في ذاك المقهى حيث الهواء رمادي.. والأنفاس مشبعة برائحة الحرب… كان التلفاز يعلن بصوت أجش.. أخبار انهزام الإنسان أمام ما اخترعت يداه.. وسقوط ألاف العصافير في بحيرة نفط.. وكيف هاجر الأطفال إلى جزيرة «بيتر بان».. حيث الطفولة مملكة والحكاية ملك.. وفي نفس المقهى في الزاوية اليمنى.. شيخ لم تهزمه الوحدة بعدُ يواسي امرأة.. كانت تبكي بيتها الغارق في إسمنت الحزن.. وتحمل عوض رضيعها بقايا قنبلة .. وعلى الطاولة بينهما تابوت صغير.. والصوت الأجش داخل التلفاز.. يعلن نهاية السلم واستسلام السماء.. لجحافل التربة المنفوشة في الفضاء.. ويعرض صورا لسحابة يتمتها غارات ماطرة.. وبين فاصل وآخر يسقط الإشهار كما رشاش من الكيماوي.. يسمم ماتبقى من أذواق المنفيين داخل دهاليز العلبة السوداء.. خارج المقهى ريح تسف الغبار.. تملأ فراغ الأزقة برائحة الموت.. تكنس بقايا جرائد الممالك القديمة.. وترسم اليأس على جدران المنازل.. لا أحد يسير في الطرقات لا أحد.. فقط ظلال أشباح تفتش عن أجسادها.. وأجساد شائخة تؤنس حزن النساء .. وترعى الكلام النابت على وجه الشاشة.. كأعشاب شائكة أو عيون شوهها الرمد.. لا أطفال لا رجال لا سماء صافية… وحده الموت يكتب تاريخ من سقطوا.. صورا أصواتا وأطفالا من هنا ذهبوا. من داخل مقهى الشاشة العملاقة.. حيث الهواء رمادي ووجه السماء أغبر.. وشيخ يمسح دموع امرأة تحمل قنبلة.. وتابوت صغير لطفل اختار أن يرحل.. هناك حيث جزيرة الأطفال والجنيات.. وقراصنة سعداء قد يعودون يوما بسفينة في حجم العالم أو أكبر.. ليحملوا ما تبقى من دمار البشرية ويكتبون تاريخا آخر في عالم جديد.. فيه أطفال وجنيات وطيور عجيبة… ومقبرة صغيرة تليق بتابوت الطفل الوليد….