نظم الفريق الاشتراكي بمجلس النواب، زوال يوم الخميس 5 يوليوز 2018، ندوة حول موضوع دور المحاسب المعتمد في الاقتصاد الوطني وتأهيل المقاولات الوطنية، وذلك بتنسيق مع ائتلاف المحاسبين المستقلين بالمغرب، عرفت مشاركة عدد مهم من المحاسبين والفاعلين المهتمين بالمجال، وتم خلالها تدارس كل الجوانب القانونية للمجال بعد التذكير بالأشواط والمراحل التي قطعتها المهنة على مرّ السنوات التي خلت. ندوة أدارتها النائبة البرلمانية فتيحة سداس التي شددت على أنها تأتي إنصاتا لفئة وشريحة مهنية مهمة في مجتمعنا وتندرج ضمن الخطوات التي قطعها الفريق الاشتراكي خلال الولاية الحالية، وذلك استمرارا ووفاء لنهج الإنصات لنبض المجتمع والتفاعل مع هموم وانتظارات المواطنات والمواطنين بما يخدم قضاياهم ويساهم في تحقيق وتفعيل حقوقهم الدستورية. من جهته أكد شقران أمام، رئيس الفريق الاشتراكي، في كلمة ترحيبية له بضيوف الفريق تحت قبة البرلمان، على سياقات تنظيم هذا اللقاء التفاعلي، الذي عرف حضورا مهما لأعضاء الفريق من برلمانيات وبرلمانيين، إضافة إلى تلبية رئيس فريق التجمع الدستوري للدعوة، إلى جانب خبراء وأساتذة جامعيين ومهنيين، أبوا إلا أن يشاركوا ويتفاعلوا مع مقترح القانون الذي تقدم بها الفريق الاشتراكي القاضي بتعديل المادة 103 من الظهير الشريف رقم 1.15.111 الصادر في 18 من شوال 1436 بتنفيذ القانون رقم 127.12، المتعلق بتنظيم مهنة محاسب معتمد، وبإحداث المنظمة المهنية للمحاسبين المعتمدين، هذه المادة التي كانت مثار نقاش عريض بين المهنيين، ورأى فيها الكثير من المعنيين والمتتبعين أنها تقصي فئة واسعة من الخبراء ولا تنصف الذين قضوا سنوات طوال في الممارسة التي مكنّتهم من خبرة وطورت من مداركهم المهنية بما يفيد المتفاعلين مع القطاع وينعكس إيجابا على جميع المتدخلين، حيث تبين على إثر تطبيق الفقرة الثانية من المادة 103، كما ورد على لسان شقران أمام، أنه لم يتم إدراج 2139 محاسبا مهنيا مستقلا ضمن قائمة المحاسبين المعتمدين التي تم حصرها في 1755 محاسبا معتمدا. ويهدف التعديل الذي تقدم به الفريق الاشتراكي إلى إتاحة الفرصة لكل المهنيين للقيد وفق نمط يضمن حقوق المهنيين المكتسبة، من خلال استيفاء شرط ممارسة المهنة لمدة 5 سنوات، ومتابعة تكوين متخصص يتم تحديد مضمونه ومدته بنص تنظيمي، وذلك حتى يتسنى استيعاب جميع المحاسبين المعتمدين من حيث السن والشواهد التعليمية وشواهد التكوين المهني، ومنح فرصة لكل الأطراف المعنية لوضع برامج للتكوين والتكوين المستمر، والمحافظة على الحقوق المكتسبة لكل المهنيين الممارسين وقت صدور هذا القانون، فضلا عن ضمان وجود كيان واحد للمحاسبين المعتمدين من خلال إخضاعهم كلهم لنفس المقتضيات القانونية بنفس الحقوق والواجبات على غرار التجارب المقارنة. ندوة عرفت مشاركة ثلة من الخبراء، كما هو الحال بالنسبة لمحمد زريرات، ممثل هيئات المحاسبين المستقلين بالمغرب ورئيس المنظمة النقابية للمحاسبين بالمغرب، الذي تحدث عن تطور وضعية المحاسب بالمغرب وقسّم مداخلته إلى قسمين اثنين، تناول في الشق الأول