«اسمحوا في مستهل هذا التدخل, أن أقدم عبارات العرفان والامتنان، لكل من قاسمنا، عن صدق وبلا نفاق، حزن و ألم فراق أخينا أحمد الزايدي، الذي عاش بيننا كاتحادي و توفي كاتحادي، معتز بانتمائه لحزب القوات الشعبية. إنني و أنا أتدخل اليوم، باسم الفريق الاشتراكي، لا يسعني إلا أن استحضر ذاكرة حزبنا، حيث عبر أخونا الفقيد أحمد الزايدي، من هذا المنبر، وبمناسبة مناقشة مشروع قانون المالية، عن مواقف حزبنا الرافضة لسياسة الحكومة الحالية، واصفا إياها بما تستحقه من أوصاف ... ومن حسن الصدف أنه في هذه الأيام التي نناقش فيها مشروع القانون المالي، تخلد بلادنا حدثين عزيزين على الشعب المغربي وهما ذكرى المسيرة الخضراء وذكرى الاستقلال. وبهذه المناسبة لابد أن نستحضر أرواح الشهداء من مقاومين وأعضاء جيش التحرير الذين ضحوا بالغالي والنفيس من أجل تحرير البلاد وعلى رأسهم المغفور له محمد الخامس الذي قدم أروع مثال في التضحية عندما اختار المنفى تاركا العرش دفاعا عن الوطن ، مؤسسا لتعاقد متين بين العرش والشعب . وهذا ما يجعل محطة المناقشة هاته فرصة للتأمل والتقييم فيما تحقق وما لم يتحقق خلال نصف قرن من الزمن . إن أهم إنجاز حققه المغرب بعد معركة الاستقلال التي قادها المغفور له محمد الخامس هي معركة بناء الدولة العصرية وإنجاز مهام الوحدة التي قادها المغفور له الحسن الثاني والتي خلدناها منذ أسبوع في 6 نونبر. هذه المسيرة التي أطلقت معركة الوحدة وساهمت في بناء الدولة العصرية بإطلاق المسلسل الديمقراطي الذي انطلق مع الميثاق الجماعي لسنة 1976، فأن يتقرر انتقال السلطة من العمال والقياد والشيوخ إلى مؤسسات منتخبة للتقرير فيما يهم حياة الناس اليومية وأن يتحول الأمر بالصرف والإنفاق على الشأن العام من رجال السلطة الى رجال منتخبين ، أمر لاشك أنه شكل قفزة نوعية في تدبير شؤون الدولة وقتها. ودون التفصيل في المكاسب والإصلاحات المحققة في عهد جلالة الملك محمد السادس اقتصاديا أو اجتماعيا أو ثقافيا أو سياسيا أو حقوقيا ، يمكن القول أن أهم مكسب تحقق خلال هذه المرحلة بعد معركة التحرير ، ومعركة الوحدة ، هو الانخراط في مسلسل الإصلاحات السياسية والمؤسساتية , وهو ما أكدته مجموعة من الوقفات الشجاعة التي وقفها جلالة الملك سواء في محاربة الإرهاب أو بتعديل الدستور أو بإعادة هيكلة الحقل الديني وكلها محطات ساهمت في تثبيت دعائم دولة المؤسسات، و كذا ما ورد في الخطاب الملكي السامي بمناسبة افتتاح الدورة الحالية بشأن إعادة الاعتبار للعمل الحزبي وتحصين الفعل السياسي من الخطاب اللامسؤول والوعود الكاذبة و التصرفات المشبوهة. وأنا استحضر هذا السياق اسمحوا لي الآن أن أمر إلى مناقشة مشروع القانون المالي لسنة 2015 وما كنا ننتظره بعد كل التحولات التي عرفها العالم، ومنطقتنا العربية، و ما شهده بلدنا من تغييرات كبيرة، لبناء دولة المؤسسات. فعلا كنا نتمنى أن تكون للحكومة الجرأة للدفاع عن سياستها بكل وضوح، و أن تتحمل مسؤوليتها في قراراتها. لا أن تبحث عن قضايا لا علاقة لها بمسؤوليتها العمومية، مثل حشر أنفها في قضايا داخلية حزبية، لإلهاء الشعب عن إخفاقاتها، وهي تعرف أن هذا لن ينفعها، و لكنها مصرة على العمل بقولة تشبث غريق بقشة تبن، لإخفاء عيوبه وإخفاقاته القاتلة. لا يمكننا ونحن نناقش مشروع الميزانية، أن نمر مر الكرام، كما فعلت الحكومة، على الأفكار الكبرى، التي تضمنتها الخطب الملكية، خاصة ما يتعلق بالمحاور الإقتصادية والإجتماعية، وبالتوجهات الأساسية للمغرب. من حيث المنهجية أولا اسمحوا لي، السيد رئيس الحكومة، أن أقول لكم, تذمرنا في الفريق الاشتراكي من الكيفية التي تدبر بها حكومتكم في شخص وزارة المالية تحضير مشروع قانون الميزانية و مناقشته. وهي ملاحظة يبدو أنها أصبحنا نذكر بها سنويا عسى أن تجد يوما ما، طريقها إلى الحل. نؤكد مرة أخرى على أن مسطرة دراسة الميزانية غير مواتية بتاتا. فالوقت غير كاف لدراسة الميزانية بطريقة مهنية معمقة. والوسائل المادية والبشرية للإلمام بجوانبها المتعددة غير متوفرة للبرلمانين، ومطلبنا بإشراك البرلمان