كان المهدي هو المرجع الذي يلجأ إليه كل من يريد التأكد من هوية التنظيم السياسي الجديد، وسواء في التجمعات العمومية أو في الندوات الصحفية، فإن ما يشفي الغليل، هو ما يصدر عنه من أجوبة أو تصريحات، خاصة عندما كان مولاي عبد لله ابراهيم وعبد الرحيم بوعبيد لايزالان مسؤولين في الحكومة من دجنبر 1958 إلى ماي 1960 وحتى بالنسبة للمناضلين الاتحاديين، فإن المهدي، هو الذي كان يلجأ إليه خاصة في المسائل التنظيمية، وفي حل المشاكل التي كانت تطرأ أحيانا وهي من طبيعة العمل الحزبي، إذ كثيرا ما يتنقل من الرباط إلى منطقة ما، مهما كان بعدها إما للاطلاع على شؤون الحزب وسيره، أو ليحل ما كان يحدث بها من منازعات أو خلافات بين الأعضاء المسؤولين في مكاتب الأقاليم أو الفروع. وكان رحمه لله، مدركا تمام الإدراك، وبعد تجربة طويلة في الحقل الحزبي، أن أي حزب يعتمد على جماهير عائمة غير مؤطرة، مآله التسيب والميوعة ثم الاضمحلال. وإلى جانب هذه الاهتمامات، كان حريصا على توسيع نشاط الحزب والعمل الجمعوي ليغطي كل أرجاء البلاد، وكان علاوة على الاعتماد على مسوؤلي الفروع، كثيرا ما يقوم بزيارات تفقدية إلى فروع الحزب، إما بطلب من مسؤوليها، أو بمبادرة منه، ولا فرق لديه بين القريب منها والنائي. كان هذا ديدنه منذ صار مسؤولا قياديا في حزب الاستقلال وحتى عهد الحماية. من ذلك ما حدثني به أحد الذين رافقوه في زيارة قام بها إلى فجيج عام 1951، حدثني هذا المرافق رحمه لله وهو الذي ساق السيارة التي استعملها للزيارة، قال: «لما وصلنا إلى فجيج فوجئنا بالمهدي يأمره بالتوجه إلى مقر «المراقب»، فاستغربنا، وسألناه عن السبب، فرد: هذا أحسن من أن يصله الخبر بطريقة أخرى، وبهذا يصبح وجودنا تحت مسؤوليته… لم يسعني إلا تنفيذ رغبته، وكانت مفاجأتنا أكثر، عندما استقبلنا «المراقب»، ذلك أن المهدي قدم له نفسه كصحفي يريد إنجاز عمل صحفي عن البلدة.. وقد مرت الزيارة كما خطط لها المهدي دون أن يلحقنا أي أذى من المراقب وأعوانه»، وهذا ما أكده لي المهدي نفسه بعد انتفاضة 25 يناير 1959. ولما استفسرته عن جلية ما أقدم عليه، ابتسم وقال لقد جربت هذه الطريقة في كثير من المناطق، ولم أصب بأذى، وأقصى ما ووجهت به في بعضها، هو منعي من البقاء، هذا بالنسبة للمناطق التي يكون فيها المراقبون من غلاة الاستعمار، أو ليس بها من يحتج على منعنا. أما فجيج فكل سكانها كانوا وطنيين، لهذا خشي المراقب من إثارة غضب أهلها، فسمح بالزيارة، ومرت بسلام.. ولم يفته أن يسألني عن مرافقه السائق، وهل مازال حيا وكيف حاله، فأخبرته بأنه بخير، ثم رجاني أن يتصل به عند زيارته لمدينة وجدة، وهذا ما لم يحصل. فعندما زار المهدي مدينة وجدة في إطار الحملة الانتخابية البرلمانية لعام 1963 كان هذا المرافق منتسبا لوزارة الداخلية كشيخ بمقاطعة حضرية. ولهذا وتلافيا لكل إحراج أو إلحاق أذى به، عدل عن ترتيب الاتصال بينهما. كان الشغل الشاغل للمهدي، والذي ظل مهووسا به، هو عنصر التنظيم في العمل الحزبي، هذا ما لمسته ولاحظته عن قرب، خاصة بعد انتفاضة 25 يناير 1959. فمنذ هذا التاريخ لم يعرف المناضلون المهدويون أو الانفصاليون، كما كان ينعتهم الاستقلاليون لذة الراحة. فعلاوة على أنشطة فروعهم، كان عليهم أن يحضروا الاجتماعات الدورية على الصعيد الوطني وما أكثرها. وحسب ما أذكر، فقد كانت تعقد مرة كل شهر، لاسيما في المرحلة الأولى للتأسيس، إضافة إلى اللقاءات المحلية، التي كان يحضرها أعضاء من الكتابة العامة الوطنية للاتحاد، والتي غالبا ما يكون على رأسهم المهدي بنبركة.