مشروع قانون المسطرة الجنائية يروم تعزيز مجال الحقوق والحريات (وزير العدل)    الأخضر يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    الصين تعزز مكانتها العالمية في مجال الطاقات المتجددة    حضور جماهيري مميز وتكريم عدد من الرياضيين ببطولة الناظور للملاكمة    الدوري السعودي لكرة القدم يقفز إلى المرتبة 21 عالميا والمغربي ثانيا في إفريقيا    حكيم زياش يدخل عالم المال والأعمال بمدينة مراكش    إيمينتانوت .. إحباط محاولة تهريب أطنان من الحشيش    إقليم جراد : تدابير استباقية للتخفيف من آثار موجة البرد    محكمة الحسيمة تدين متهماً بالتشهير بالسجن والغرامة    طقس الخميس.. برد وغيوم مع قطرات مطرية    سناء عكرود تشوّق جمهورها بطرح فيديو ترويجي لفيلمها السينمائي الجديد "الوَصايا"    الإفراط في تناول اللحوم الحمراء يزيد من مخاطر تدهور الوظائف العقلية ب16 في المائة (دراسة)    مجموع مشتركي نتفليكس يتخطى 300 مليون والمنصة ترفع أسعارها    الكويت تعلن عن اكتشاف نفطي كبير    الصحافيون الشرفيون المتقاعدون يسلطون الضوء على أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية    المندوبية السامية للتخطيط تتحدث عن الأسعار خلال سنة 2024    مراكش: توقيف 6 سيدات وشخص لتورطهم في قضية تتعلق بالفساد وإعداد وكر لممارستة    ارتفاع أسعار الذهب لأعلى مستوى في 11 أسبوعا وسط ضعف الدولار    الكاف يؤكد قدرة المغرب على تنظيم أفضل نسخة في تاريخ كأس أمم إفريقيا    دراسة: أمراض اللثة تزيد مخاطر الإصابة بالزهايمر    الجفاف وسط البرازيل يهدد برفع أسعار القهوة عبر العالم    تصريحات تبون تؤكد عزلة الجزائر عن العالم    ترامب يصفع من جديد نظام الجزائر بتعيين سفير في الجزائر يدعم الموقف المغربي في نزاع الصحراء    أبطال أوروبا.. فوز درامي لبرشلونة وأتلتيكو يقلب الطاولة على ليفركوزن في مباراة عنيفة    حماس تنعى منفذ عملية تل أبيب المغربي حامل البطاقة الخضراء الأمريكية وتدعو لتصعيد المقاومة    شح الأمطار في منطقة الغرب يثير قلق الفلاحين ويهدد النشاط الزراعي    الكشف عن النفوذ الجزائري داخل المسجد الكبير بباريس يثير الجدل في فرنسا    وزارة التربية الوطنية تبدأ في تنفيذ صرف الشطر الثاني من الزيادة في أجور موظفيها    الدريوش تؤكد على ضرورة اتخاذ التدابير اللازمة للتصدي للمضاربات في سعر السردين    رئيس جهة سوس يقود حملة انتخابية لمرشح لانتخابات "الباطرونا" خلال نشاط رسمي    فرنسا تسعى إلى توقيف بشار الأسد    كيوسك الأربعاء | الحكومة تنهي جدل اختصاصات كتاب الدولة    خديجة الصديقي    بنما تشتكي ترامب إلى الأمم المتحدة    Candlelight تُقدم حفلاتها الموسيقية الفريدة في طنجة لأول مرة    عادل هالا    جماهير جمعية سلا تطالب بتدخل عاجل لإنقاذ النادي    المدافع البرازيلي فيتور رايش ينتقل لمانشستر سيتي    الشاي.. كيف تجاوز كونه مشروبًا ليصبح رمزًا ثقافيًا عميقًا يعكس قيم الضيافة، والتواصل، والوحدة في المغرب    الصين تطلق خمسة أقمار صناعية جديدة    نقاش مفتوح مع الوزير مهدي بنسعيد في ضيافة مؤسسة الفقيه التطواني    الكنبوري يستعرض توازنات مدونة الأسرة بين الشريعة ومتطلبات العصر    سقوط عشرات القتلى