في إعداد التوجهات العامة للميزانية لم يتحقق بعد... ومما يزيد في تدهور الوضعية محدودية المراقبة التي يقوم بها البرلمان. حيث أن إمكانية المراقبة عن طريق مساءلة الحكومة أو بواسطة لجن التقصي النيابية قلما تهتم بمتابعة تطبيق الميزانية. كما أننا نجد أن التأخير الذي يعرفه تقديم قوانين التصفية يحرم النواب من إمكانية القيام بالمحاسبة البعدية للحكومة في هذا الإطار. وهكذا فإن آخر تصفية للميزانية تعود لسنة 2011، أي أن هذه الحكومة لم يتم تصفية أي واحدة من ميزانياتها بعد، و بالتالي ونحن قد تجاوزنا منتصف الولاية ليس بإمكاننا ونحن سلطة الرقابة أن نمارس مهامنا في هذا الاطار. من حيث الأهداف العامة التي جاء بها مشروع قانون المالية لسنة 2015 فهي مجرد أوهام وأحلام وردية تبيعها الحكومة للشعب المغربي، فالهوة شاسعة بين الأهداف العامة الواردة في مذكرة تقديم مشروع قانون المالية وبين مضامين نص هذا المشروع؛ إذ أنها تعدو مجرد شعارات توحي وكأن المغرب سيصبح جنة ما بين عشية وضحاها، وبلدا قويا سينافس اقتصاديات الدول المتقدمة، اسمحوا لي أن أذكر بما أوردت الحكومة من أهداف لمشروعها المالي ل 2015 : تحقيق إقلاع الاقتصاد الوطني وتحسين التنافسية ودعم الاستثمار الخاص والمقاولة؛ تسريع تنزيل الدستور والإصلاحات الهيكلية الكبرى وتفعيل الجهوية؛ تعزيز التماسك الاجتماعي وتقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية ومواصلة دعم البرامج الاجتماعية وإنعاش التشغيل؛ مواصلة مجهود الاستعادة التدريجية للتوازنات الماكرو-اقتصادية. القارئ لهذه الأهداف يصاب بالخيبة لما آلت إليه الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية في البلاد في عهد حكومة دستور 2011، إنها خيبة مدمرة, لأن الممارسات اليومية للحكومة تخالف في العمق هذه الأهداف النبيلة و التي لا يمكن الا ان نجمع عليها. ممارسات أبانت وأوضحت للمغاربة أن التوجهات الحقيقية لهذه الحكومة هي توجهات ليبرالية متوحشة لا تعطي أدنى اهتمام للطبقات المتوسطة والمعوزة في بلد يعيش الجزء الأكبر من ساكنته في أوضاع هشة بل ومزرية. حتى التقارير الدولية التي تتقاطر علينا منذ مدة تبرز جمود بل وأحيانا تراجع وضع المغرب خاصة في المجال الاجتماعي (التعليم والصحة) ومجال محاربة الفساد: في ما يخص مؤشر التنمية البشرية مثلا لم يبرح المغرب المرتبة 130 منذ 2009. أما موقعنا من حيث مؤشر الفساد الأكثر تداولا في العالم ألا و هو مؤشر مؤسسة «ترانسبارنسي» عن الرشوة, فإن مرتبة المغرب في تراجع مستمر منذ 2002. بالفعل فإن سنة 2002 عرف أحسن ترتيب للمغرب, حيث كنا في المرتبة 52، و منذ ذلك الحين ونحن من سيء الى أسوأ الى أن و صلنا الى الرتبة 80 سنة 2011 وتدحرجنا الى الرتبة 91 سنة 2013. بالله عليكم أين نحن من شعار محاربة الفساد... وكيف لنا ان نتباهى بتحسن رتبتنا في مؤشر مناخ الأعمال ونحن بلد تتفشى فيه الرشوة الى هذا الحد. تناقض بين الخطاب الملكي والخطاب الحكومي لقد تبين اليوم، بعد مرور حوالي ثلثي الولاية الانتدابية؛ ومن خلال مشروع قانون المالية لسنة 2015 وقبله مناقشة حصيلة الحكومة، أن هذه الأخيرة متجهة بكل ما لديها من قوة نحو تفعيل خطتها الرامية إلى تغليب مصالح الرأسمال على مصالح الأُجراء و الكادحين، تحت ذريعة أن الرأسمال هو الذي يخلق الثروة. ونسجل هنا التناقض الخطير بين الاجراءات التي أتت بها الحكومة والخطب الملكية الأخيرة. حيث جاءت تساؤلات رئيس الدولة مشروعة حول حصيلة السياسات العمومية والملايير التي تُضخ في الاقتصاد الوطني ومجهود تحديث الاطار القانوني (خاصة دستور 2011) من دون أن يكون لكل ذلك التأثير المنشود على رفاهية المغاربة. حيث لا نجد في مشروع القانون المالي أية إجراءات ملموسة للتخفيف من الفوارق الطبقية، بل على العكس، هناك إجهاز واضح على القدرة الشرائية للجماهير الشعبية، و ضغط ضريبي رهيب على جيوبهم، حيث اعتبرت الحكومة أن الفئات الفقيرة و المتوسطة هي الحائط القصير الذي ستعالج عبره إخفاقاتها. كما نبه صاحب الجلالة في خطابه