أوصى المشاركون في المؤتمر الدولي الثاني حول «صون الموسيقى في عالم الإسلام»، ضمن فعاليات الدورة الأربعين لموسم أصيلة الثقافي، في ختام اليوم الثاني من أشغاله، والذي تمحور حول الموسيقى في المنفى والمهجر، بابتكار آليات جديدة للحفاظ وصون الذاكرة الموسيقية المشتركة للشعوب، اعتمادا على الإمكانات التي توفرها التكنولوجيات الحديثة في هذا الباب من قبيل التوثيق والأرشفة والنشر، داعين المؤسسات الجامعية الى توجيه اهتمامها الى هذا المجال البحثي القليل الإقبال، مشيدين بما توليه هيئة الثقافة والسياحة بأبو ظبي من دعم للمشاريع الرامية الى صون الموروث الموسيقي العربي. وتدارس المشاركون الذين عرضوا لتجاربهم بكل من تونس والمغرب وإيطاليا وتركيا وفرنسا ومصر، سوريا،الصين، ألمانيا، لبنان، الإشكالات التي تواجهها الموسيقى الاصلية في بلدان الهجرة والمنفى، كما قدموا نماذج لتجارب موسيقية لمهاجرين استطاعت أن ترسخ وجودها ببلدان الاستقبال، حفاظا على هوية المغتربين وانتمائهم لأوطانهم الأم، وهي التجارب التي استطاعت كذلك أن تفتح حوارا مع الآخر المستقبِل مع الاحتفاظ بهويتها الأصلية. وأوصى المشاركون في ختام أشغال المؤتمر بإحداث مؤسسات ومراكز بحثية تعنى بالاشتغال والتنقيب عن هذا الموروث الموسيقي المهدد اليوم بالانقراض والذي يتهدد الهويات المحلية في ارتحالاتها وتنقلاتها. وفي هذا الصدد أوضح محمد مطالسي عميد الجامعة الأورومتوسطية بفاس، أن النزوح لا يرتبط فقط بالحركة المادية للأشخاص بل يمس كذلك الثقافات والعادات، وضمن هذا النزوح يحصل التبادل الثقافي. وأشار مطالسي الى أن المهاجرين يحملون معهم خلفياتهم الثقافية ومنها الموسيقى الى بلدان المهجر، بل حرصوا في بعض البلدان على الإبقاء على هذا الارتباط بها عبر الرافد الموسيقي، بإقامة الحفلات واستدعاء فناني البلد الّأم كما حدث في فرنسا مثلا مع موسيقى الراي المغاربية والتي استطاعت بعد ذلك أن تجلب جمهورا عالميا من غير المهاجرين. ولم يفت مطالسي أن يلفت الانتباه الى أن الموسيقى المغربية استطاعت أن تصهر كل الثقافات المتوسطية التي احتكت بها تاريخيا ضمن موروثها الموسيقي، حيث نجد تأثيرات الموسيقى الأندلسية والرومانية والإيرانية وهو الانصهار الذي حافظ عليه المغرب وترجمه منذ الثمانيات الى نصوص قانونية، مشيرا الى أن الموسيقى الامازيغية التي استطاعت أن تحافظ على خصوصيتها رغم التحولات المجتمعية التي حصلت في مغرب ما بعد الاستقلال. وأشار مطالسي الى دور العولمة والمؤسسات الموسيقية البعيدة عن المنطق التجاري في فتح حوار للثقافات، وما تقوم به اليونسكو من تسجيل بعض الفعاليات الثقافية والمدن ضمن التراث العالمي الإنساني لصونها، والذي يختلف فيه الأمر حين يتعلق بالتراث اللامادي ومنه الموسيقى، حيث يصعب رصد وحماية التراث اللامادي بخلاف المعمار الذي تتوفر آليات كثيرة، قانونيا وعمليا، لحمايته، لافتا الى دور المجتمع المدني الحي في جل دول العالم العربي الذي بدأ اليوم يعي أهمية التراث وكل الأنماط الفنية التقليدية في صنع حضارات الشعوب.