والجرحى جراء حريق في فندق بتركيا    أمريكي من أصل مغربي ينفذ هجوم طعن بإسرائيل وحماس تشيد بالعملية    ماستر المهن القانونية والقضائية بطنجة ينظم دورة تكوينية لتعزيز منهجية البحث العلمي    المغرب يواجه وضعية "غير عادية" لانتشار داء الحصبة "بوحمرون"    فضيل يصدر أغنيته الجديدة "فاتي" رفقة سكينة كلامور    افتتاح ملحقة للمعهد الوطني للفنون الجميلة بمدينة أكادير    المؤتمر الوطني للنقابة المغربية لمهنيي الفنون الدرامية: "خصوصية المهن الفنية أساس لهيكلة قطاعية عادلة"    في حلقة جديدة من برنامج "مدارات" بالاذاعة الوطنية : نظرات في الإبداع الشعري للأديب الراحل الدكتور عباس الجراري    الإفراط في اللحوم الحمراء يزيد احتمال الإصابة بالخرف    وفاة الرايس الحسن بلمودن مايسترو "الرباب" الأمازيغي    علماء يكشفون الصلة بين أمراض اللثة وأعراض الزهايمر    المجلس العلمي المحلي لإقليم الناظور يواصل برامجه التكوينية للحجاج والمعتمرين    ثمود هوليود: أنطولوجيا النار والتطهير    الأمازيغية :اللغة الأم….«أسكاس امباركي»    ملفات ساخنة لعام 2025    أخذنا على حين ′′غزة′′!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تجلياتها متعددة ملامح فشل حملات تحرير الملك العمومي بمراكش
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 20 - 04 - 2018

تقوم سلطات مراكش من حين لآخر بحملات لتحرير الملك العمومي من محتليه بمناطق مختلفة من المدينة. وهي الحملات التي يعرف المراكشيون منطق تصريفها على أرض الواقع: مطاردات، حجز بضائع و عربات، انتشار للقوة العمومية بالمكان المخلى، ثم العودة إلى ما كان عليه الحال قبل التدخل، في مسلسل سيزيفي أشبه بمن يروي الرمل بالماء.
يعرف السكان جيدا أنه ليس هناك من حملة تمكنت من تحرير الملك العمومي الذي استهدفته بشكل مطلق ودائم في المدينة الحمراء. فعادة ما يعود الباعة الجائلون بسرعة كبيرة لاحتلال الأرصفة والشوارع والممرات والساحات التي طردوا منها. بل إنهم يرتبون الفضاءات المحتلة وفق العادات التي ألفوا التعامل معها، كما لو كانت عملية الإخلاء مجرد فاصلة في إيقاع لا أحد يشك بأنه سيستمر، يتكون من متلازمتين هما إخلاء مؤقت مقابل عودة متجددة، حضور جد محدود للقانون على أرض الواقع، مقابل قانون تفرضه الفوضى.
تجر كل حملة لتحرير الملك العمومي بمراكش فشلها الخاص معها. بدايته ضعف يقظة الأجهزة التي تلقى على عاتقها أمانة صيانة الملك العمومي من كل تطاول، لأنه في نهاية المطاف تجسيد موضوعي للحق العام، لحق الجميع الذي لا يقبل الخوصصة. إذ أن أبسط بداهة تفرضها هذه اليقظة هو التصدي السريع لأول محاولة للسطو على هذا الملك ولو كان شبرا واحدا. لكن الذي يحدث عادة أن الحذر يعوض بحالة من التعايش بين السلطة المنظمة وبوادر الفوضى التي تظهر بالتدريج في هذا الشارع أو تلك الساحة، إلى أن يتحول البائع البسيط والوحيد الذي كان متنقلا، إلى مئات الباعة الثابتين بعرباتهم وبضائعم. ويصبح الشارع المخصص للمرور سوقا منتفخة بلا حدود، تتكدس فيها «المتاجر» العشوائية وتمارس فيها تجارة رابحة متحررة من أية رسوم أو ضرائب. فتفرض الفوضى سيادتها الشاملة، ويصبح الصوت المطالب بسيادة القانون والنظام نشازا.
