مع كل صباح، وإشراقة أمل..ليوم جديد، يستقبلنا الصخب وضوضاء اليومي.. نتوغل داخل هذه الدائرة المغلقة، من الالتزامات والإكراهات في عمل، قد يكون قدرنا، وفي واجبات التفاني للأسرة والعائلة والمحيط الخاص بنا. صخب ينتهي بمجرد ما يلج النهار في حضن الليل، حينها يستكين كل شيء، يعم الهدوء الأرجاء، ونعود الى قرارنا الغابر لنجد أكبر مخاوفنا قابعة في ركن قصي، تراقب ترهلنا وتحتفل بعودتنا إليها وانتصارنا المصطنع عليها.. هي العزلة ذاك الشعور بأن لا أحد معك لا أحد يسمعك، ولاشريك تربت يده على كتفك، لحظة التعب والعجز وقلة الحيلة. العزلة حين تقول كل شيء، ولا يسُمع منه شيء.. فقط، يتلقاك الخواء والعدم. تسقط كلماتك في الفراغ لتتلاشى، حين تجلس مع الهواء على طاولة فارغة، تحدثه وتؤنس بوجوده، تبتسم له.. لكن، ابتسامتك تعود محملة على تنهيدة من الأعماق. هذه اللعنة الأبدية، التي لاتفارقنا، هي الإحساس أننا منبوذون، وإن كنا نعج بضجيج المارين من دروب حياتنا، كما يشير موباسان، الكاتب الفرنسي، إن ألمنا الكبير في الحياة، يأتي من كوننا «وحيدين للأبد وكل أعمالنا لاتصب سوى لتبديد هذه الوحدة». أو كما يقول، الروائي هاجد محمد، «وحيد… لم أعد بحاجة لمن يحملني بقلبه… صرت قادرا على التأقلم مثل طفل بدأ للتو خطواته الأولى وكهل لم يتبق له إلا عصاه». وجع العزلة، أن تكون موجود، لكن بغير ملامح، بدون رغبة في الحياة، اللهم قدرنا أن نمارس واجباتنا، كما تعودنا بتفان، أو بإحساس الواجب.. بينما يظل إحساس العزلة يطرق دواخلنا، محفورا في الأعماق. لنسلم أننا خلقنا وحيدين، حينها ستكون الوحدة شيئا قدريا، لصيقا بنا. أما الحياة وإكراهاتها، فتبدد هذا التعايش، ودوامة الحياة ترسخه ليعود الإنسان الى قدره الأول، حيث القناعة بقدرية الوحدة تكون نوع من التصالح مع الذات،تصبح معه الحياة أقل ألما وأكثر سلما وأكثر تقبلا أن لا أحد يعيش عنك حزنك، ولا ألمك، ولو أُحِطت بكل العالم. التعايش والتصالح مع وحدتك، هو سلام واستكانة للروح، ستستأنس بذاتك وتحتوي فراغاتك، وتحب الكلام الصامت، المتبقي في صدرك، ستبوح به لوحدتك أثناء صلاتك. قدسية الأشياء، تكمن في التعايش معها، في احتوائها.. هي لن تفارقك وعليك التأقلم معها، سينسدل ستار الليل لنأنس بها، ستحاول أن نجد لها ثقوبا تضيء عتمتها، وستجعل هذا الحيز الفارغ ذو وجهة وهدف، وتجعل من الوحدة استراحة محارب.. لا أحد يأخذ عنك وحدتك الفارغة إلا أنت..