لا مناص من القول بأنّ مبحث التأويل على مرّ التاريخ العربي الإسلامي شهد حركة متصاعدة لا تتوقف تحتم وجود تجاوز زمكاني للنصّ، لهذا فإنّ النصّ لا يعيش إلا في ظل التأويل، أو لنستعير عبارة بول ريكور لنتحدث عن صراع التأويل المنسحب تارة إلى ضوء العقل وطورا إلى غياهب التحنيط. وبين هذا وذاك لعبت السلطة السياسيّة بسياقاتها الاقتصاديّة والاجتماعيّة دور المحرك الأساسي أو البنية التحتيّة بالمنطق المادي الجدلي. يوسف الصديق أحد الفلاسفة والمفكرين الذين لم يتوقفوا فقط على العمل وسط هذا المبحث سعيا في تعميق معناه. ولعل المكسب النظري لهذا الفيلسوف لم يكن فقط تبيين أنّ النص المؤسس للإسلام أوسع وأعمق وأبعد غوراً من أن يفهم حق الفهم دفعة واحدة، بل إنّ مكسب مشروعه ومفارقة طرحه كامن في فرادة منهجه في فهم المحور من الهامش أو فهم النص انطلاقا مما حف به فلا هو يقدم خطابا استشراقيا ولا خطابا يشهر في ظاهره علوم الإنسان والمجتمع. إنّه ما يحيلنا للتو على إستراتيجيّة منهجيّة فريدة تكشف ضمنيا على قصور منهجي في المدارس النقديّة والتأويليّة الموازية في الفكر العربي الإسلامي كالمدرسة القرآنيّة التي تتجاهل هامش الخطاب الديني أو علم الحديث والسيرة، هذا الهامش المحنط الذي يحوله يوسف صديق كأداة لفهم الواقع الموضوعي والتاريخي للنص المؤسس للإسلام، معيدا الاعتبار لفلسفة الهوامش في انطولوجيا الفكر العربي المعالجة لازمة التراث والأصول. وقد تبدو اللذة القصوى في قراءة يوسف الصديق أو الإنصات لمناظراته المتلفزة مع هذا الشيخ أو ذاك الداعية انطلاقة من يوميات الاستهلاك العلاماتي اليومي للمسلم المعاصر إزاء استعمالاته اليوميّة للغة. وهو إنما يعرج على هذا واعيا بخطورة مفادها أن طبقة المثقفين الحداثيين لم تستطع فتح ثغرة في السياج الدوغمائي الجمعي. ومن هذا الخطاب المشاكس يشرع في تفكيك اللامفكر فيه المتعاظم باستمرار في الإسلام الشعبي القائم على المنسكيّة والترتيل، وهو إن عرج على حديث معتمد دارج يدعو النموذج اللساني القرآني إلى محك الانثروبولوجيا البنيويّة لشخصيّة الرسول محمد شاهرا مطرقة السؤال على ما انغرس ضمن البعد الأسطوري للتراث. قابلت يوسف الصديق بمدينة الحمامات حيث كنا من بين المدعويين في أشغال منتدى الجمعيات الثقافيّة التونسيّة المنظمة بالاشتراك مع اللجنة الألمانيّة لليونسكو، هذا الملتقى الذي اختاره ليكون ضيف شرف هذه السنة. لم يكن حوارا بالمعنى التقليدي لم ادري متى بدأنا ولا متى توقفنا، ففيلسوفنا عاشق متحمس لمشروع وأبحاثه وولهه اللاكاني بما تخفيه الكلمات العاديّة من خطورة لا يمكن استيفاؤه من خلال مجرد حوار، لكن بما أني كنت حريصا على اقتناص شيء ممّا جرى بيننا، ووجدت في كامرتي الخاصة ما ارتأيت أنّه كاف للإيفاء بالمعنى حوار كلاسيكي. فكان الآتي: { قد تبدو معاينة أوليّة لأثر يوسف الصديق حسب بعض الانطباعات أنّك اخترت منهجيا الطريق الأشق في معالجة الموروث العربي الإسلامي، أقصد معاينة النص من داخله، هذا الداخل الحرفي المشبع بالمتاهات اللغويّة والروائيّة والكلاميّة، وهو ما سيؤدي سلفا إلى تأويل من أجل أسلمة الحداثة لا تحديث الإسلام كما يقول عبد المجيد الشرفي، ما قولك في هذا؟ ربّما يعود ذلك إلى أنّ النص الذي أسّس ظاهريا هذه الحضارة لا متناهي التأويل بطبعه، ربما إن استبطنا سؤالك تحديدا ما يمرر لي الإجابة عن هذا السّؤال. فالبعد المنسكي اليوم ينسي الناس أن هذا النص غير قابل للتوقف في إنتاج التأويل، وهذا ينسحب على كل النصوص الدينيّة سواء كانت موضوع إيمان أم لا هي لا متناهية التأويل، ففي كل مرة من مراحل التاريخ نعتقد واهمين أن هذا النص قد أغلق فاسحا المجال لمؤسسة، وتأويل أي مؤسسة تحول الظاهرة الدينيّة إلى آليّة منسك، إلى طقس لا غير. وهو ما شرعنا فيه تاريخيا، ولأكون أكثر دقة، بعد انتهائنا من مسألة الفتنة حيث بدا الدخول في لعبة أصبح التاريخ يكرّرها تباعا إلى هذا اليوم. { دعنا نبتعد عن ثيمة التأويل فلسفيا وتجريديا ونعالج وجهها الآخر تاريخيا، مع كل هذه المذاهب والنحل والملل والأطياف التي أنتجت الدم والتقاتل والتناحر الديني؟ هذه المسالة سياسيّة بامتياز، فحين نتأمل بعض القضايا الفلسفيّة التي بنيت عليها مبادئ هذه الفرق من قبيل خلق القرآن أو نفي أنّه مخلوق على سبيل المثال، نقف على أنّ محركها سياسي بامتياز، أو هو يتحول في ما بعد ذلك إلى تعلة وهذا لا يهم مباشرة العمل الذي اشتغل عليه بقدر ما تهمني مسألة التأويل فكريا، تهمني أكثر قراءة تاريخ الأفكار. ففيلسوف مثل ابن رشد، وصل بمسالة التأويل إلى نهاية هذه المعضلة، ومن هذه الزاوية أرى أن ابن رشد هو من أنهى فكريا وفلسفيا هذه الإشكاليّة. وأهم من ذلك تلميذه الذي تناسته الثقافة العربيّة الإسلاميّة وهو عبد الحق ابن سبعين، الذي تم تتبعه وقمعه من الكثير من هذه الملل والنحل والفقهاء من المؤولين من الموقع السياسي، لما كتب في مسألة التأويل فأوغرت صدور الفقهاء عليه فراحوا يتهمونه بالكفر، ممّا اضطر حاكم سبتة، ابن خلاص، إلى طرده منها، واستمر طرده إلى بجاية ثم تونس فمصر إلى أن أدى به القمع إلى الانتحار على مشارف الكعبة. هذه النهاية تبدو بالنسبة إلي رمزيّة كل ما تعلق الأمر بمعضلة التأويل التي تعود إلى عدم التجانس بين جنس ونوع وطبيعة المخاطب في علاقته بالمخاطب. ثانيا إن البعد الزمني للتأويل لا يجب أن يجعلني اتسم بالوثوقيّة في تحصيل معانيه الكاملة، حتى لو كان نصا للفارابي أو ابن سينا أو علي ابن أبي طالب. فمن تداعيات عدم فهم مسألة التأويل ما نراه اليوم من تناحر في ما يتعلق بالمسألة الإسلاميّة من جهة أو إيكال الإنسان العامي البسيط مسألة التأويل لأناس ليسوا من أهل اللغة. إن غياب الوعي الجمعي بتشعب مسألة التأويل وتعقيدها هو ما خلق صراعا لأطراف تتناحر من أجل أن تقول على خلافاتها وتناحرها: «أنا الوحيد القادر على فهم لغة المخاطب الإعلائي». { لماذا تنفي بحدة أنّك من سليل مدرسة القرآنيين أقصد من يكتفون منهجيا بالقرآن كمصدر أوحد للتشريع مثل محمد الطالبي، ومحمد صالح بنور وعلي حسن اوريث وغيرهم، في حين أنّ المعاينة الأوليّة لمؤلفك «نحن لم نقرأ القرآن» تحيلنا على مهاجمة تكاد تكون أكثر حدّة لمؤسسة الحديث وما تناقله المحدثون عن سيرة محمد؟ لقد قام مشروعي على زاوية منهجيّة بحتة مفادها أني قبل أن أشتغل على القرآن، عرجت على ما حف به، بل على ما حف به حتى غطاه وخاصة ما يتداول عليه اليوم بمصطلح السنة. أنا ليس لي موقف قرآني من السنة بمنطق محمد الطالبي وغيره. ولعلي أعتبر دون تحفظ هذه المدرسة متطرفة منهجيا وحاملة نفس القدر من المغالاة من المدرسة التي توغل في تقديس ما وصلنا عن السنة والحديث بمقتضى «إلا وأني أوتيت الكتاب ومثله معه». أعتقد أن الرسول محمد قال أشياء وأنّها حفظت وبلغت لكن وقع فيها بصفة ضخمة من الانتحال والتلاعب ومن الدس، على القدر نفسه من أشياء وردت من حكم ذلك العصر. إن مشروعي بالأساس يتمحور حول النظر إلى الحديث ووضعه على محك الشخصيّة التاريخيّة والانثروبولوجيّة للنبي محمد. من خلال هذه القراءة الموضوعيّة وحدها استطيع التبيين أن ما جاء به القرآن كان يحتمل تبعات تتحمل هذا الحديث المنقول بين العصور. لكن هنالك في هذا الموروث جزء لا يتجزأ كان من الواضح أنّه أسقط إسقاطا تاريخيا بغية حل إشكالات سياسيّة زمن معاوية، أو عبد الملك ابن مروان، أو الحجاج ابن يوسف، لكن مع كل هذا الزيغ استطيع القول اليوم بأنّ السنة من أحاديث وأخبار يمكن أن تكون مؤسسة، لكن هنالك جبل هائل من العمل الجماعي والمؤسساتي الذي يجب أن تكون على شاكلة مراكز بحوث تشتغل على الاركيولوجيا والانثروبولوجيا وكافة الأجهزة المفاهيميّة للعلوم الإنسانيّة من أجل تنقية ما يمكن تنقيته من هذا الموروث الضخم و تحديد ما هو مؤهل أن يحف بالقرآن اليوم. { إذن، أنت تشترط منهجيا الإمعان في قراءة ما حف بالنص لفهم النص كغاية؟ بالضبط، أعطيك أمثلة في ما تركه أبو داوود السجستاني من أحاديث، وما عرج عليه في ما كان يسأله الصحابة لعائشة من حفظة القرآن الذين وجدوا في مصحف عثمان ما غاب عما حفظوه مثلا في سورة الأحزاب وعدة تفاصيل في جوانب كبيرة من القرآن. { ألا يقتصر هذا على تحيز لأدبيات المحدثين الشيعيّة كالكليني والطبرسي وغيرهم؟ لا قطعا، هذا وارد في أحاديث السنة ذاتها. هنالك أمثلة تكاد تكون لا متناهيّة في التشكيك في النص القرآني مثل ما دار من خلاف بين عثمان وعائشة، ومصادر أخرى تتحدث عمّا بدل وغير. اليوم على المسلم أن يعي وعيا تاريخيا بأنه مثلا حين أخذ المسلمون بتجميع القرآن مرة واحدة جاء حذيفة ابن اليمان، ليشير إلى ثلاث آيات حفظهم من عند النبي ونسي إسنادهم إلى المصحف الذي أمر عثمان بجمعه فوضعوها في آخر سورة التوبة وهذا يحيل على اعتباطيّة واضحة وجليّة في جمع النص. { ألا يبدو لك أننا إلى جانب القرآن، لم نقرأ الحديث أيضا، ومن أعراض ذلك ما حدث تجاه قضيّة سلمان رشدي؟ نعم ما أتى به سلمان رشدي لم يكن تخمينات، بل وارد ومستقى من ابن إسحاق وابن هشام وقد راجعه السهيري في رياض الألف. الآيات الشيطانيّة عموما وما حف بها من أحداث، تعد حسب تقديري كسبا كبيرا لفهم ما حدث لحظة تجميع القرآن، فالحاشيتان الذي يريد المشائخ نفيهما لهما تناسق ظاهر مع بقيّة الآيات القرآنيّة من حيث الوزن، في حين أن هنالك في بعض الآيات والمواقع الأخرى انخرام في الوزن. ربما كان ذلك وحيا، ذلك لا يثير إشكالا إن تفطننا لما حف بالسياق. عموما اعتقد أنّ القيمة النظريّة لهذه المسألة، تبني قيمة الإسلام بكامله. هذا بمعنى أنّ البعد التجديدي للإسلام من حيث المخيال حسب إعتقادي، كامن في تلك الطفرة بين البشري والإلهي والتي يحل فيها الشيطان من حين لآخر هذا للأسف ما لم يفكر فيه من قبلي لا المفسرون ولا النحويون لغويا في القرآن. { هل ترى أن تيارات الإسلام السياسي على شاكلتها المعاصرة نتاج تاريخي أم هي مؤسسة جاء بها النص؟ سأقول إنّها نتاج تاريخي جاءت قبل الرّسالة. { كيف ذلك؟ نعم أنا أعتقد بعمق في ذلك وتعقيد، أنا أتحدث عن بنية ممهدة لما يصير اليوم قبل الإسلام نفسه، القرآن لم يأت في لحظة طفرة بل جاء في سياق وتيار تاريخي كبير تميز بواقع إفلاس الحضارات القائمة على ضفاف البحر الأبيض المتوسط من رومانيّة وإغريقيّة وبيزنطيّة. وموضوعيا كان الواقع الجغراسياسي في ذلك الوقت ينبئ بصعود حضارة ما من وراء البحر. ربما لم يحالف الحظ حضارات وجدت قبل قرون من ذلك كالحدثيين والميتانيين، إلا حين تشكل واقع موضوعي قبل أربعة عشرة قرنا يضمن أسباب قيام حضارة في الجزيرة العربيّة التي كانت عذراء من الاستعمار. هذا لا ينفي عدم وجود رهانات لدولة الرسول، وأول هذه الرهانات متمثلة في بني أميّة وبني عبد الدار، هؤلاء لم يكن مشروع محمد ليتوافق مع طموحاتهم الإستراتيجيّة ومصالحهم الاقتصاديّة خاصة. فمشروع الدولة المحمديّة كان سيخرج عن سيطرتهم مسالك التجارة بين بلاد فارس والجزيرة العربيّة التي كانت أسواقها محكومة بالمنتجات الفارسيّة كسوق عكاظ مثلا. وتواصل هذا الواقع الموضوعي إلى ما بعد وفاة محمد، حيث لم يكن الصراع بين علي ابن أبي طالب من بني هاشم ومعاوية من بني أميّة سوى محاولة لإفشال وتعقيد إسلام محمد بما يحمله من تغيير للواقع الاقتصادي بالأساس. تلك اللحظة كانت حسب تقديري لحظة الافتكاك الأصلي لإسلام محمد، لحظة عمقت بالخروج عن مفهوم الشورى التي لم يفهمها المسلمون إلى اليوم وتولية يزيد ابن معاوية بالسيف. { إذن حسب تقديرك لم يفتك إسلام محمد في سقيفة بني ساعدة؟ كلا، بيعة السقيفة كانت حسب تقديري فترة انتقاليّة، لكن ضياع إسلام محمد كان نتاج ثأر بني أميّة من بني هاشم من أجل أغراض اقتصاديّة اجتماعيّة، هكذا أقول إنّ العرب انتبهوا فقط إلى «أمرهم شورى» ونسوا ال«بينهم» في حين إن دققنا في ماهية ال«مايبنهم» سيتيسر لنا إدراك أن دولة الرّسول تفصل ما بين الديني والسياسي، بل هي حاملة لبذور فلسفة الدولة الساكولاريّة Séculière ، والأمر نفسه لمقولة ، «أولي الأمر منهم» فقد نسينا ال«منهم». { من هم ال«منهم»؟ الرئيس السابق بن علي مثلا ليس مني ولست منه من حيث المدلول واللغة، وال«منهم» لغويا، أهم من ولي الأمر نفسه، وهذا يعلن للتو أن القراءات شوهت، وأنّ المؤسسة الإسلاميّة لم تنصف اللغة. { حين تحدثتم للتو عن الواقع الموضوعي لبناء دولة الرّسول، بدت قراءتكم منهجيا ماركسيّة بامتياز، أنت تفسر الظاهرة الدينيّة كبنية سطحيّة، بالبنية التحتيّة أي الظروف الموضوعيّة والأطر الاقتصاديّة الاجتماعيّة، ألم أخطئ في هذا؟ (يضحك) كلا لم تخطئ، فقد تعودت القول بأنني ماركسي وأنا لا أخفي هذا. أنا أؤمن ضمن الماديّة الجدليّة بأنّ تغيرات البنية التحتيّة تأتي سببيا عبر شخص يأتي به التاريخ، وأنّه من منظور آخر، هنالك ثقافة تساعد البنية التحتيّة على التقدم إلى الأمام، وتكون سببا في تأخرها أو عودتها إلى الوراء. { إلى أيّ مدى يمكن للغة التي تبحث فيها أنت اليوم المساعدة على ذلك ثقافيا؟ لقد سبب لنا الابتعاد عن اللغة ومقتضياتها الكثير من النسيان، نسينا أنّ أمير المؤمنين ليس أميرا فقط على المسلمين، لو كان أميرا للمؤمنين، أميرا على المسلمين لوحدهم، لما سمي بيت مال المسلمين بيت مال المسلمين. من هنا علينا بواسطة اللغة وحدها تعميق هذا ورفع اللبس، فهذا الأخير سمي كذلك لأنه يتلقى الزكاة كما تقتضيه عقيدة المسلمين، لكن المقصود بالمؤمنين يعود إلى الديانات التوحيديّة الثلاث، ولي في هذا حديث لا ينتهي أشرت إليه مطولا في ما كتبت. { لطالما تحدثتم على أن قراءة الفقهاء والمشايخ للموروث العربي الإسلامي والتي ينهل منها السواد الأعظم لا تتجاوز حدود الترتيل. كيف يمكن للمواطن البسيط العادي أن يصل إلى جوهر المشروع الفكري ليوسف الصديق القائم على التمحيص في اللغة واستعمال الأجهزة المفاهيميّة المعقدة في العلوم الإنسانيّة في زمن أصبحت الهوة فيه لا تجسر بين النخبة والطرف الأخر؟ بالنسبة إلي، أقر أن آمالي كانت أكبر ممّا وصلت إليه وأنا في هذا العمر أقصد آمال الوصول إلى الإنسان الشعبي، ليست لي قضيّة مع المشايخ ولا مع المثقفين والأكاديميين، بل إنّ صلب عملي الذي سأستمر فيه، سيظل هدفه ذلك الإنسان العامي البسيط، أن يسأل نفسه عن شيء يردده، يتلوه، يرتله غير عارف بماهيته، أن يحير في هذا النص، عن إحالاته وسياقه، أن يسأل نفسه عما هو إزاء عيشه لا أن يبحث في شيء لا يعنيه، وكل هذا السياق الذي يعيشه، من هم الصحابة؟ ما هي العبادات؟ ما أصولها، ما الذي جرى في الفتنة؟ ما أصل القرآن؟ ما المقصود بالآيات التي يرتلها لغويا؟ كل هذه الأسئلة لا تخرج عن إطار اليومي وعن مسألة الإسلام الشعبي لذاته.