الأخير، بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء، إلى إشكالات الريع، من قبل أطراف انتهازية تستفيد من الدولة، لكننا لا نلمس نهائيا أية تدابير في هذا الشأن في المشروع الذي بين أيدينا. أما فيما يتعلق بالإستقلالية عن القوى الدولية، والتي اعتبر الخطاب الملكي في الجمعية العامة بنيويورك أنه لا بد من أن ترفع يدها عن بلدان النامية، فإن الحكومة استمرت في تجاهل الأمر و ما زالت منساقة وراء تعليمات المؤسسات التمويلية الدولية، التي لا هم لها سوى تسويق نموذج اقتصادي و اجتماعي يخدم مصالح القوى المهيمنة على الاقتصاد العالمي. إننا أمام سياسية لا اجتماعية بامتياز، حيث تعادي الحكومة العمل النقابي، معاكسة في ذلك الدستور، الذي أفرد للحريات الفردية والجماعية حيزا هاما ونفس الأمر للمشاركة المدنية و للتشاور، و لكل مبادئ حقوق الإنسان و الديمقراطية. لكننا للأسف نجد أنفسنا أمام تصريحات تذكرنا بسنوات الرصاص، إننا فعلا نعيش سنوات مظلمة، في ظل حكومة تستل الرزق من جيوب المواطنين، وتعمل على التفقير الجماعي، و تبحث عن الخلاص من خلال تحالفها غير المشروط مع الفئات التي تعودت على اقتصاد الريع و على مص دماء المواطنين، من أجل أن تؤكد هذه الحكومة أنها خير خادم للطبقات المستفيدة، علها تجد مستقبلا سياسيا لها. أين هي وعود الدفاع عن مصالح الشعب؟ أين هي شعارات المظلومية و التمسُح بالفقراء؟ أين هي مشاريع القضاء على الفساد و الريع؟ أين هي وعود البرنامج الحكومي؟ لقد تبخر كل شيء، و لم يبق إلا التمسح بالفئات المستفيدة، لعلها تشفق على المستقبل السياسي، للحزب المتصدر للحكومة. لكن ما نسيه هذا الحزب، هو أن مثل هذه السياسة لن تنتج سوى الاحتقان والتوتر، لأنها تضاعف الفقر و الحرمان و التهميش، وتزيد في وقع الأزمة، بدل البحث عن حلول اجتماعية أساسا، في محيط يتسم بالهشاشة وباندحار لأوضاع الفئات الفقيرة و المتوسطة. ان طريقة تدبير الحكومة تعكس إخفاقا سياسيا لا مثيل له، في التخطيط و البرمجة ووضوح الرؤية. وقد بدا ذلك بجلاء من خلال الارتباك الذي رافق تحديد تواريخ الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، حيث لم تتحدث الحكومة عنها إلا بعد إحراجها في جلسة مساءلة شفوية، و مع ذلك مازلنا في إطار الغموض في كل ما يتعلق بها. نفس الوضع بالنسبة لتفعيل الدستور، حيث كان من اللازم أن يشكل هذا الورش إطارا ملائما للقيام بإصلاحات كبرى، على المستوى التشريعي والمؤسساتي، لتأهيل البلاد من أجل القيام بتلك القفزة المنتظرة على مستوى العدالة والمساواة والكرامة، ولكن لا شيء من هذا قد تم، بل لا زلنا نعيش في ظل أجواء الدستور السابق بكل هياكله ومشاكله. إن الحكومة تبيع الأوهام للشعب، تتحدث كما لو كنا فعلا في ظل وضع جديد، لكنها في الحقيقة تكرس أوضاعا تجاوزها المغرب منذ نهاية التسعينيات من القرن الماضي. سمات كارثية من خلال قراءة موضوعية لمشروع القانون المالي وبمنأى عن الأهداف الطوباوية والفضفاضة التي جاءت بها الحكومة في المذكرة التقديمية يتضح أن لمشروع قانون المالية لسنة 2015 سمات كارثية، وهي كالآتي: السمة الأولى: توسيع نطاق الفئات المحرومة من الثروة الوطنية وتدمير الطبقتين المتوسطة والمعوزة. كما سبق وأوضحنا فإن القراءة العميقة لمشروع قانون المالية لسنة 2015 توضح، على عكس ما تدعيه الحكومة، أن هذه الأخيرة تتعامل بانتقائية مع الخطب الملكية السامية، وخاصة خطاب جلالته الأخير الداعي إلى إعادة تقييم الثروة الوطنية وخاصة الى تحديد الاجراءات الكفيلة بضمان اعادة توزيع عادلة لهذه الثروة. إذ تتعامل الحكومة في هذا الشأن ومن خلال مشروع قانون المالية لسنة 2015 بتجاهل تام لإشكالية الفوارق الاجتماعية وتوزيع الثروة؛ بل على العكس من ذلك، فميزانية 2015 ستساهم في توسيع نطاق الفئات المحرومة من الثروة الوطنية. فالزيادة المستمرة في أسعار كل المواد والخدمات الأساسية من حيث تراجع دعم صندوق المقاصة من جهة و تزايد الرسوم الضريبية من جهة أخرى سيؤدي إلى قهر القدرة الشرائية للمواطنين نهائيا. فالزيادة في الضريبة على القيمة المضافة بالنسبة