر لغة معينة مرتبط بتقهقر الدولة الأصل، إذ أن تراجع فرنسا في استمرار في الساحة الدولية. ويبقى المعيار الحقيقي للحديث عن قوة اللغة هو فهمها على ضوء استعمالها من طرف النخبة واستهلاكها في المجتمع نفسه. وعلى ضوء هذا، تبقى نسبة 26 % الى 65 % بالنسبة للمغرب مبالغ فيها كثيرا. عمليا، تستمر اللغة العربية لغة النخبة في المغرب وخاصة في مجال الاقتصاد، إذ أن البورصة المغربية تعمل بالفرنسية، وتصدر الجرائد الاقتصادية مثل يومية ليكونوميست وأسبوعية لافي إيكونوميك بالفرنسية. وإداريا، تستمر اللغة الفرنسية مهيمنة في بعض الوزارات وأساسا الاقتصاد، لكن الإدارة المغربية تسير نحو المغربة، إذ أن معظم الوثائق تعمل الآن باللغة العربية والفرنسية بما في ذلك وزارة الاقتصاد. إعلاميا وثقافيا، يوجد تراجع مهول للغة الفرنسية وتستمر فقط بفضل القرار السياسي للدولة المغربية في ارتباطها بفرنسا تاريخيا. ومن خلال استعراض استهلاك الاعلام في المغرب، نسبة القراء باللغة الفرنسية لا تتجاوز 5% بعد اقتحام الصحافة الرقمية المشهد الإعلامي في المغرب وهي صحافة عربية بامتياز. فقد تراجعت مبيعات كل الجرائد والمجلات الصادرة باللغة الفرنسية في المغرب بدون استثناء. وتقلصت مبيعات الصحف الفرنسية في المغرب مثل لوموند ولوفيغارو بشكل لافت مقارنة مع العقود السابقة بل حتى نسبة قراء لوموند في شبكة الإنترنت من المغرب لا يتعدى بضع آلاف أغلبهم من الفرنسيين المقيمين. ولعل العنوان البارز لأزمة اللغة الفرنسية هو قرار الدولة الفرنسية إنشاء القناة التلفزيوينة فرانس 24 باللغة العربية لمخاطبة الرأي العام المغاربي. ولا تحتل أي قناة باللغة الفرنسية المراكز الخمس الأولى في سلم المشاهدة لدى المغاربة. اجتماعيا، في بلد مثل المغرب حيث الأمية الحقيقية في حدود ما بين 40 % الى 45 %، بينما الأمية المعرفية في حدود 80 %، يبقى الحديث عن معدل متوسط ما بين 26 % الى 65 % من المغاربة فرنكفونيين مثيرا للتساؤل حول المعايير الأكاديمية المعتمدة لأن 65 % يعني أن نسبة الفرنكفونيين يفوق مجموع المتعليمن في البلاد، وهذا تناقض علمي صارخ. ويبدو أن التقرير اعتمد على إحصائيات عدد المغاربة الذين مروا من المدرسة، بحكم أنه في المستوى الابتدائي يبدأ تدريس اللغة الفرنسية، وهل من غادر التعليم الابتدائي أو الثانوي يعتبر فرنكفونيا؟