يُعجَب الآباء كثيرا بأبنائهم ويفتخرون بهم، حين ينطقون كلماتهم الأولى، حين يقومون بحركة رياضية جريئة، أو حين يرسمون لوحة معبرة، أو ينجزون عملا صعبا بالنسبة لأعمارهم. و كثير من الآباء حين يرون إبداعات طفل ما، يلتفتون إلى أبنائهم ليوجهوا لهم ملاحظة من قبيل « شفتي الطفل في السن ديالك أشنو قادر يدير؟» أو « شفتي اشنو كيعرف يدير!؟ ماشي بحالك»! في مجتمعنا، قليلا ما يكون الآباء خلف ذاك الإبداع بحيث كثيرا ما يكون إنجاز الطفل أو بالأحرى إبداعه، مَلَكَة، استطاع أن ينميها بمفرده، أحيانا تأخذ مجراها الطبيعي فتتطور وتنمو، وأحيانا تُطمس في غياب التشجيع والمواكبة. وسواء أكان الطفل مبدعا أو لا، هل يعلم الآباء أن الإبداع من شأنه أن يُصْقَل لدى الطفل وأن نحصل على طفل مبدع، ينتج أفكارا!؟ هل يعلم الآباء أنه ليس بالضرورة أن يكون عند الطفل موهبة لكي يكون مبدعا!؟ وأن لكل طفل استعداد إبداعي أو إمكانية الإبداع بالاعتماد على مؤهلاته مهما بدت صغيرة وعلى ما يقدمه له الوسط الذي يعيش فيه. فما هو الإبداع أولا؟ و متى يكون الطفل مبدعا؟ الإبداع بشكل عام هو تفوق عقلي، يعتمد على إنتاج أفكار جديدة عن طريق تناول الأشياء والتعامل معها بشكل مختلف، من زاوية أو من زوايا متعددة. الإبداع هو أيضا نتيجة لعملية تحفيز الدماغ للعمل أكثر والتفوق في ما يقوم به، ومن بين أهم نتائجه، بغض النظر عن طبيعة الإبداع المساعدة وتسهيل وتحبيب الأطفال في الدراسة وفي تنمية مستوياتهم في مجال أو مجالات متعددة، تقوية الثقة والرضا عن النفس، تسهيل التعبير عن الأحاسيس والأفكار، خصوصا عند الأطفال الذين يعانون من الخجل ولا يستطيعون مواجهة الآخر، تعلم واكتساب اليقظة الذهنية وكيفية التعامل مع الوضعيات الجديدة أو الطوارئ. فكيف ننمي الإبداع إذن عند الطفل؟ ونحن في بداية العطلة الصيفية، وفي خضم أعمالهم اليومية، كثير من الآباء يشتكون من عدم معرفة كيف يشغلون أوقات أبنائهم بعد انتهاء الدراسة. العطلة عموما، خصوصا الصيفية، لأن مدتها أطول، هي فرصة للقيام بالعديد من الأنشطة من شأنها ليس فقط تنمية الإبداع لدى الطفل وإنما إعداده للسنة الدراسية المقبلة. ضيق وقت الآباء وانشغالهم، يجعلهم يتذمرون من عدم تمكنهم من متابعة الأبناء ومواكبتهم. أقول أن نجاح الطفل وتميزه هو ليس رهين فقط بهذا الأخير، بل هو مسؤولية الوالدين أيضا. له ضوابط و شروط؛ أهمها تنظيم الوقت والسهر على توفير حيز منه مهما كان قليلا، لكن بشكل منتظم، يوميا أو حتى أسبوعيا، وذلك من أجل محاورة الطفل، إعطائه فرصة لشرح وجهات نظره مهما بدت مستحيلة، من خلال ما يسمع وما يعرف وما يرغب أن يقوم به والإهتمام بما يفضله، بالأشياء والألعاب التي يلعب بها، لأنه عادة يلعب بالأشياء التي تثير انتباهه ورغبته أكثر، مما يؤهله لأن يكون فعالا فيها أكثر، وأشير هنا خصوصا إلى الألعاب الإلكترونية، وألعاب الهاتف النقال التي أصبحت مسيطرة على عقول الأطفال. فلتنظيم استعمالها، من الأفضل ألا نمنع الطفل من استعمالها بشكل قاطع، لأن ذلك يزيد من تعلقه بها، بل نحاول أن نتقرب منه عن طريق سؤاله عن اللعبة، عن شرحها، عما يثيره فيها. مما من شأنه أن يفتح معه باب الحوار وسهولة إقناعه بالقيام بأعمال أخرى حين يجد من يشاركه إياها ويهتم بما يشغله. وإلى جانب ما سبق يجب تشجيعه على محاولة القيام بأشياء أو أنشطة أخرى، ربما تثيره أكثر، فهو تشجيع على التغيير، ودعوته للقيام باكتشافاته الخاصة في لعبة ما، الكترونية أو غيرها. وهنا نستغل بشكل إيجابي الألعاب الإلكترونية، بالهاتف أو الحاسوب، فمثلا لعبة ما، تُلعب بطريقة ما وهو يحب أن يلعبها بطريقة أخرى، نحاول أن نفهم وجهة نظره، ولم لا نجربها أو نساعده على تجربتها. كما يجب الحرص على حضور الطفل لأنشطة ثقافية، ونناقشه فيها: ماذا شاهد؟ ما الذي أعجبه؟ وتنمية خياله عن طريق سرد حكايات له أو مشاهدة قصة دون بلوغ النهاية، ونطلب منه أن يتخيل نهاية ما، أحداث وشخصيات أخرى من وحي خياله. كما يتعين عدم مقارنة الطفل بأطفال آخرين ومؤاخذته على عدم قيامه بما يقوم به قرينه، لأن لكل فرد قدرات خاصة به وظروف مختلفة وآباء مختلفين أيضا. وبالنسبة للأطفال بين سنتين و ثلاث سنوات، وخلال الأنشطة اليومية، نحاول أن نثير انتباههم للألوان والأشكال واكتشاف كلمات جديدة. تبقى القاعدة الأساسية لهذه التوجيهات، هي الانطلاق من مبدأ أساسي وهو ما يحبه الطفل ويثير اهتمامه أكثر، وليس ما يحبه الوالدان، وهذا سلوك خاطئ وشائع، يضع الأخيرين في اصطدامات يومية مع الطفل. وأحيانا يكون العكس، يرضخ الوالدان لما يرغب به الطفل حتى لو كان ضارا له. ( وهذا موضوع آخر يصعب تناوله في سطر أو اثنين). إن فرصة تنمية الإبداع عند الطفل، هي متاحة بشكل أكبر خلال فترات العطل، وتستلزم من الآباء تغيير برامجهم اليومية من أجل إضافة أوقات منتظمة لقضائها رفقة الأطفال الذين يعانون بدورهم من الفراغ فيبحثون عن طرق تكون- في أغلب الأحيان- مستفزة لحفيظة الراشدين. يقول جون واطسون مؤسس المدرسة السلوكية بعلم النفس «أعطوني عشرة أطفال أصحاء أسوياء التكوين فسأختار أحدهم عشوائيا وأدربه فأصنع منه ما أريد: طبيبًا أو فنانًا أو عالمًا أو تاجرًا أو لصًا… بغض الطرف عن ميوله وسلالة أسلافه» عطلة سعيدة للجميع. * أخصائية نفسية