سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
المسرحي العراقي عباس عبد الغني ل«الإتحاد الاشتراكي» : الصراعات والخلافات السياسية والمذهبية في العراق لا تبرز في المسرح، لأن المسرحيين أسمى من هذه الصراعات
الدكتور عباس عبد الغني رجل يعيش المسرح في شتى تجلياته، بين النقد والتأليف والتدريس والتمثيل والإخراج، أستاذ الدراسات المسرحية المساعد بكلية الفنون الجميلة بجامعة الموصل بالعراق، له العديد من الأعمال تأليفا وتمثيلا وإخراجا، شارك بها في مهرجانات عدة غربا وشرقا، كمسرحيات "جوف الحوت"، و"ريمود كونترول" "ذكريات من بغداد" وغيرها، بالإضافة إلى كتب مهمة نذكر منها: "موجز في المسرح الإغريقي"، "دراسة المسرح"، "المونطاج السينمائي في العرض المسرحي"، وغيرها من الكتب بحصيلة تقارب 25 عملا مسرحيا من تأليف وتمثيل وإخراج وثلاثة إصدارات، عباس عبد الغني عراقي أحب المغرب واستقر به، التقيناه في إحدى المناسبات الفنية فكان لنا معه الحوار التالي: o الدكتور عباس عبد الغني ، كيف استطعت الجمع بين ما هو أكاديمي وما هو عملي، أقصد بين التدريس في الجامعة والتمثيل فوق الخشبة وكذا الإخراج؟ n السؤال مهم جدا، كان عندي حب للمسرح منذ أن كنت في الإعدادية، حينها جسدت مسرحية "تاجر البندقية" التي كنا ندرسها كرواية مسرحية ضمن المقرر الدراسي وكانت باللغة الإنجليزية، بعد الباكالوريا كنت سأدرس الطب حيث كان اختصاصي علمي، لكن لو كنت أكملت في الطب كان سيكون مصدر رزق وبالتالي سيكون المسرح هواية، فقلت لماذا لا يكون المسرح هواية وفي نفس الوقت مصدر رزق، استطعت بعدها الانتقال إلى مدرسة الفنون الجميلة ودراسة المسرح دراسة أكاديمية حصلت فيها على الإجازة في الفنون المسرحية، وبعد الإجازة أكملت الدراسات العليا ماستر في جامعة بغداد، في اختصاص الفنون المسرحية الإخراج المسرحي، وبعد ذلك أكملت الدكتوراه في جامعة ابن طفيل في المملكة المغربية، فأصبح عندي المسرح الذي أهواه وأحبه هو مصدر للرزق والمعيشة، وبالتالي أنا منطلق في الجانب العملي والتطبيقي، حاليا أصبحت أمارس الجانب النظري والجانب التنظيري في نفس الوقت. o ما الذي يغلب على عباس بين الشخصيتين: الشخصية الأكاديمية أو شخصية المسرحي الممارس؟ n سأقول لك كلمة، هناك اختلاف كبير بين الشخصيتين، الشخصية الأكاديمية شيء، والشخصية العملية شيء آخر، نحن نقول الفنان ليس له قوانين ولا تقيده أية قواعد ولا أية حدود، كذلك الفن، أما في الأكاديمية فأنت ستقيد بمجموعة حدود لهذا أنا في خلاف دائم مع مرؤوسي في الأكاديمية في كلية الفنون الجميلة لأنني دائم السفر، أسافر وأمثل بلدي في مهرجانات عدة، في حين أن نطاق الأكاديمية يتطلب مني المكوث والتدريس وحضور المحاضرات، ولهذا أكون في خلاف دائم معهم، ولهذا الجانب الأكاديمي يؤثر على الجانب النظري مع العلم أنهما يصبان في مصب واحد. o أرختم للمسرح، وهي من بين المواد التي درستموها في الجامعة، لو أردنا التأريخ للمسرح العربي أين تكون البدايات التاريخية؟ هل هناك جذور تاريخية للمسرح العربي؟ أم أن المسرح العربي الذي نعيشه الآن هو مجرد ما وصلنا من ثقافة المستعمر في الفترة الاستعمارية علما أن هناك أشكال فرجوية مختلفة في التاريخ العربي والإسلامي؟ n في المسرح العربي لا توجد غير ظواهر شبه مسرحية، مثلا في العصر العباسي أو ما قبله كان هناك شخص اسمه عبد الرحمان بن بشر، كان يأخذ مكانا له في السوق كل يوم خميس واثنين ويبدأ بتمثيل مسرحية، يستدعي شخصياتها من الخلفاء ومن الصحابة ومن الناس المعروفين ويجسد أحدها، وكان هناك ناس تتفرج، هو عرف شبه مسرحي، كما كان في العصر العباسي السماجون، لكن بصراحة المسرح العربي هو هجين، هو مستورد، لأن المسرح كما نعرف قد بدأ عند الإغريق 500 سنة قبل الميلاد ب "فيس بيس" وعربته التي كان يتجول بها ومن ثم انتقلت من "فيس بيس" إلى "فرينيخوس" و"فرينيلوس"، ومن ثم إلى "أسخينوس" الذي أدخل الممثل الأول، ثم جاء بعده "سوفوكليس" وأدخل الممثل الثاني، ومن ثم "يوربديس" بدأ يتطرق إلى مواضيع الأنسنة، في حين من قبله كان "سفوخوكليس" و"أسخيلوس" يتحدثون في مسرحياتهم عن الآلهة، لكن "يوربيديس" يتحدث عن المرأة، هبط إلى المستوى الإنساني وعالج المواضيع الإنسانية، إذن المسرح بدأ عند الإغريق والكل يشهد بهذا، والرومان أخذوا المسرح منهم، ومن ثم جاء الإنجليز وأخذوا من المسرح الروماني، وشيكسبير نفسه أغلب مسرحياته مأخوذة من "سوفوكلس" وآخرون، وليس هناك عيب أن أوروبا تأخذ من الإغريق أو يأتي العرب يؤخذوا منهم، نحن لا نستطيع أن نقول نحن العرب لدينا مسرح خاص... o (مقاطعا) بمعني هناك تراكم بين الحضارات؟ n هناك تراكم، وبالعودة إلى سؤالك فالمسرح العربي بالضبط هو مستورد ولا يوجد عندنا مسرح عربي. o ما يعيشه المسرح العربي اليوم هو ربما في أزمة، حسب العديد من المتتبعين، خصوصا مع المنافسة الشرسة من باقي الأشكال الفنية خاصة ما يقدمه التليفزيون، كيف تقيمون أنتم هذا الوضع بالنسبة للمسرح العربي ؟ n أقول لك كلمة أنت عندما تتفرج في التليفزيون بمجرد ما لا يعجبك برنامج أو أغنية معية، تغير القناة بضغطة زر، لكنك في المسرح لا تستطيع تغيير القناة، لأن المسرح هو شيء خطير، فهو يعتمد أسلوب المقابلة المباشرة بين ممثل ومتلقي بين إنسان وإنسان بين كائن وكائن، أما في التليفيزيون والسينما هناك تقابل بين إنسان يتنفس وإنسان جامد، إذن المسرح هو فن خطير يبقى فنا خطيرا لأنه يعتمد أسلوب المباشرة بين الممثل والمتلقي ... o(مقاطعا) يعني هنا يسيطر العرض المسرحي على المتلقي ...؟ n دائما المسرح هو يسحب البساط من تحث الفنون الأخرى لهذا فهو وظف في تقنياته السينما والتلفزيون وتقنيات الإخراج السينمائي، وظف الفن التشكيلي وفن الرقص والموسيقى، كلها هذه الفنون وظفت في العرض المسرحي، ولم لم يوظف المسرح في خدمة الفنون الأخرى، لكن المسرح جمع هذه الفنون ووظفها في خدمته في سبيل إثراء العرض بمنظومة جمالية تحتوي على مجموعة عناصر تكوينية تخلق المتعة عند المتلقي الذي هو الهدف الأخير. o بالنسبة للجمهور العربي على الخصوص ألا ترى أنه لم يعد هناك إقبال على القاعة وعلى شراء التذكرة والدخول إلى المسرح؟ n الجمهور يبحث عن المتعة، والمسرح لا يقدم المتعة دائما، يمكن أن يقدم لك قضية، تحز في نفسك، قضية تستطيع أن تبكيك، والجمهور لا يبحث عن من يبكيه، بل يبحث عن من يضحكه وهذه ثقافة، وليس عيبا أن يبحث الجمهور عن الترفيه، ومع ذلك قد تكون هناك قضية للمناقشة، قضية للأخذ والعطاء بين الأحياء، الممثل والمتلقي. o ما هو وضع المسرح في العراق في ظضل ما يعيشه من صراع سياسي ومذهبي؟ n يمكن ألا تصدق، في كل عام أنا من مدينة الموصل وأدرس مادة الإخراج في جامعة الموصل، ونحن كل عام نقيم مهرجانا مسرحيا طلابيا، يوازي المهرجانات الدولية في نوعية العروض وفي انتخاب مجموعة من العروض، طبعا يقدمها طلبة هم في المرحلة الرابعة وأساتذة، هذا في الموصل وهناك مهرجان آخر في بغداد وآخر في البصرة وبابل وكل مدن العراق. o هل تبرز مثل هذه الصراعات من خلال المواد الثقافية التي تقدم في المهرجان؟ n أي صراعات...؟ o هذه الصراعات والخلافات السياسية والمذهبية في المنطقة؟ n هذه الصراعات لا تبرز في المسرح، لأن المسرحيين أسمى من هذه الصراعات، أما من جاء بها فهم السياسيون، الذين يشكلون مستوى هو أدنى من المسرحيين، أنا أتحدث على مستوى العراق ، السياسيين هم من أتوا بهذه التفرقة أما على مستوى الشعب والمثقفين والمسرحيين فنحن نسموا على هذه الصراعات. o اشتغلت أيضا على مسرح الأطفال، ما الذي يميز مسرح الأطفال عن مسرح الكبار إن صحت هذه التسمية؟ n في 2008 عملت على "الضفدع الصغير والقمر" وهو عمل مسرحي للأطفال كبير جدا، شارك فيه أكثر من خمسين فردا من طاقم من تقنيين من أساتذة ودكاترة، اشتركوا معي في الديكور وتصميم الأغاني، وأركسترا من النساء قدمت أغاني الأطفال في هذا العرض، كان من تأليف طلال حسن ومن إخراجي. ما يميز مسرح الأطفال عن مسرح الكبار هو أنه أكثر دقة وأكثر خطورة، لأن الطفل المتلقي ذكي ينتبه لكل النقاط وكل المتغيرات، عليك أن تحسسه بوجوده، أن تسيطر عليه من خلال الإيقاع، والإيقاع مهم جدا في العرض المسرحي وخوصا عند الأطفال، لأنك لو تجاوزت خمس إلى عشر دقائق ولم تستطع أن تجدب انتباه الطفل فستقلب القاعة إلى ضوضاء كبيرة وستعم الفوضى، فالطفل أصعب جدا من المتلقي العادي. o ما هو أهم إصدار لك ارتبطت به وجدانيا أو شكل لك مولودا محبوبا من كتبك؟ n الحقيقة كتاب "دراسة المسرح"، لأنه يلم مجموعة من البحوث، أنا أتطرق إلى موضوعة تطور الشكل بين النص والعرض، أتطرق إلى الحركة في المسرح، بناء منظومة الحركة في المسرح، أتطرق إلى الحب والكراهية، كيف يعالج المخرج الحب كمصطلح فلسفي على المسرح والكراهية كذلك، أعالج المرئي واللامرئي في العرض المسرحي، أعالج الشخصية السوفوكلوسية التي هي "أنوتيغون"، كيف عالجها المخرجون العالميون على المسرح، وهنا نصل إلى أن المضمون يتضمن أشكالا مسرحية متنوعة، لهذا أنا عشت مع هذا الكتاب أكثر ما عشت مع كتاب "الموجز في المسرح الإغريقي" أو كتابي الأخير "المونطاج السينمائي في العرض المسرحي". o تحدت لنا عن تجربتك في المغرب؟ n الحقيقة التجربة في المغرب هي غنية ومثيرة للاهتمام، لأنني وجدت نفسي هنا، أنا تكلمت البارحة مع إحدى القنوات الفضائية وقلت أنا أعتبر نفسي ممثلا عالميا بجمهوري المغربي، وهو جمهور رائع جدا وذكي جدا ومتابع، أنا قدمت عرض مهم جدا وهو "ريمود كونترول" قدمته في كندا وقدمته في مهرجان طنجة للمسرح الجامعي، وأيضا مسرحية "ذكريات من بغداد" في الرباط، والآن مسرحية جوف الحوث، وجدت تجربة المسرح في المغرب تجربة مثيرة للاهتمام وغنية، يمكن أن تنمو وتتطور وتتقدم لأن هناك من يهتم بهذا الشيء، هناك مهرجان مسرحي يقام في المغرب كل شهر تقريبا، وهذا شيء رائع جدا أن تذهب إلى مهرجان وتستفيد من من العروض الأجنبية المشاركة والموازية، سواء كانت في المسابقات أو خارجها، تثرى معرفتك وتثري معرفة الآخر بما تقدمه لهم. o آخر كلمة من مسرحي عالمي ... n (يقاطع) ... مغربي ... (يضحك) o ... نعم، إلى القارئ المغربي؟ n أنا أحب أن أقول لكل القراء المغاربة والمسرحيين المغاربة أن يلتفتوا أكثر إلى المسرح، وأن يلتفتوا إلى الجانب العملي أكثر، أن يحاولوا تقديم عروضا تتجاوز الدارجة، بالفصحى أو بلغة أخرى، حتى يوصلوا المسرح المغربي إلى المتلقي الآخر، المسرح المغربي غني بأفكاره، غني بطرحه، ولا يختلف اثنان على أن المسرح المغربي غني بتنظيراته، "عبد الكريم برشيد" "عبد الرحمان بن زيدان" و"حسن يوسفي" و"الطيب لعلج" وكثير من الأسماء، وأتمنى أن تشد المعرفة فيه أكثر ويشد التطور والتقدم لأنهم أهل لهذا الفن.