في البدء كانت الكلمة. «لا يمكنني الكتابة عما يحدث في المنطقة من حراك، لأن الوقت ما يزال مبكرا على فعل ذلك، موعدنا بعد قرنين، ربما تتوفر حينها المعطيات الكافية للكتابة عنه».. هكذا أجاب الكاتب فؤاد العروي لما سئل عن لماذا لم يكتب عن الحراك الذي تعرفه العديد من الدول العربية منذ أكثر من سنة. حدث ذلك لما قدم الروائي المغربي روايته الجديدة عجوز الرياض، والتي كانت مناسبة لحديث الروائي، عن تجربته الدراسية وعلاقاته بالكتابة واللغة والمدن المغربية وبلدان العالم.. في تفاعل مع قراءه الذين حضروا اللقاء الذي نظمته مكتبة الفناك الكائنة بالمول التجاري للدار البيضاء. وروى فؤاد تجربته مع الكتابة التي كانت بالنسبة له، فعلا مستمرا مداوما، ينتقل معه عبر كل تلك المدن التي عاش بها - ولد في وجدة -، من الجديدة التي عاش فيها طفولته، إلى الدارالبيضاء التي درس في ثانويتها الشهيرة ليسي ليوطي، مرورا عبر الصويرة.. حتى على الرغم من أن تخصص العلمي البحث، الذي أخذه إلى دراسة الهندسة في فرنسا. الرياضيات والطريق الملكي وقد اختار التلميذ دراسة الأدب والتاريخ والفلسفة، إلا أن سخرية أستاذ من اختياره، وتعديله بنفسه إلى الهندسة، تحت مبرر «لما نكون بحظ اتقان الرياضيات، يكون أمامنا الطريق الملكي» حسب تعبير الأستاذ، فتحا أمامه طريقا أطول، لكنه كان أساسيا، بعد الهندسة والرياضيات في فرنسا نحو الاقتصاد في كامبردج، والذي صار أستاذا له بهولندا وما يزال.. ابتعد عن دراسة الأدب عشرين سنة، لكنه ما ندم عليه، بل وأكد الروائي، أن على الجميع دراسة الرياضيات، وأن الكثير من مشاكلنا مرضها عدم توفر الكثيرين على عقل علمي يرتب عندهم القدرة على التحليل. ولم تكن تلك الطريق بعيدة عن الكتابة، بل هي استمرت، ملازمة لحياته كقارئ نهم يكتب بشكل مستمر، فكان أول كتاب ينشر له، واحدا من تلك المسودات التي تراكمت، التي تنبه لها ساعة رغبته في الانتقال إلى انجلترا، فأرسلها في شبه تخلص، إلى المركز الثقافي الفرنسي بهولندا، فكان أن أبدى المشرف على النشر الرغبة في طبعها، ليكون الأمر اجتماع بين المداومة على الكتابة، ومصادفة النشر. «عجوز الرياض» وتحكي الرواية الجديدة، التي أصدرها الكاتب عبر دار النشر «جيريارد» الفرنسية، عن زوج فرنسي، اختار طرفاه، بعد طول عشرة في فرنسا، أن يهاجرا باتجاه المغرب، ويقتنيا رياضا في مراكش بمدخراتهما، ليفاجئا في الدار بعجوز مغربية، تجاوزت من العمر المائة، بدأت تعلمهما عن المدينة وأهلها، ساخرة بأدب من انغلاقهما على تمثلاتهما عن المدينة والحياة فيها، دون تكلف عناء الإنصات والتعلم. "فنتازيا" المرور بمراكش، أو شراء رياضات أو حتى قصور فيها، لا يعني استيعابها وفهم أهلها وثقافتهم، هذه هي الفكرة التي تريد الرواية إيصالها للقارئ الفرنكفوني عموما، في نص هو بين التخييل والتأديب. وتروي «عجوز الرياض» كذلك، عن جزء أساسي من تاريخ البلد، إذ في جزئها الثاني عن حرب الريف، وكيف عاش الفرنسيون تلك المرحلة، والنخبة الفرنسية بفوضويها وشيوعيها وصحافتها وسياسيها.. حتى قال أحد روائييها في تلك المرحلة «عبد الكريم الخطابي هو البطل الذي استطاع تنوير حياتنا».. الموضوعان اللذان يتجاوران في النص يجعلان في النص ما يشبه الروايتين، فيها التاريخ والأدب. نظام رقابة الجميع تجاه الجميع. سئل العروي عن الربيع العربي، وعن الحراك الاجتماعي التي تعرفه المنطقة، فأكد على أن الوقت ما يزال مبكرا للحكم عليه، وأن الخلاصة المبدئية هي أنه لا وجود لربيع عام موحد يعم الجميع، بل هي تجارب متعددة بقدر عدد البلدان، ليخلص أننا نطور في المغرب ما يشبه نظام رقابة، يراقب فيه مختلف الأطراف بعضهم البعض، وعن إمكانيات الكتابة الروائية حول الموضوع قال الضيف الذي ختم المقابلة بتوقيع كتبه، «موعدنا بعد قرنين من الآن، ربما الأمور تكون قد اتضحت بشكل يمكننا من الكتابة حولها».