ومع ذلك فالفشل كامن أصلا في طبيعة مفهوم الحملة نفسه الذي يناقض روح القاعدة القانونية التي من المفروض أن تكون سنده الأساس. لأن الحملة تعني تطبيقا استثنائيا للقانون، في الوقت الذي لا يكون القانون قانونا إلا بطابع الاستدامة الذي يتمتع به. إذ ما الفائدة من قوانين لا تسري على أرض الواقع إلا مؤقتا وبشكل متقطع؟ يدرك محتلو الملك العام بمراكش، جوهر الحملات التي تستهدفهم انطلاقا من خاصيتها الجوهرية المشار إليها، باعتبارها استفاقة مفاجئة للأجهزة الموكول لها الحرص على النظام، ستعقبها لحظة طويلة من الخمول. و لذلك فهم لا يرون فيها أي خطر أو تهديد بالحرمان المطلق من هذا الإدمان على الفوضى والعشوائية الذي فرضت مظاهره على المدينة بكاملها.
يمكننا أن نقدم نماذج كثيرة على ذلك، بل إن من يعيش بالمدينة الحمراء يعرف تفاصيلها الدقيقة. فساحة جامع الفنا مثلا، كانت مسرحا لحملات كثيرة لتحرير الملك العمومي، لكن لاشيء تغير بها. حتى أن بعض تجارها الذين طالبوا مرارا و تكرارا من خلال جمعياتهم، بفك الحصار المضروب على متاجرهم من قبل الباعة الجائلين الذين يحتلون ممر «البرانس» والكثير من فضاءات الساحة، نالهم اليأس من جدوى هذه التدخلات. نفس الشيء بالنسبة لشارع العيون بالمسيرة، الذي يعد معماريا من أوسع شوارع المدينة، لكنه استحال بسبب احتلاله، إلى ممر صغير يختلط فيه الراجلون الذين طردوا من الأرصفة، بالسيارات والحافلات والدراجات. وهي قاعدة تتكرر بأزيد من 100 نقطة سوداء بالمدينة، هي عبارة عن شوارع وأزقة وساحات وأرصفة عمومية، تحولت إلى تجمعات عشوائية للباعة الجائلين، أو احتلتها كراسي المقاهي والمطاعم مثلما يحدث بشارع محمد الخامس.
لا يُعزى فشل هذه الحملات فقط إلى كسل بعض الأجهزة في الدفاع عن الملك العمومي، لكن ذلك يتضافر أيضا مع كسل أفدح لدى المجالس المنتخبة التي تدير شؤون المدينة، في إيجاد الحلول المندمجة لهذه الظاهرة، إن لم نقل إن تدخلاتها تفشل الحلول المعتمدة. وتشهد على ذلك أوضاع الأسواق النموذجية التي استحدثت أغلبها لمواجهة هذه الظاهرة وتمكين الباعة الجائلين من أماكن منظمة لممارسة نشاطهم، والتي تحولت بدورها إلى مكان لتفريخ الفوضى والعشوائية.
تظل الحملة حملة. ومثلما فشلت حملات الوقاية من حوادث السير في الحد من حوادث السير، وحملات «الدور الآيلة للسقوط» في إيقاف تداعي البيوت بالمدينة العتيقة، و حملات مواجهة الدعارة في إنهاء نشاطها، ستواصل حملات تحرير الملك العمومي فشلها بمراكش، طالما ظلت محكومة في طبيعة عملها بذات المنطق، أي بالاحتكام المتقطع للقانون، وبالاستفاقة المباغتة لإنفاذه على أرض الواقع وتحويل الفوضى إلى مبدأ منظم يبسط نفوذه ويحول العشوائية إلى نزوع عام، لا يضر فقط بحياة الناس و توازنها بهذه الحاضرة، لكن يضرب في الصميم فكرة المدينة فيها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.