إعدام المهندسة ريحانة جباري التي لم تكمل بعد ربيعها 26 في إيران، رغم كل المجهودات التي بذلتها المنظمات الحقوقية العالمية، ورغم كونها تصرفت تصرف الدفاع عن النفس في الفعل الذي من أجله حوكمت وأعدمت، هذا الحدث يطرح مجددا أو يعيد مجددا إلى الواجهة، مأساة حقوق النساء في العالم الإسلامي، هذا الحدث الفظيع الذي اهتزت له الضمائر في كل أنحاء العالم، يبين مرة أخرى أنه كلما اعتقدنا أن المنظومة الكونية لحقوق الإنسان قد قطعت أشواطا حاسمة، وأن الحقوق الأساسية للنساء هي في طور التقدم، نجد أنفسنا عند نقطة الصفر، لا نكاد نبرح المكان أو الزمان الذي كانت ترتكب فيه هذه الفظائع منذ قرون. قد لا يكون الفرق أكثر من الديكور أو الإكسسوار الذي يتم به القضاء على حياة الآدميين، مثل الشابة ريحانة : بناية محكمة، وهيئة، ونصوص، وشبه عدالة، لكن العقول التي هي في الرؤوس، هي واحدة لم تتبدل، لم تتغير، لم يطلها عنصر التطور، نفس النظرة الدونية للمرأة، نفس احتقار آدميتها، نفس اعتبارها عند المنطلق وعند المبتدأ أو المنتهى مذنبة غير بريئة إلى أن يثبت العكس، نفس الإصرار على خلق السور السميك وتلك الهوة غير القابلة للتجسير بين حقوق الرجال وحقوق النساء، باسم المقدس وباسم الدين، وحتى رغم أنف المقدس ورغم أنف الدين، إذا لم يطاوع بسهولة تفسيرات المتزمتين وتأويلاتهم. قتل عمد مع سبق المحاكمة، هكذا هي العدالة الجنائية المجبولة على تحقير النساء وتكريس دونيتهن، يفرك رجل الدين المتزمت يديه، ويفرح بما تراه عيناه، ويطرب لما تسمعه أذناه، حينما يتعلق الأمر بإدانة امرأة كل جرمها أنها أصرت على الدفاع عن كرامتها، ورفضت أن تغتصب، كما رفضت أن تستبطن هذه القيم - عفوا اللاقيم - التي تجعلها سلعة رخيصة، لا تملك إلا أن تنقاد و تنصاع وأن تلوذ بالصمت، كلما لحقها أذى من زوج أو قريب من الأقارب، أو حتى من بعيد ضمن دنيا الرجال الواسعة. لا يكفي والحالة هاته، القول بتحكم عقلية أبيسية متجاوزة. الأمر يتعدى هذا المستوى، تتجاوز الممارسات حجم الكلمات بكثير كثير. هي عقلية مريضة، هذا هو الوصف الصحيح، الوصف المعقول و الأقرب إلى تقريبنا نسبيا من فهم الدوافع الكامنة في نفوس المتزمتين المهووسين بإباحة دم المرأة، والراغبين في إدامة وضعها القانوني، وضع تحت القانون، بين الوجود والعدم، بين الحياة والموت، (بالمعنى الحقيقي والمعنى المجازي على حد السواء(. قبل سنتين تعرضت الطفلة ملالا يوسف لطلقات رصاص كادت تودي بحياتها، من طرف أحد عناصر طالبان، لا لشيء إلا لأنها أصرت على حقها في التربية والتعليم، وفي أن تحمل كتابا للقراءة، وقلما للكتابة، كما عبرت عن ذلك في كلمتها أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، كان الجاني يريد خنق الحق في التعليم، تعليم الفتاة والمرأة في المهد، وبقوة السلاح، كان يريد إدامة الظلام من حوله، لأنه لا يقوى على العيش بغير العتمة من حوله، وبغير الظلام يلف المكان الذي يجلس فيه، ومنه يصدر أوامر التعنيف والتقتيل والتكفير. ومنذ أيام حظيت الطفلة ملالا بجائزة نوبل للسلام تشريفا لها وتهنئة لها ولجماهير النساء في بلدها، وفي باقي البلدان الإسلامية، على نضالهن وصبرهن ومثابرتهن من أجل حقهم في الحياة، إذ لا حياة للمرأة بدون تربية وتعليم. ويا لها من مصادفة حقا، أن تعدم ريحانة أسابيع قليلة بعد تسليم ملالا جائزة نوبل للسلام، مصادفة تعيسة، لا يمكن أن تفسر إلا بكون صناع فكر العتمة والظلمات ودعاة العبودية، لم يرقهم هذا التشريف للمرأة أو الفتاة المسلمة. فقرروا العمل على ردة فعل تعيد كل عقارب ساعة الفعل النسائي إلى الوراء، ولكن هذه المرة لا بمحاولة القتل من بعيد بواسطة بندقية طائشة، ولكن بقرار محكمة، وبمنطوق هيئة محكمة، واستنادا إلى نصوص، وهو ما يعطي للجريمة طابعا يقربها في الحقيقة أكثر فأكثر من اللامعقول ومن العبث، لأنه يعطي لغريزة القتل لدى المتزمت المعادي لحق المرأة في الحياة والدفاع عن نفسها، أو يضفي عليها طابع الشكلانية القانونية، يحاول أن يشرعنها وأن يقدمها للعموم في صورة قرار مفكر فيه بروية وهدوء. في إحدى استجوابات ملالا مع إحدى القنوات العالمية، صرحت ردا على سؤال حول وضع محاولة اغتيالها على نفسيتها وعلى استعداداتها للكفاح مستقبلا، وعلى مدى إصرارها على المضي قدما في نفس الطريق الذي اختطته لمسار نضالها، بالقول : « يمكنهم أن يتمكنوا من كل شيء، إلا من روح الرغبة عندي في الكفاح من أجل حقوقي «. ومن باب المقارنة، قد نقول إسماعا لصوت ريحانة بصفة بعدية، وهي في حضرة الملكوت الأعلى: « قد يستطيع المتزمتون في إيران النيل من روح امرأة بالإعدام، ولكنهم لن يستطيعوا النيل من روح المقاومة من أجل إحقاق الحق والدفاع عن الكرامة «. ستظل كلمات ريحانة محفورة في الذاكرة الإنسانية لأجيال قادمة في عالمنا الإنساني. قالت ريحانة في رسالتها الموجهة إلى والدتها شعلة: « شعلة قلبي الحنون، في الآخرة سنوجه نحن الاتهام، وسيكونون هم المتهمون، دعينا ننتظر إرادة الله، أردت أن أضمك حتى أموت أحبك «. ريحانة كانت تعرف وهي تواجه قرار الإعدام، أنها تزرع بدرة الأمل بالنسبة لملايين النساء في العالم الإسلامي بشجاعتها وبقبولها التضحية، كانت تدرك ذلك، وكذلك كانت إرادتها من حديد، سواء وهي تودع أمها في تلك الرسالة الدرامية المؤثرة، أو قبل ذلك في مخافر الشرطة، حينما واجهت جلاديها الذين أذاقوها كل صنوف العذاب المادي والمعنوي والنفسي كما ذكرت لأمها في نفس الرسالة، واجهتهم برباطة جأش منقطعة النظير. رحم الله ريحانة وأسكنها فسيح جناته وألهم أسرتها الصغيرة والأسرة الديمقراطية الواسعة الصبر والسلوان, وإنا لله وإنا إليه راجعون.