للمواد الأساسية لعيش المواطنين : (1) إلغاء الإعفاء وتطبيق نسبة 10% أو(2) رفع النسبة من 10% إلى 20% على العجائن والروز والطحين والأداء في الطرق السيارة، و (3) رفع النسبة من 14% إلى 20% بالنسبة للشاي، كلها إجراءات ضريبية تستهدف التقليص من نسبة العجز في الميزانية على حساب جيوب المواطنين وقدرتهم الشرائية. إن تقليص العجز عن طريق الزيادة في الضرائب يعد مجرد عملية تقنية لا تندرج ضمن إطار التدبير الاستراتيجي المنتج للثروة الوطنية التي ينبغي أن يستفيد منها كافة المواطنين. وسنفصل في اشكالية المداخيل و الضرائب في فقرة لاحقة. وأما فيما يخص نظام المقاصة، فالحكومة تستعمل في إطار مشروع القانون المالي جميع أنواع التدليس، مستغلة في ذلك هذه الآلية للترويج لأنصاف حقائق كالقول بأن الأسر الغنية هي من يستفيد من الدعم و ليس الطبقة الفقيرة, وأنه يجب إصلاح هذا النظام عبر تقليص الدعم على المواد الأساسية. هذه مغالطات ستؤدي إلى تعميق الهوة بين فئات المجتمع. فنحن قطعا مع الإصلاح و لكننا ضد الترقيع. فتقليص الدعم في إطار نظام المقاصة، كان من المفروض ان توازيه أجرأة الدعم للطبقات الهشة اجتماعيا. ها نحن اليوم نجد أن الحكومة حورت أهداف هذا الإصلاح من دعم مباشر لهذه الطبقات إلى ضخ المبالغ المتحصل عليها من التخفيض في مصاريف نمط عيش الادارة و خدمة دين لا ندري فيما صرف، بما أن الاستثمار العمومي كذلك تراجع ليكون الباب الوحيد من الميزانية الذي سجل نسبة نمو تناهز 0% خلال الثلاث سنوات الأخيرة. بل و عوض أن تضخ العشرة ملايير التي ستذخرها بفضل وقف الدعم في البرامج الاجتماعية الموجودة (RAMED، تيسير) تحاول التمويه بحل دعم لأطفال النساء الأرامل. بالله عليكم هل يميز الفقر و العوز بين طفل يتيم الأب أو يتيم الأم أو طفل لأم عازبة أو حتى طفل ينعم بالعيش مع أبويه؟ ما هذه الفئوية في التعامل مع أطفال المغاربة ؟ بأي حق نصبتم أنفسكم أولياء لليتامى من الأب دونا عن غيرهم من الأطفال المحتاجين؟ الواقع أنكم لو أردتم فعلا معاونة الأرامل لحافظتم لهم على معاشات أزواجهم و لوسعتم مجال الاستفادة من المعاشات عموما عوض الاجراءات التي أتيتم بها في هذا الباب. هذه التدابير الارتجالية غير المدروسة سواء في تدبير ملف المقاصة أو المعاشات أو المساعدة الاجتماعية عموما، ولدت صعوبات معيشية حقيقية ستزيد من الاحتقان الاجتماعي والاحتجاجات خاصة في بعض المدن والأقاليم التي يعيش سكانها عزلة اقتصادية كبيرة لا تبالي الحكومة بآثارها الوخيمة على ساكنة هذه المناطق. كان على الحكومة أن تصارح الشعب المغربي، بأن هذه الزيادات في الضرائب وتقليص الدعم المستمر في المواد والخدمات الأساسية خاصة في مجال الطاقة الكهربائية؛ ما هي إلا إجراءات تقوم بها استجابة لإملاءات وتوصيات مؤسسات التمويل الدولية، التي تجعل المغرب يعيش تبعية مفرطة لهذه المؤسسات بسبب لجوء الحكومة المفرط لتمويلاتها؛ علما أن صاحب الجلالة صرح في العديد من المرات إلى ضرورة العمل على الحد بل والقضاء على هذه التبعية المالية. فأين نحن من شعار استقلالية القرار الاقتصادي. نزعة ليبرالية هل هذه الإجراءات المالية التي جاءت بها الحكومة في مشروع قانون المالية لسنة 2015 والتي تمس جيوب المواطنين وقدراتهم الشرائية، تؤدي إلى استفادة المغاربة جميعا من ثروات وطنهم؟ ألا تعتبر تناقضا مع الأهداف المعبر عنها في مذكرة تقديم هذا المشروع؟ ألا تسير في الاتجاه المعاكس للتوجيهات الملكية السامية الداعية إلى إعادة النظر في الأشكال المتبعة في توزيع الثروة الوطنية؟ إننا ننبه الحكومة كما نبهناها في السابق أن نزعتها الليبرالية المتوحشة، تسير بالبلاد إلى النفق المسدود، اعتبارا لما لهذه الإجراءات من آثار سلبية لن تزيد سوى من توسيع نطاق الفئات المحرومة من الثروة الوطنية. السمة الثانية: التدليس الممنهج المستعمل من طرف الحكومة فيما يخص شعار الإقلاع الاقتصاد الوطني وتحسين التنافسية ودعم الاستثمار الخاص والمقاولة : أول معالم التدليس هي كون الحكومة أكدت أنها ستعمل على تحقيق هذه الأهداف عبر دعم إنعاش الاستثمار الخاص وتقوية التنافسية وكذا عبر مواصلة تنفيذ المشاريع الكبرى التي أطلقتها سابقاتها، ليصل المجهود الاستثماري الإجمالي المتوقع في القطاع العام بمختلف مكوناته، خلال سنة 2015، مبلغا قدره 189 مليار درهم. إلا انه عند تفكيك هذا المبلغ، يتضح أن الحكومة تدمج فيه إلى جانب استثمارات الميزانية العامة للدولة ، استثمارات المؤسسات العمومية ( 115 مليار درهم) والجماعات الترابية (13 مليار درهم)؛ وذلك رغم أن المؤسسات العمومية والجماعات الترابية لها ميزانيات مستقلة عن الميزانية العامة للدولة. و عموما نلاحظ خلطا دائما بين ما تتكلف به الدولة وما تتكلف به المؤسسات العمومية والجماعات الترابية أو الدعم الدولي بل وحتى الخواص، و يلاحظ هذا الخلط على وجه الخصوص في البنيات التحتية وسياسة المدينة والسياسات القطاعية. و فيما يخص السياسات القطاعية، فرغم أن الحكومة أكدت في مشروع قانون المالية لسنة 2015 على ضرورة التنسيق بينها, إلا أننا لم نجد إجراءً واحدا يوحي بذلك. وبغض النظر عن غياب بعد استراتيجي وشمولي، وانعدام مجهود التنسيق بين القطاعات، فإن كل واحدة من السياسات القطاعية تتسم بالضبابية في تقديم اعتمادات السنة المقبلة والأهداف المراد تحقيقها. على سبيل المثال لا الحصر : يعلم الكل في مجال الصناعة مدى تأخر برنامج «إقلاع» عن تحقيق أهدافه ، من حيث مستوى الاستثمار والإنتاج وخلق مناصب الشغل، رغم النوايا الحسنة التي طبعته. ومع ذلك فالوزارة المعنية لم تكلف نفسها عناء تقديم حصيلة لهذا البرنامج تتيح لها و لنا استخلاص الدروس، و تطمئننا على صواب اختياراتها في اطار البرنامج الجديد الذي يطمح إلى خلق 500.000 منصب شغل في 5 سنوات. ومن جانب آخر، نتساءل عن سبب توجيه السياسات الصناعية دائما نحو التصدير, في حين أننا لا نتوفر على صناعات تلبي حاجيات السوق الداخل، وهو الأمر الذي يكلف ثقلا على مالية الدولة ناتجا عن الواردات التي تستورد من دول كمصر و الاْردن و تونس و تركيا (كلها دول تحقق فائضا تجاريا مع المغرب). و هنا أستحضر خصوصا الصناعات الغذائية التي نعجز الى يومنا هذا على تفعيل سياسة ناجعة لتطويرها و ها هو البرنامج الصناعي لا يأتي حتى على ذكرها كما لم نجد أي اجراءات جبائية أو جمركية لتحفيز الاستثمار فيها أما فيما يخص تشجيع الاستثمار الخاص والتنافسية : 80% من مضمون المذكرة التقديمية و الميزانية الفرعية يتركز حول مناخ الأعمال, في حين لا تتجاوز الإجراءات المرتبطة بالتمويل والتكوين والإبداع ومساندة المقاولات الصغرى واللوجستيك صفحة أو أقل لكل منها وهي التي تعتبر المجالات الحقيقية للرفع من تنافسية الاقتصاد المغربي وتشجيع الاستثمار الوطني كما أكدت على ذلك الخطب الملكية الأخيرة؛ فكفانا من الاعتماد على الاستثمار الأجنبي وحده لأنه غير مستقر وغير وفي : فمهما كان مناخ الأعمال جيدا عندنا (من منظور المستثمر الأجنبي) ستكون هناك دائما دول قادرة على توفير مناخ أعمال أفضل. وفي هذا الإطار، يؤسفني حقا أن نجد فيما يخص «الاستثمارات المهمة» التي وردت في مذكرة تقديم مشروع قانون مالية 2015 مشاريع رونو (Renault) ووصال كبطال (Wessal Capital) فقط. ولا نجد مشاريع المكتب الشريف للفوسفاط وباقي المؤسسات الوطنية. أو أن نجد مشروع Bombardier الذي يشغل 130 فردا فقط والذي يمر بأزمة عالمية قد تدفعه إلى مراجعة مشاريعه الاستثمارية بالمغرب، ولا نجد مشاريع مقاولات مغربية تشغل الآلاف. انسداد الحوار الاجتماعي السمة الثالثة: محدودية الإجراءات المالية المتخذة من أجل تعزيز التماسك الاجتماعي وتقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية ومواصلة دعم البرامج الاجتماعية وإنعاش التشغيل. لا بد أن نسجل بأن الحوار الاجتماعي لم يعش في تاريخ المغرب وضعية انسداد كما عرفها في عهد الحكومة الحالية والتي تميزت بعملها الدؤوب للقضاء على الحرية النقابية؛ إذ يجدر في هذا الصدد التذكير بواقعة الطرد الذي تعرض له أحد موظفي وزارة الصحة من النقابة التي ينتمي إليها، والتي هي تابعة للحزب الذي يترأس التحالف الحكومي، عقابا له على