كلما حل شهر رمضان المبارك إلا وتستحضر معه المكانة التي تضطلع بها النساء، داخل المجتمع المغربي، على العموم، والأسر المراكشية على وجه الخصوص، في المحافظة على تقاليد وعادات متأصلة تجسد قيم التضامن والتلاحم والتآزر التي كانت سائدة بين الأسر في الماضي في مثل هذه المناسبات والتي أضحت اليوم مهددة بالنسيان نتيجة التغيرات التي شهدها المجتمع بفعل العولمة وتأثير التكنولوجيات الحديثة. فبحلول شهر رمضان المبارك، تعرف مجمل الأسر المراكشية، كما هو الشأن بالعديد من المدن المغربية، تحولا كبيرا، إن لم يكن جذريا، حيث تحرص على استحضار مجموعة من التقاليد القائمة على التضامن والتكافل بين مختلف مكونات العائلة القاطنة بالمدينة وبينها وبين الجيران. وتضطلع النساء خلال هذا الشهر الفضيل، بدور كبير ، وذلك بالنظر إلى الحضور المكثف للأقارب داخل ما يطلق عليه "بيت العائلة "، الشيء الذي يتطلب منها القيام بمجهودات إضافية تلبية للحاجيات المختلفة واليومية لأفراد الأسرة، وذلك في جو حميمي مليء بالمشاعر ووفق الضوابط الاجتماعية المتبعة في هذا الشهر الفضيل. ومن أجل الاضطلاع بهذا الدور المحوري بالشكل المطلوب، تخصص النساء وقتا كافيا للاستعداد لهذا الشهر الكريم، حيث تعملن على توفير مجموعة من المواد الغذائية الضرورية بالنسبة للأسرة المراكشية، فضلا عن تحضير عدد من المأكولات والفطائر والحلويات المختلفة الأشكال التي يتزايد الإقبال عليها خلال الشهر المبارك، رغبة منها في تزيين مائدة الافطار . وإذا كانت التطورات الكبيرة التي عرفتها الحياة المعيشية بفضل التكنولوجيا الحديثة التي ساهمت في اختزال وقت مهم في تحضير عدد من المأكولات والحلويات، وأتاحت لكثير من النساء كسب وقت ثمين لقضاء مآرب أخرى، فإن بعض الأسر المراكشية تحرص كل الحرص على التمسك بمجموعة من التقاليد المتبعة بالمدينة والتي تروم تجاوز اكراهات الوقت، والمتمثلة في العمل الجماعي، حيث تتضافر الجهود بين الجيران لإعداد، بطريقة تقليدية، المستلزمات المخصصة لموائد رمضان عوض اقتنائها، خاصة الحلويات والمأكولات الشعبية ك" سليلو" و " الشباكية" والفطائر فضلا عن مجموعة من الوجبات التي اعتادت الأسر خاصة الميسورة إدراجها في قائمة المأكولات المؤثثة لمائدة رمضان. وباعتباره شهر التضامن، تقيم عدد من العائلات المراكشية موائد للإطعام بمنزلها رغبة منها في تثمين وتعزيز علاقاتها مع الجيران وأيضا مساعدة الأسرة المحتاجة، بالإضافة إلى الحرص على إرسال عدد من أطباق الطعام غالبا ما يكون "الكسكس" إلى المساجد التي تؤدى فيها صلاة التراويح، تعبيرا عن رمزية رمضان الكريم بالنسبة للمراكشيين القدامى باعتباره مناسبة للفرحة والابتهاج وللعبادة، وأيضا فرصة لتغيير نمط العيش اليومي بما يليق ومكانة هذا الشهر الفضيل. ومن العادات كذلك التي لازالت النساء المراكشيات حريصات على استحضارها والمحافظة عليها في هذه المناسبة الدينية العطرة التئامهن رفقة بناتهن في إطار مجموعات عند إحدى الجارات، في جو احتفالي، من أجل تحضير الحلويات ومختلف المأكولات الشهية التي تلذ وتطيب بها الأنفس، لتلقين الأجيال الصاعدة وخاصة الفتيات طرق تحضير هذه الوجبات وغرس في نفوسهن قيم التشبت بكل العادات والتقاليد العريقة التي تميز المجتمع المغربي والمحافظة عليها. كما تحرص نساء المدينة خلال شهر رمضان على إبراز غنى وتنوع وتفرد المطبخ المغربي من خلال تحضير أطباق بعينها للاحتفال بليلة 15 من رمضان وليلة السابع والعشرين منه، والمتمثلة، على الخصوص، في أكلة " الثريد" . ويبقى شهر رمضان بمراكش، مناسبة لابراز مكانة المرأة داخل المجتمع، ودورها في المحافظة على هذا النمط المعيشي، الذي أصبحت بعض الأحياء الشعبية تفتقده، والذي كان يشكل جزءا من حياة الأسر المراكشية، ويعكس مدى التضامن والتآزر بين الجيران ويوطد الأواصر بين أفراد الأسرة الواحدة.