أمام تعنت الحكومة المغربية و إصرارها على تمرير مشروع قانون متعلق بالممارسة الطبية ببلادنا يهدف إلى فتح الباب أمام الاستثمار التجاري في الصحة و إخضاع المريض للمنطق الذي سيفرضه نظام السوق التجاري و حيث أن الدستور المغربي أكد في تصديره التزام الدولة بجعل الاتفاقيات الدولية، كما صادق عليها المغرب، و في نطاق أحكام الدستور، و قوانين المملكة، و هويتها الوطنية الراسخة، تسمو، فور نشرها، على التشريعات الوطنية، و العمل على ملاءمة هذه التشريعات، مع ما تتطلبه تلك المصادقة. و بما أن المواثيق الدولية و في مقدمتها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان و العهد الدولي للحقوق المدنية و السياسية و العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية تؤكد كلها على حق كل فرد في الحياة و العناية الطبية، كما أن العديد من الاتفاقيات الدولية جعلت من الحق في الرعاية الصحية مرتبطا بمفهوم العدالة الاجتماعية التي يجب على الدولة و المؤسسات العمومية العمل على ضمانها للمواطنين بدون تمييز. و حيث أن الفصل 31 من الدستور ينص صراحة على أن تعمل الدولة و المؤسسات العمومية و الجماعات الترابية (و ليس الشركات التجارية)، على تعبئة كل الوسائل المتاحة، لتيسير أسباب استفادة المواطنات و المواطنين، على قدم المساواة، من الحق في العلاج والعناية الصحية، و الحماية الاجتماعية و التغطية الصحية، و التضامن التعاضدي أو المنظم من لدن الدولة؛ و حيث أن المادة 2، من مشروع القانون المتعلق بمزاولة الطب، تؤكد أن الطب مهنة لا يجوز بأي حال من الأحوال و بأي صفة من الصفات أن تمارس باعتبارها نشاطا تجاريا، و هذا ما يتعارض مع ما جاء في المادة 60 من نفس المشروع، بإعطاء حق حيازة المصحات الخاصة للشركات التجارية و السماح للأطباء بتأسيس شركات وفق مقتضيات القانون التجاري المغربي و في الوقت الذي تؤكد كل الدراسات الدولية، أن حصيلة من سبق المغرب في فتح الباب أمام الاستثمار التجاري في الصحة، تنافي هذا الإجراء مع جميع القيم الأساسية للممارسة الطبية الشيء الذي دفع بالعديد من الدول حتى الغنية منها إلى التفكير في التراجع عن التعامل مع القطاعات الاجتماعية، و من ضمنها الصحة، بالمنطق التجاري. لكل هذه الاعتبارات فإن ما جاء في المادة 60 و غيرها من مواد مشروع القانون رقم 13 - 131 المتعلق بمزاولة مهنة الطب بإعطاء حق امتلاك مصحات طبية للشركات التجارية و السماح بتنظيم المصحات الخاصة على شكل شركات وفق مقتضيات القانون التجاري المغربي سيفتح الباب أمام الاستثمار التجاري في الصحة و إخضاع صحة المواطنين للمنطق الذي سيفرضه نظام السوق التجاري و هذا يتعارض مع كل الضوابط و الأخلاقيات المؤسسة للممارسة الطبية و حق المواطنين في الولوج للعلاج بشكل متكافئ و عادل اجتماعيا و مجاليا و بدون تمييز، و بدون الأخذ بعين الاعتبار حاجيات و إمكانيات الفئات المُستضعفة ببلادنا. فإننا في النقابة الوطنية للمصحات الخاصة بالمغرب و النقابة الوطنية لأطباء القطاع الحر نُعبر عن استنكارنا و إدانتنا للتعنت غير المبرر للحكومة و إصرارها على تمرير مشروع مُتخلف يهدف في عمقه إلى تملص الدولة من مسؤولياتها في توفير الخدمات الصحية للمواطنين و تقديم قطاع الصحة هدية للمستثمرين التجاريين، و بالتالي التخلي عن ضمان الحق في الولوج للعلاج و الخدمات الصحية بشكل متكافئ للمواطنين. و استحضارا لمضمون البيان الصادر عن الندوة الوطنية تحت شعار «من أجل طب في خدمة صحة المواطن» المنعقدة بالدارالبيضاء يوم السبت 30 مايو 2009، و البيان الموقع من طرف 34 منظمة حقوقية و نقابة مهنية و جمعية للمجتمع المدني المجتمعة يوم 03 أكتوبر 2013 في إطار «الجبهة الوطنية للدفاع عن الصحة كمرفق عمومي و خدمة اجتماعية» فإننا نُناشد كل الفرق البرلمانية في مجلس النواب و مجلس المستشارين للعمل على حماية صحة المواطنين من خلال تحصين مهنة الطب و الوقوف ضد كل المحاولات الهادفة إلى إخضاع صحة المواطنين للمنطق التجاري. كما نُوجه الدعوة إلى كل المهنيين و الفاعلين و كل الشرفاء و الغيورين على حُقوق المواطنين عامة والمُدافعين عن الحق في الصحة خاصة لمواجهة هذا الهجوم الخطير على حق المواطنين في الصحة الذي يَضمنه الدستور المغربي و كل المواثيق الدولية، و الدفاع عن الحق في الصحة كمرفق عمومي و كخدمة اجتماعية يجب توفيرها لكل المواطنين بدون تمييز بين الفقير و الغني مع ضمان احترام حق المريض في اختيار طبيبه المعالج، و الحفاظ على استقلالية القرار الطبي مع العمل على تعزيز الأخلاقيات و الضوابط التي تخضع لها مُمارسة مهنة الطب للحفاظ على نُبلها و شرفها و عُمقها الإنساني. اللهم اشهد أننا تحملنا مسؤولياتنا أمام وطننا و مُواطنينا، و بلغنا، و نبهنا من المخاطر الناتجة عن فتح الباب أمام الاستثمار التجاري في الصحة و إخضاع صحة المواطنين للمنطق التجاري، فليتحمل كل واحد مسؤوليته.