ونحن نعيش اليوم تردي الزمن السياسي الحالي، المتنكر لومضات الأمس، يعترينا شعور عميق ومزدوج بلحظات ضياء حقيقية تنعش اعتزازنا بالانتماء إلى فكر وقيم أسست في مراحل عصيبة لمعالم مجتمع الحرية والكرامة والمواطنة، ويسكننا الخوف والتخوف في ذات الأن من أن يتحول الحاضر إلى زمن للهدر والتيهان. فما معنى أن نحتفي اليوم بالوفاء، إن لم يكن زادنا في ذلك الحرص على الخيط الناظم، بين اليوم بالأمس، بين الحاضر والماضي، إن لم يكن المستقبل قبلتنا والاستشراف منهجنا . إن الوفاء لشهداء الاتحاد، أبناء هذا الوطن هو وفاء لفكر وقيم وأخلاق، وفاء لمشروع ورؤيا مشتركة وفاء ل»طريق الوحدة» الواعية بمكوناتها المتعايشة مع اختلافاتها، المتفهمة لوعورة مسالكها، المتطورة وفق منعطفاتها وانعراجاتها، وحدة، على قدر التقلبات المفترضة، ملتزمة بمشروعها، معالجة لصراعاتها الداخلية، الطبيعية منها والمفتعلة، لنتمكن من مواجهة الصراعات الأساسية التي تحملها السياقات السياسية الحالية بكل تداعياتها الاجتماعية والاقتصادية والحقوقية. ليس الوفاء شعارات ولا وقفات سجينة مكان ما، أو زمان ما.... إنه لحظة اعتراف أخلاقية مسؤولة تتمن ما تم إنجازه، وتعقد العزم على المواصلة والاستمرار، حماية لما حدث واستكمالا لما لم يحدث بعد... الوفاء ليس مطلبا وجدانيا، ولا لحظة سيكولوجية تتحقق فيها الانتشاء لآنة من الزمن يعقبها النسيان والتلاشي... إن الوفاء التزام بمضمون الخطاب، وقدرة دائمة على بلورته في سلوكات ومواقف تعالج كل المفارقات المفترضة وتِؤكد الانسجام العضوي للمناضلة والمناضل الاتحادي، إنه تساوق رفيع المستوى ونبيل الغاية بين الفكر والممارسة، وعزم وإرادة من أجل مواجهة كل مظاهر الجحود والردة والهدم التي يحبل بها سياق المسخ السياسي الحالي. الوفاء اعتراف بمواطنة الاإنسان المغربي واحترام له وإنصات لهواجسه، واستجابة لانتظاراته وتقاسم لتطلعاته، إنه فعل قرب واقتراب، يرفع الدنس عن الفاعل السياسي، وينخرط بشكل فعلي من أجل أجرأة مشروع يستجيب لطموحاته. يقتضي الوفاء للمبدأ وللشهيد- الرمز، القطيعة واللاوفاء لكل مظاهر الوصولية المبتذلة الغارقة في دروب الذوات المريضة والضيقة. إن الوفاء تثبيت للأقدام فوق أرض واقع مكلوم ومأزوم، وتحليق جريئ ومسؤول في الأجواء يسمح بالرقي والارتقاء، إنه تعال عن صغائر الأفراد، وعلاج للأعطاب، ومواجهة للأخطاء ، إنما في حدود ما يحفظ وضوح الرؤيا، ويؤمن التعايش مع الاختلاف وينأى عن دوافع الخلاف ليضمن الوحدة المنسجمة الفاعلة المؤثرة. ونحن نسجل لحظة من لحظات الوفاء الممتدة بلا حدود، علينا أن نتذكر أن الأمر لا يتعلق بعودة سكونية ثابتة في الزمان والمكان. فلتكن عودة من أجل الوثبة، من اجل تجاوز العوائق والإكراهات، عودة يميزها الحفر في إمكانيات الذات الفردية والجماعية من أجل إعادة بناء هذه الذات الإتحادية، الذات المعطاء المناضلة النبيلة في أبعادها الاشتراكية والديمقراطية والحداثية. إن الوفاء يقتضي اتخاد القرار الضروري والمناسب هنا والأن دون تردد أو تأجيل للقطع مع كل ما أساء ويسيئ لنا ولأرواح الشهداء. إن الوفاء لروح الشهيد المهدي، ولكل الذين اختاروا الوطن، ولكل الذين صمدوا وناضلوا ورحلوا دون وقبل أن يشملهم الضوء. ليس الوفاء مجرد عودة إلى الماضي، ولا رغبة مهموسة في استرجاعه ضدا على منطق التاريخ وعلى تحولات الشرط السياسي وتطوراته، إنها عودة من أجل استيعاب الدروس واستخلاص العبر. ليس الوفاء مجرد اتكاء على شرعية تاريخية نتحت عمقها وقوتها من مواجهة قبضة حديدية، ولا سجنا داخل قدسية صنمية تستحضر مساحات الفعل والامتلاء كلما ارتعبت أمام بياضات الانمحاء التي تسم لحظة حاضر لم يعد متملكا لأدوات الفعل والتأثير. فتحية لكل أرواح الشهداء. وتحية لكل من ضمن الذكرى هذا المعنى للوفاء.