الجانب القانوني، في حين خصص الشق الثاني لدراسة نقدية للمادتين 102 و103، مشددا على الاختلالات التي رافقت إعداد القانون ودخوله حيز التنفيذ في تغييب لكل مقاربة تشاركية وإلغاء للمهنيين الذين لم يتم الإنصات لهم وعدم القيام بدراسة ميدانية حول واقع المهنة، إذ تم تجاهل المقاولات والمكاتب المحاسباتية، مؤكدا أنه تم تضييع فرصة مهمة لتنظيم المهنة. وأكد زريرات أن قانون تنظيم مهنة محاسب معتمد وإحداث المنظمة المهنية للمحاسبين المعتمدين لم ينجح في حلّ مشاكل القطاع، مبرزا أن 50 في المئة من عمل المحاسبين هو قانوني محض من خلال قانون الشركات والالتزامات والعقود ومدونة التجارة … والحال أنه لم يتم استحضار هذا البعد، مضيفا أنه يتعارض مع قاعدة العمومية والتجريد في القانون، وعمل على إقصاء أكثر من 2139 محاسبا مهنيا ممارسا من خلال المادتين 102 و 103، إذ وجد عدد من المحاسبين المزاولين، الذين لا تنطبق عليهم الشروط المفروضة التي تم وضعها، وجدوا أنفسهم في وضعية إقصاء وأمام مرحلة انتقالية حددت مدتها في 10 سنوات كحد أقصى لممارسة المهنة في حال عدم التمكن من اجتياز امتحان الأهلية بنجاح، وهو ما يؤكد أن القانون جاء قاصرا لأنه لم يأت ببدائل قانونية لمن لن يتمكنوا من التفوق في هذا الامتحان، مشددا في الوقت نفسه على كونه خالف المبادئ الدستورية التي تنص على عدم رجعية القوانين. ووقف ممثل هيئات المحاسبين المستقلين كذلك عند إشكالية الإدماج التلقائي وعلاقة الاعتماد بالممارسة، مسلطا الضوء كذلك على إشكالية تهميش الشواهد العليا ودبلومات المدارس العليا الخاصة، علما أن منطلقات المهنة وما رافقها من تطور كان بمعزل عن المدرسة العمومية، داعيا إلى ضرورة الترافع الجماعي ودعم مقترح الفريق الاشتراكي من قبل باقي الفرق النيابية بما يخدم المهنة ويساهم في تطويرها. بدوره محمادي راشدي اليعقوبي، وهو رئيس منظمة المحاسبين المعتمدين بالمغرب، تناول مداخلة خصصها لتسليط الضوء على إكراهات المحاسبين بالمغرب، وذلك من خلال ثمانية محاور، تمحورت حول دور المحاسب المعتمد في الاقتصاد الوطني، والأعمال المهنية التي يزاولها المحاسبون المعتمدون، وطرق مزاولة المهنة، بالإضافة إلى الواجبات المفروضة على المحاسبين المعتمدين، واختصاصات المنظمة المهنية للمحاسبين المعتمدين، فضلا عن اختصاصات وصلاحيات المجلس الوطني، وأخيرا التحديات والآفاق والمتمثلة، بحسب المتحدث، في انتخاب المجالس الجهوية وإنشاء اللجان المختصة إضافة إلى تنظيم الامتحانات التأهيلية وتطوير مستوى الكفاءة والممارسة، وذلك لاستكمال الهياكل المنظمة، وكذا استكمال القوانين والنصوص المتعلقة بالمهنة، وذلك بوضع القانون الداخلي ومدونة الأخلاقيات والواجبات المهنية، وتحيين وتنشيط أصول المحاسبة، وإنشاء نماذج لعقود قياسية للزبناء وغيرها من التفاصيل الأخرى مع التشديد على إيجاد حل لمشكلة دمج المحاسبين المستقلين. من جهته بنيونس المرزوقي، الأستاذ الجامعي والفقيه القانوني، قدّم مداخلة تمحورت حول قراءة في المراحل الانتقالية للمهن القانونية والمحاسباتية، ووقف عند الفصول 176، 