مشاركته في الإضرابات الأخيرة. بل وأكثر من هذا، فإن الحقل النقابي بالمغرب لم يعرف إجماعا ضد سياسة حكومة، بين جميع منظماته، بما فيها بعض المنتمين لنقابة الحزب الذي تترأسونه، منذ أكثر من عقدين من الزمان. إننا في الفريق الاشتراكي نحذر كما حذرنا في السابق، من الآثار الوخيمة التي تترتب عن السلوك المشين الصادر عن الحكومة فيما يخص القضاء على الحرية النقابية والمؤسسات النقابية في حد ذاتها وما سيكون له من تأزم للمناخ الاجتماعي. هذا وفيما يخص دعم البرامج الاجتماعية, لا بد من أن نقف عند الوضع الهش والضعيف للقطاعات الآتية: في التعليم: لم تأت الحكومة بأي اجراءات تذكر و كأنها تعول على المجلس الأعلى لدرجة أنها، وفي انتظار خروج استراتيجيته للوجود، تكتفي بسرد عدد المدارس التي ستفتح أبوابها دون ان توضح إن كان ذلك في إطار برنامج معين (خاصة و ان الوزارة قامت بإنجاز برنامج مالي على ثلاث سنوات 2014-2016). في الصحة : تدني خدمات المستشفيات وغياب الأدوية، أثر سلبا على سير العديد من برامج الرعاية الصحية. و تجسد ذلك في ارتفاع معدل الوفيات في صفوف الأمهات و الأطفال ولدى المصابين بالأمراض المزمنة. في ظل هذه المعطيات و علما أن المغرب يظل البلد العربي الأكثر تخلفا في مجال الصحة, الا أن الحكومة لم تأت بأي اجراء يوحي بانتباهها لمدى تدهور الأوضاع. فلا هي أعفت الأدوية من الضريبة على القيمة المضافة ولا هي رصدت ميزانية محترمة لصندوق التماسك الاجتماعي ولا هي صفت مستحقات المستشفيات عليها و لا وضعت مخططا للرفع من عدد الأطباء في مختلف المناطق خاصة خارج الرباط و الدارالبيضاء ، فالمغرب يتوفر على أقل من 6 أطباء لكل 10.000 مواطن, في حين يصل العدد الى 12 بالجزائر و 26 بالأردن و 28 بمصر. في تحفيز التشغيل وإحداث مناصب الشغل: لا بد أن نسجل بأن الحكومة تعاملت بأسلوب الاحتيال مع المعطيات المرقمة في هذا الصدد؛ إذ على مستوى تحفيز الشغل, فالحكومة تعهدت على تحمل المساهمة الاجتماعية المفروضة على المقاولات المحدثة خلال الفترة الممتدة من فاتح يناير 2015 إلى غاية نهاية ديسمبر 2019. و في حقيقة الأمر، تظل هذه التدابير المالية هشة ولا تساهم بشكل كبير في حل معضلة البطالة على اعتبار أنها تحفز الرأسمال على إنشاء المقاولات وليس على إحداث مناصب شغل جديدة. فلو كانت بحق تحفز على إحداث مناصب شغل جديدة لكانت قد نصت على تحملها للمساهمة الاجتماعية عن كل مقاولة أحدث مناصب شغل جديدة حتى ولو كانت هذه المقاولة أحدثت قبل سنة 2015. أما على مستوى إحداث مناصب الشغل، فالحكومة تعهدت بإحداث 22.510 منصب شغل وفي ذات الوقت تصرح بكون نصف هذه المناصب ستعرف تقليصا بالنظر إلى رفع سن التقاعد لشاغلي المناصب، الذين من المفروض ستتم إحالتهم على التقاعد خلال سنة 2015. وهذا كذلك تحايل لأن الحكومة كمشغل على علم بالعدد الذي يفترض أن يغادر و بالتالي يمكنها اعطاء أرقام نهائية عوض الادعاء بأنها ستشغل 22.510. وفي باب الوظيفة العمومية نشير إلى أنه من مظاهر التدليس أن يبني المرفق الخاص بالموارد البشرية كل تحليله لإنجازات 2014 (متوسط الأجر الشهري 7300 د) على المقارنة ب 2007 (5300 د) في حين أن الأصح أن يقارن ب 2012 (7200 د) لأن هذه الحكومة تساءل فقط على ولايتها. أي مصداقية بقيت عند هذه الحكومة بهذا التحايل الممنهج الذي تمارسه على الشعب المغربي وعلى المؤسسة التشريعية؟ وأين الصورة الصادقة التي يفترض أن يعبر عنها هذا المشروع ؟ أ ليس بمقدورها أن تصرح للشعب المغربي وللمؤسسة التشريعية عن العدد الحقيقي لمناصب الشغل التي تنوي إحداثها بعد خصم ما تنوي تقليصه من ذلك العدد الخام من المناصب؟ أو هي عاجزة عن اتباع منهاج علمي واضح و ثابت في تحليل التطورات باتخاذ سنة مرجعية ذات دلالة؟ في السكن : تستمر الحكومة في الإجراءات التي تشجع المستثمرين، لكن بالمقابل، لا شيء لمساعدة المواطن على توفير ثمن شراء السكن، خاصة وأن البنوك أصبحت (منذ 2013) ترفض تمويل العائلات التي تقتني السكن الاجتماعي. و هنا نطرح السؤال لماذا لم تنتبه الحكومة لهذه الاشكالية التي أصبحت عائقا حقيقيا أمام تمين الطبقات الكادحة من تملك سكن لائق. وفي نفس الإطار، نسجل كذلك غياب أي إجراءات لتشجيع سكن الطبقة المتوسطة؛ إذ منذ انطلاق هذا البرنامج لم يتم انجاز إلا 2500 وحدة سكنية؛ في السياسة المجالية : جاء في مذكرة التقديم اشارة لبرنامج تأهيل المدن الذي سيكلف 5 ملايير درهم رصدت منها الحكومة من ماليتها 760 مليون درهم، لكن المذكرة لا تبين لا مدى تقدمها في إنجاز هذا البرنامج ولا ما تنوي صرفه في هذا الإطار بموجب سنة 2015. كذلك لا توضح المذكرة أي مساهمة مالية للحكومة برسم 2015 فيما يخص برامج التنمية الحضرية والمندمجة بخصوص 6 مدن كبرى والتي تم التوقيع على اتفاقيتها خلال هذه السنة أمام جلالة الملك، ستتطلب ما يزيد عن 62 مليار درهم في أفق 2018. في المبادرة الوطنية للتنمية البشرية : لا تقدم الحكومة في هذا المشروع إلا حصيلة المصاريف برسم 2012-2014 دون أي تحليل للنتائج ولا مدى فعالية آليات التطبيق العملي لهذه المبادرة؛ كذلك لا يوجد أي تقديم لما هو منتظر برسم 2015 الشيء الذي يستحيل معه أي مناقشة لميزانية المبادرة. السمة الرابعة: ضعف الثقة لدى الحكومة في التنزيل الفعلي للدستور والتفعيل الحقيقي للجهوية تعهدت الحكومة على أنها في إطار تنزيل الدستور ستواصل البناء المؤسساتي وتحسين حكامة السياسات العمومية وتسريع الإصلاحات الهيكلية الكبرى. وفي نفس الإطار، تعهدت الحكومة على أنها ستعمل على تفعيل المخطط التشريعي بحيث تطرقت إلى ثمانية قوانين دون أن توضح إن كانت بذلك ستنهي هذا الورش خلال سنة 2015 أو أنها ستبرمج قوانين أخرى خلال السنة المالية الموالية، وكذلك لم توضح الحكومة فيما إذا كان هذا البرنامج قد أخذ بعين الاعتبار كل التشريعات الضرورية لتفعيل السياسات القطاعية التي جاء بها أم لا. وأما بالنسبة للجهوية فإن الحكومة لم توضح الآليات والتقييم الماليين للكلفة الذي يتطلبها التفعيل الحقيقي لهذا الورش؛ الأمر الذي يؤكد بوضوح انعدام استراتيجية موضوعية وبناءة لدى الحكومة في تفعيل مضامين الوثيقة الدستورية. هذا، وبالإضافة إلى تباطؤ الحكومة في تنزيل الدستور، فإن تحسين حكامة السياسات العمومية و تحديث الإدارة العمومية يقتضي بداية إبداء الحكومة لحسن نيتها في وضع آليات من شأنها وضع حكامة قانونية ناجعة تساهم في وقاية النشاط العمومي من المخاطر القانونية تفاديا للمنازعات القضائية الموجهة ضد أشخاص القانون العام خاصة في مجال مشروعية القرار الإداري والصفقات العمومية ونزع الملكية لأجل المنفعة العامة، وكذا وضع محاربة فعالة للفساد الإداري والمالي سواء في القطاع العام أو الخاص وذلك بما يضمن تشجيعا حقيقيا للاستثمارات الوطنية والأجنبية. وفي هذا الإطار، سبق للفريق الاشتراكي بمجلس النواب أن تقدم بتاريخ 18 سبتمبر 2012، في إطار تنزيل مقتضيات الفصل 159 من الدستور، بمقترح قانون حول إحداث هيئة قضايا الدولة كهيئة مستقلة، تحل محل الوكالة القضائية للمملكة يناط بها مهمة ترسيخ حكامة قانونية جيدة في النشاط العمومي عبر وقاية مرافق الدولة من المخاطر القانونية، وذلك من أجل الحد من نزيف الأحكام القضائية الصادرة ضدها والتي تقضي بأدائها لفائدة المتضررين تعويضات مالية تستنزف ميزانية الدولة وتهدد بل وتعوق برامجها الاقتصادية والاجتماعية، وكذا محاربة فعالة للفساد من خلال حماية المال العام في مسطرة التقاضي التي تكون الدولة وأشخاصها المعنوية العامة طرفا فيها. غير أنه، ورغم مساهمة هذا المقترح في تنزيل الدستور فإن الحكومة أحجمت عن مناقشته رغم قيامه على الحكامة الجيدة والمحاربة الفعالة للفساد باعتبارهما محوريين أساسيين في برنامجها الحكومي الذي حازت بواسطته على الثقة البرلمانية؛ وهو الأمر الذي لا يتماشى مع شعارات وأهداف الحكومة الخاصة بتحسين حكامة السياسات العمومية وتحديث الإدارة العمومية المعبر عنها كذلك في مذكرة تقديم مشروع قانون المالية لسنة 2015. السمة الخامسة : هشاشة المجهود المتعهد به في استعادة التوازنات. رغم كل الشعارات والمقدمات التي ارتكزت عليها الحكومة في تبرير مشروع قانون المالية