يحتفل المغرب يوم الخميس المقبل 20 نونبر الجاري، كما هو الشأن بالنسبة لدول العالم، باليوم العالمي للطفل الذي يتم تخليده كل سنة بناء على توصية من الجمعية العامة للأمم المتحدة، ليكون يوما للتآخي والتفاهم بين أطفال العالم، وللعمل من أجل مكافحة حالات العنف بكافة أشكاله ضد الأطفال، وإهمالهم، واستغلالهم في كثير من الأعمال الشاقة التي تفوق طاقتهم، وبهدف حث الحكومات على سن قوانين وأنظمة لحماية حقوق الطفولة وتسليط الضوء على ما يعانيه الأطفال في بعض دول العالم من شتى أصناف العنف. حدث يأتي لخلخلة وعي المجتمعات بشأن واقع الطفولة التي تعيش وسط دوامة من المتناقضات والعنف بكل أشكاله وتلاوينه، من الجسدي والنفسي إلى الجنسي، من طرف آباء، أعمام، أخوال، أشقاء، أساتذة المفروض أنهم مربون، أئمة ووعاظ، ومن قبل حرفيين بالحي، وآخرين بالشارع العام ...، إذ تتسع دائرة الاعتداءات، سيما الجنسية منها، التي تؤكد على استشراء النزعة الجنسية المرضية، التي تحول أشخاصا إلى وحوش آدمية، يبحثون عن أطفال لتفريغ مكبوتاتهم، يغتصبون البراءة ويعدمون الطفولة، في تناقض صارخ مع الشخصية التي يقدمونها عن أنفسهم أمام العلن، واضعين أقنعة لإخفاء حقيقة مرضهم، والأنكى أن منهم من تجدهم يعطون الدروس ويقدمون المرافعات حول القيم والأخلاق! يجمع المتتبعون على أن الاعتداءات بشكل عام والاعتداءات الجنسية على الأطفال بشكل خاص، هي في تزايد مستمر، فبحسب تقرير حقوقي صدر في المغرب، فإن ظاهرة الاعتداء الجنسي على الأطفال تتنامى بشكل كبير، وتتراوح أعمار الضحايا ما بين 5 و 14 سنة في أغلب الأحيان. وقد تبين أن 75 في المئة من المعتدين، بحسب التقرير، هم من أقارب الأطفال، كما أن الاعتداءات الجنسية و بشكل عام تشكل 80 بالمئة من حالات استغلال القاصرين في المغرب. تقارير أخرى لفاعلين جمعويين أكدت على أن هذه الظاهرة استفحلت خلال السنوات الأخيرة، إذ يتجاوز عدد الاعتداءات على القاصرين على الصعيد الوطني يوميا 70 اعتداء، بمعدل 27 ألف طفل وطفلة، بينما تؤكد أرقام أخرى، في غياب إحصائيات رسمية مضبوطة، على أن الأطفال الذكور هم أكثر عرضة للاعتداء الجنسي، بنسبة 56 في المئة، من الإناث اللائي يأخذن نسبة 40 في المئة، وأن حالات الاعتداء الجنسي تتوزع حسب طبيعة المعتدي، إذ يحتل الأقارب والجيران صدارة لائحة المعتدين، يليهم المعتدون الغرباء، ثم الآباء بنسبة 8 في المئة، وأطر التعليم بنسبة 2 في المئة. هذا في الوقت الذي سبق للمرصد الوطني لحماية الطفولة، أن أفاد في تقرير له سنة 2010، على أنه استقبل ما بين سنتي 2000 و2009 ، ما مجموعه 3708 حالات اعتداء على الأطفال، من بينها 1000 شكوى تتعلق بالاعتداء الجنسي. بداية ما المقصود بالعنف، وهل يقتصر على الإيذاء الجسدي؟ العنف هو تعبير عن القوة التي تصدر ضد النفس أو ضد أي شخص آخر بصورة متعمدة، أو إرغام أي شخص كان، طفلا، راشدا أم قاصرا، أنثى أو ذكرا، على إتيان فعل نتيجة لشعوره بالألم بسبب ما تعرض له من أذى، وبالتالي فهو سلوك عمدي موجه نحو هدف، سواء بشكل لفظي أو غير لفظي. والعنف ينقسم إلى ثلاثة أنواع، فهناك: العنف الجسدي، وهو المتعارف عليه بشكل عام، والذي يتم خلاله تعريض الشخص للأذى البدني الذي قد يتطور من الصفع واللطم واللكم وكل أشكال الضرب باليد أو بغيرها من الأدوات إلى الجرح وإحداث عاهات أو القتل حتى، علما بأن البعض يتعايش معه ولايعتبر بعضا من تفاصيله عنفا، كما هو الحال بالنسبة لبعض الزوجات اللواتي حين سؤالهن إذا ما كن يتعرضن للعنف من طرف أزواجهن يكون جوابهن بالنفي، مضيفات بأنهن فقط يتعرضن للصفع؟ ثم هناك العنف النفسي والذي يتمثل في السب والقذف والتجريح والامتهان، وكل أشكال الحط من الكرامة والاحتقار، ويندرج ضمنه كذلك عدم الاكتراث واللامبالاة وعدم الرد على الأسئلة والملاحظات، واعتماد المقارنات التفضيلية الجارحة، وبالتالي فهو بدوره شكل من أشكال العنف. إضافة إلى ذلك، هناك نوع ثالث، وهو العنف الجنسي، فمتى كانت العلاقة الجنسية بين الراشدين نتيجة للابتزاز أو بفعل الإكراه، فهي علاقة جنسية مبنية على العنف، أما في حالة الاعتداءات الجنسية على الأطفال من طرف أشخاص بالغين، فإن ذلك لا يمكن وصفه بالعلاقة وإنما بالعنف الجنسي أو البيدوفيليا. أضحى الحديث عن الاعتداءات الجنسية على أطفال من طرف وحوش «بشرية» متداولا بشكل كبير، فهل هذا يعني ارتفاع معدلاتها في أوساط المجتمع المغربي؟ لا أعتقد بأن هناك ارتفاعا في وتيرة الاعتداءات الجنسية ضد الأطفال، فالعنف الجنسي هو نفسه وبنفس الحدة، لكن ارتفاع مستويات الوعي بشأن التعاطي مع مثل هذا النوع من القضايا من جهة، والمواكبة الإعلامية الواسعة من جهة أخرى، وخروج العديد من الأسر للحديث عنها بشكل علني، وتقديم الشكايات أمام المصالح الأمنية والقضائية، هو ما يجعلنا نعتقد أننا أمام ارتفاع في معدلات الاعتداءات الجنسية ضد الأطفال، فهي دائما متواجدة وعلى مرّ التاريخ، لكن الفرق أن الأمر كان يعد نوعا من الطابوهات التي يمنع الحديث عنها سواء بدافع تفادي العار أو بفعل الحياء أو العيب أو الخوف أو غيرها، سيّما حين يكون المعتدي أحد أفراد الأسرة ومن المقربين، أو حين يتعلق الأمر بزنا المحارم حتّى. كيف يمكن وصف المعتدي جنسيا على الأطفال؟ الأمر يتعلق بشخص مريض، يعاني خللا نفسيا، فهو ينظر إلى الطفل كما لو أنه أداة، يبحث فيه ومن خلاله عن تحقيق متعته وإرضاء نزواته وغرائزه الجنسية بحثا عن إشباع مفتقد، فالشخص الذي يعاني من البيدوفيليا هو شخص يعاني من اضطراب وخلل نفسي محوره الإحساس بالانجذاب والرغبة والخيالات والاستثارة الجنسية تجاه الأطفال ذكورا وإناثا، ويترجم هذا الاضطراب في أعراض وصور مختلفة تتفاوت من مجرد النظر بشهوة، أو اللمس المشبوه، أو التعرية للضحية، أو التعري أمامها، أو الاتصال الجنسي بشتى صوره. وهناك دراسات بينّت أن الأقربين هم الأكثر إقبالا على ممارسة هذه الاعتداءات بفعل الاحتكاك المباشر والقرب اليومي من خلال استغلال براءة الضحايا والقرابة، سواء من محيط الأسرة، أو الجيران ، سكانا وتجارا وحرفيين، أو في المدرسة وبالفضاءات الرياضية ...الخ، وذلك بحثا عن سهولة الفعل عوض الابتعاد والبحث عن ضحايا غرباء قد ينطوي البحث عنهم عن خطورة للمعتدين، علما بأن المعتدين ليسوا دوما من الأقارب. هل هذا المرض مقتصر على الذكور؟ على العكس تماما ، وخلافا لما هو شائع، فإن البيدوفيليا هي مرض يعاني منه بعض الذكور وكذلك بعض الإناث، ففي الوقت الذي تكرّس الأسرة حرصها واهتمامها بتتبع العلاقات الذكورية التي قد تكون لطفلها صلة بها تخوفا من أي اعتداء جنسي، يتم إغفال الجانب الأنثوي مقابل هاته الهالة من التخوف حيال الذكور، والحال أن هناك مريضات يسعين بدورهن إلى البحث عن الإثارة واستغلال أطفال صغار في تحقيق نشوتهن المبتغاة. ما هي التداعيات النفسية لمثل هذا النوع من الاعتداءات؟ إن كل أشكال الاعتداءات التي تحدثنا عنها لها تداعيات متعددة على السلوك النفسي للضحية، والتي قد يترتب عنها فقدان الطفل للثقة في النفس عند الكبر، عدم تحقيق الذات، احتقار النفس، تخريب الشخصية والخوف المتكرر من كل شيء والتدبير السيء للغضب خاصة في حالات العنف الجسدي، علما بأن الاحتقار والعدوانية التي تمارس على الطفل قد تتكرس عنده في الكبر ويمارس نفس المسلكيات على غيره، وهذا لايعني بأن هناك من استطاعوا تجاوز ذلك والعيش بشكل سوي. ويعد الاعتداء الجنسي أمرا خطيرا بمضاعفات صعبة على الطفل / الضحية، لكون هذا الفعل الإجرامي يؤثر سلبا في نفسيته فيعيش حالة من الانكسار، ويؤثر ذلك على هويته ونفسيته وعلى مستقبل شخصيته. فهذه الجريمة هي تقترف من طرف المعتدي جنسيا ضد طفل هو بمثابة وردة تكون في وضعية نمو وازدهار في انتظار أن تينع لكنه يجهز عليها، فالضحية يعيش بعقدة ذنب لم يكن سببا فيها، وقد يصبح بدوره معتديا جنسيا على غيره أو تنعدم عنده الرغبة الجنسية في الكبر بشكل مطلق نتيجة لرفض ما تعرض له وعدم قبوله به. كيف يمكن للمريض الجنسي تفادي الإقدام على جرمه؟ إن أي شخص يحس بأن له جاذبية للأطفال غير طبيعية وتراوده أفكارا غير متوازنة للجنس، مدعو للبحث عن أخصائي وبشكل مستعجل، الذي سيكون كاتما لأسراره، مساعدا له على تجاوز هذه الأفكار للبحث عن علاجات ممكنة تمكنه من استرداد شخصيته السوية والطبيعية. وفي حال تعرض الطفل/ الضحية للاعتداء، ما الذي يجب القيام به؟ في هذه الحالة أيضا ، يجب زيارة الطبيب الأخصائي الذي يمكنه إعادة تأثيث شخصية الطفل وإعادة زرع الثقة في نفسيته، وفي المجتمع الذي شكّل له صدمة غير متوقعة نتيجة للفعل الجرمي الذي أقدم عليه المعتدي. ما هي النصائح التي يمكن تقديمها للقراء؟ من جهة أخرى يجب على الآباء والأمهات الاهتمام بطفلاتهم وأطفالهم بشكل أكبر، وأن يولونهم رعاية واسعة، وذلك بحسن الإصغاء والتواصل والحوار، وعدم ممارسة القمع حيال فلذات أكبادهم، وتربية الأبناء على إخبار الآباء والأمهات بكل التفاصيل مهما كانت طبيعتها، الذين بدورهم يجب أن يكونون على وعي بكيفية التفاعل معها، وهنا أستحضر نموذجا لشابة كانت تتعرض للتحرش من طرف خالها، فلما أخبرت والدتها بذلك كان نصيبها هو السب والضرب. إن عدم لوم الطفل ومنحه الكثير من الحب والحنان والرعاية والاهتمام واحترام كيانه، هو أمر ضروري لبناء شخصية الطفل، وزرع جسور الثقة بينه وبين والديه. أما بخصوص موضوع الاعتداء الجنسي على الأطفال بشكل خاص والعنف الموجه ضدهم بكافة أشكاله، فإنه يتعين على الجميع، إعلاميين، متخصصين، تربويين، مهتمين، فاعلين جمعويين، وأسر، تسليط الضوء على هذه الظاهرة المرضية بشكل كبير والدعوة إلى اعتماد التربية الجنسية أو تربية الحياة بالشكل القيمي الصحيح، باعتبارها عنصرا وقائيا، مع ضرورة تفعيل القوانين الزجرية في مواجهة هؤلاء المعتدين الذين يلبسون لبوسا يواري شخصيتهم المريضة ويفرغون مكبوتاتهم في أطفال أبرياء لا حول لهم ولا قوة.