177، 178، 179 من دستور 2011 والتي يمكن تسميتها بنصوص المرحلة الانتقالية التي تنص على استمرارية المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي نموذجا في المرحلة الانتقالية، وكذا المجلس الأعلى للتعليم، وكل المجالس المشار إليها في المادة 12، ليصل إلى أن المرحلة الانتقالية وضعت لاستيعاب كل الوضعيات السابقة والشروع في تطبيق مقتضيات جديدة، وعرّج في هذا الصدد على المادة 86 من القانون الذي يخص مهنة المحاسبة لاسيّما في المحور الخامس الذي يخص تدبير المراحل الانتقالية في المهن القانونية، ليتبيّن على أن أفق التفكير التشريعي من أجل فعل أكثر ملاءمة هو ممكن ومتاح. واستعرض بنيونس المراحل التاريخية التي قطعتها المهنة التي بيّنت التجربة المغربية على أنه في عدد من المراحل كانت هناك مرحلة انتقالية بالرغم من أن المهنة لم تنظم إلا سنة 1954، وبسط الخبير القانوني في مداخلته كيف أن الموضوع أخذ في الفترة الأخيرة بعدا آخر في ارتباط بالتطور الذي عرفه، كما بسط أشكال الفعل المتعددة التي وصفها بالإيجابية التي قام بها البرلمان المغربي، ومشددا على أن ما تم القيام به هو مجهود جبار لا يمكن عدم الإشارة إليه، مبرزا كيف أن المشرع المغربي تعامل بالمرونة اللازمة لإدماج جميع ممارسي المهن المختلفة من محاماة وغيرها من خلال إيجاد الآليات الكفيلة بتحقيق ذلك، وهو الأمر الذي يعتبر مطالبا به اليوم، وهنا يأتي مقترح الفريق الاشتراكي الذي وجد الحل للإشكالية المطروحة وذلك باعتماد التكوين ليقوم مقام الكفاءة. الندوة شهدت كذلك مداخلة رابعة وأخيرة للمهدي فقير، الأستاذ الجامعي والخبير الاقتصادي الذي تحدث عن دور التكوين والتأطير في الرفع من مستوى وجودة الخدمات المحاسباتية، مؤكدا على المعيش اليومي الصعب الذي يجد المحاسبون أنفسهم أمامه، ومع ذلك يحرصون على الدفع قدما بتطوير المهنة بما ينعكس إيجابا على الاقتصاد الوطني، مؤكدا أن ما يقع اليوم يطرح سؤالا عريضا حول أي تكوين لأي محاسب، وأي تكوين لأية مهنة محاسباتية، مبرزا أن النقاش المنصب حول الكفاءة المهنية المشروطة بالتوفر على الشواهد هو أمر يجب أن يكون فيه نقاش جدي وأن يتم الوصول إلى توافق يفضي لإدماج الجميع، لأنه بحسبه من المعيب والمؤسف أن يتم التخلي عن قسم هام من المحاسبين الذين راكموا سنوات من الخبرة بسبب الشروط التي تم وضعها. وأكد فقير أن التوفر على الشهادة لا يعطي المشروعية والكفاءة لشخص لممارسة مهنة، بالنظر إلى أن الخبرة تكتسب ميدانيا ومن خلال الممارسة الفعلية، داعيا إلى ضرورة التوافق بين جميع المتدخلين في المهنة المحاسباتية، من محاسبين معتمدين أو مستقلين وغيرهم، وذلك لتوفير الجودة المتعلقة بالتكوين والتكوين المستمر، حتى ينخرط الجميع في هذا الورش الهام الذي يصب في جميع الأوراش الوطنية الأخرى المفتوحة. بعد ذلك فُتح باب النقاش في وجه الحاضرين من مهنيين وفاعلين، للمساهمة في إغناء الأفكار والطروحات التي تم تقديمها، دفعا وتشبثا، وبشكل متين، بمقترح الفريق الاشتراكي، وسبل دعم باقي الفرق النيابية له، خدمة للمصلحة العامة المنشودة.