نظم المركز الثقافي الفرنسي بالجديدة يوم الجمعة 27 أبريل 2018 لقاء مع الروائي فؤاد العروي، خصص لتقديم روايته الجديدة «متمردة باب فلاندر» الصادرة في فرنسا منذ بضعة أشهر. وكما هو معتاد في اللقاءات مع هذا الروائي، فإن النقاش تجاوز الحديث عن العمل الجديد ليتناول عددا من قضايا الثقافة والكتابة في المغرب وفي الغرب. قاربت كلمة سعيد الوكيلي وهو يفتتح اللقاء المسار الأكاديمي والأدبي للروائي فؤاد العروي ، معتبرا إياه كاتبا عابرا للثقافات. وعند تناوله الكلمة بدأ فؤاد العروي من البداية، حيث عزا كثيرا من الأمور في حياته إلى عامل الصدفة كما بالنسبة لولادته في مدينة وجدة بسبب عمل والده آنذاك موظفا في إدارة البريد، مشيرا إلى أنه ينتمي أصلا إلى مدينة الجديدة من عائلة ترجع جذورها إلى مدينة آزمور القريبة، فعمه ليس سوى المفكر المعروف عبد الله العروي. أما الصدفة الثانية المفروضة في مساره فتتعلق بكونه كان دائما شغوفا بقراءة النصوص الأدبية، ولكنه تخصص في الرياضيات وأصبح مهندس قناطر. وبهذا الخصوص حكى كيف أن أستاذه الفرنسي في ثانوية ليوطي بالدار البيضاء مزق ورقة اختياراته حينما عبر فيها، وهو بعد تلميذ في قسم الباكلوريا علمية، عن رغبته في الذهاب إلى فرنسا لدراسة التاريخ أو الفلسفة. ولاحظ الروائي فؤاد العروي بأن المغرب عرف، بالمقارنة مع ماضيه القريب، تطورا في عدد من المجالات، كما تغيرت فيه أمور كثيرة بشكل إيجابي لولا أن بعض السلوكيات المجتمعية ما زالت تشوش على الصورة العامة كما ظاهرة العنف اللفظي، والانغلاقية، والتراخي في العمل، وغياب التفاعل الجدي والذكي مع المستجدات. ولم يتفق فؤاد العروي مع أحد الحاضرين الذي سأله عن رأيه في تواري المثقفين المغاربة اليوم من المشهد العام ومن السجالات الدائرة في الساحة، إذ أوضح الروائي بأن المثقف المغربي موجود وحاضر لولا أن صوته لم يعد مسموعا كما كان في الستينيات والسبعينيات. فإذا كان القارئ المغربي بالأمس حريصا على متابعة ما يجري في بلده عبر قراءة الجرائد والمجلات، ويتفاعل بالنقاش الحي والمفتوح مع غيره، فإنه اليوم يعيش في دوخة مع وسائل التواصل الاجتماعي التي أربكت ذهنه بالزيف والفرقعات. وأضاف فؤاد العروي بأنه رغم كونه كاتبا معروفا فإن عدد قرائه أقل بكثير من عدد المعجبين مثلا بمغنية شابة. وبلغة الأرقام أشار إلى أن روايته التي استغرق في كتابتها سنة ونصف قد لا يتعدى عدد قرائها 8 آلاف قارئ، في حين استطاعت مغنية مغربية شابة، بقليل من الموهبة، أن تحصل بأغنيتها في اليوتيوب على 180 ألف مشاهد. هكذا إذن تعرقل الوسائط الرقمية الدور الطبيعي والطليعي للمثقف وتحصره في الخلف. وفي سياق آخر أوضح فؤاد العروي بأن دور المدرسة العمومية في المغرب كان فاعلا منذ أربعين سنة مضت، لكنه تراجع تراجعا كبيرا. فبالأمس استطاع جمهور من شباب العائلات المتواضعة، بفضل المدرسة، تحقيق ما كان يصبو إليه في الحياة. كانت المدرسة، رغم هزالة إمكانياتها آنذاك، تؤدي دور الرافعة بينما تدهور أداؤها اليوم وهو ما انعكس بشكل سلبي على المجتمع برمته. وبهذا الخصوص ركز المتدخل على الدور الذي كان يقوم به رجال التعليم في الماضي في دفع تلاميذهم للتحصيل والاهتمام بالدراسة ، معطيا المثل من خلال مساره الشخصي حيث أثنى على بعض المدرسين بمؤسسة شاركو الفرنسية التي درس بها في الجديدة والذين غرسوا فيه حب القراءة والمعرفة إلى حد أنه قال : «حياتي الحقيقية كانت داخل مدرسة شاركو». وعزا ذلك لكون فضاء المدرسة كان يفتح أمام التلاميذ آفاقا جديدة ويتيح لهم تحقيق أحلامهم في الحياة مهما سمت وعلت. وعلق المتدخل على بعض المقولات التي كثيرا ما رددها أمامه بعض أبناء المهاجرين في الغرب وفي فرنسا تحديدا، ملقيا باللائمة على المشتكين. كمثل شاب مغربي سمعه مرة يكيل الاتهامات للفرنسيين بكونهم عنصريين، لا يحبون العرب ويحرمونهم من الشغل وغيرها من الاتهامات المماثلة، إذ سأله العروي : «هل تتوفر على الجنسية الفرنسية» قال الشاب المغربي : «نعم». أجابه العروي : «إذن أنت فرنسي مثل جميع الفرنسيين وما هو متاح لهم متاح لك أيضا بنفس الشروط ولا ينبغي وأنت من الجيل الثالث أن تظل طوال حياتك تشتكي من تمييز أنت من تغذيه بانعزالك وتقاعسك ورغبتك في أن تبقى في الزاوية». واستغرق فؤاد العروي في الحديث عن القضايا الراهنة بكثير من التفاصيل وبلغة تمزج بين الجدية والسخرية الهادفة إلى حد أن الحديث عن روايته الأخيرة جاء، في نهاية اللقاء، عابرا لكنه لم يكن يخلو من توضيحات بشأن طريقة الكتابة. تلك الطريقة القائمة على توظيف الوقائع اليومية ومخزون الذاكرة من أجل التعبير عن قضايا اجتماعية ملحة.