لسنة 2015، فإن بنية هذه ميزانية لا تختلف في شيء عن سابقاتها : من حيث المصاريف: الاستثمار لا يراوح مكانه, حيث يمثل 17% فقط من المصاريف مقابل 22% سنة 2011 مثلا، ومصاريف التسيير لازالت مرتفعة جدا حيث تصل إلى 195 مليار درهم، في تراجع بسيط مقارنة ب 2014 ولكن في تفاقم ملموس مقارنة ب 2011 التي لم تتجاوز فيها مصاريف التسيير 152 مليار درهم؛ من جهتها عرفت خدمة الدين ارتفاعا مهولا, حيث تزايدت من 37 مليار درهم في 2011 الى 68 مليار مرتقبة في 2015. أما الميزانيات القطاعية للوزارات تعطي الانطباع بأن هاجس هذه الأخيرة هو تشييد المقرات وتنظيم الندوات و الحفلات. من حيث المداخيل : تشكل الضرائب المباشرة 24% من المداخيل وهو نفس مستوى الضرائب غير المباشرة بالضبط. والسؤال الملح في ما يخص المداخيل مرتبط أساسا بالوعاء الضريبي وقدرة الحكومة على توسيعه عوض النزوح نحو الحلول السهلة كاللجوء للاقتراض. مما يطرح التساؤل حول مآل توصيات مناظرة إصلاح المنظومة الجبائية ل 2013 والتي كان من المفترض أن تلهم مشروع القانون المالي ل 2015 الا أننا لم نجد الا اجراءات غير منسجمة و غير مفهومة الدوافع أو الآثار. و لم تكلف الحكومة نفسها حتى عناء تلخيص أهم محاور المناظرة في مذكرة و تقييم تأثيرها على الميزانية. وتظل عائدات المؤسسات العمومية محدودة (10 ملايير درهم) الشيء الذي يطرح تساؤلا حول كيفية تحديد مساهماتها وكيفية مراقبة مردوديتها. وهنا نؤكد من جديد على ضرورة فتح المجال للسلطة الرقابية لتمارس مهامها ازاء الشركات والمكاتب والمؤسسات العمومية. في ما يخص مداخيل الهبات والقروض, فيجب أن تقدم الحكومة تقريرا مدققا بطبيعة المصاريف التي سترصد لها والا فمن غير المعقول أن نرهن الأجيال المقبلة بديون لا نعرف ما جدواها. صعوبة توازن الميزانية واعتبارا لهذه الهشاشة التي تطغى على بنية الميزانية، فإنه سيكون من الصعب على هذه الحكومة استعادة توازن الميزانية وخاصة أنها تتباهى بتجميدها ل15 مليار من مصاريف الاستثمار لسنة 2013 كإجراء يبين قدرتها على ترشيد الإنفاق؛ في حين أن الترشيد الحقيقي للإنفاق يجب أن يستهدف نفقات التسيير لا نفقات الاستثمار. فأي ترشيد هذا الذي أدى بنفقات التسيير إلى الارتفاع بنسبة +31% بين 2011 و 2013. ورغم ذلك تجرؤ هذه الحكومة على الادعاء بكونها ستواصل مجهود ترشيد نمط عيش الإدارة وكأنها بذلت أصلا مجهودات في هذا الوضع المزري الذي تعيشه الإدارة العمومية والذي يطغى عليها غياب الرؤية الواضحة والاستراتيجية الفعالة في التحكم في كتلة الأجور ونفقات التسيير. ورغم كل هذا الارتباك الذي شاب مشروع قانون المالية لسنة 2015، مازالت الحكومة تصرح بأنها تطمح إلى تحقيق معدل نمو للناتج الداخلي الخام يصل إلى 4,4%. وفضلا عن كون هذه النسبة تؤكد بوضوح تراجع الحكومة عن تعهداتها بخصوص تحقيق نسبة نمو تصل إلى 7 في المائة، أي بما يقارب النصف مما تعهدت به، فإنها، أي نسبة 4.4%، تظل صعبة التحقيق نظرا لكونها لا تستند على معطيات موضوعية وخصوصا أن الاقتصاد الوطني لازال يرتكز على الفلاحة التي بدورها ترتكز على التساقطات المطرية. سيواصل الفريق الاشتراكي تحمل مسؤولياته كاملة، من موقع المعارضة وعلى أساس الرصيد التاريخي للحزب الذي هو امتداد له والتراكمات التي ساهم في إنجازها في مغرب الأمس واليوم، وعلى أساس خطه المناهض لليبرالية المتوحشة وللنزوعات المحافظة، في الدفاع عن قيم التضامن الاجتماعي والمجالي والإنصاف والعدالة الاقتصادية والاجتماعية، وهي نفس القيم التي غابت في القانون المالي, علما أنها من صميم وجوهر مقتضيات الدستور الذي فتح آفاقا واسعة للإصلاح والمشاركة والمحاسبة، وهو ما عملنا على تجسيده في التعديلات التي تقدمنا بها على مشروع قانون المالية و التي قوبلت بالرفض من الحكومة. وعليه، سنظل حريصين على إعطاء المؤسسات والقوانين التنظيمية التي سيتم إعمالها طبقا للدستور مضمونا ديموقراطيا وتقدميا حتى يلمس المواطن وقع الإصلاح على معيشه اليومي عبر تحسين علاقاته مع المؤسسات وتيسير ولوجه لخدمة عمومية في مستوى تطلعاته.