" إنه يوم آخر متشح بالسواد ينضاف إلى سلسلة أحزان طويلة سبق أن عاشت على وقعها القاسي ساكنة دواوير المنطقة ". هكذا يمكن للمرء أن يلخص تصريحات وردود مجموعة من أبناء منطقة أيت عميرة / بيوكرى باشتوكة أيت باها ، على إثر فاجعة الخميس 29 مارس 2018 ، المتمثلة في اصطدام سيارة "بيكوب" كانت تقل عمالا زراعيين بحافلة للنقل، والتي أودت بحياة 9 أشخاص قضوا نحبهم بمكان وقوع الحادث ، قبل أن يلفظ مصابان أنفاسهما الأخيرة السبت الموالي، 31 مارس 2018 بالمستشفى الجهوي الحسن الثاني بأكادير. حادثة طريق ضحاياها من العمال الفلاحيين، تجعل الذهن يسترجع "شريط" أكثر من "مأساة"، كانت مجموعة من طرق المنطقة ذاتها ، مسرحا لها ، نذكر ببعض"عناوينها " المؤلمة – لعل الذكرى تنفع المسؤولين – ضمنها حادثة مؤرخة ب 27 فبراير 2018 ، شهدت وقوعها الطريق الوطنية رقم 1 على مستوى دوار أيت لحسن بجماعة إنشادن ، ذهب ضحيتها عامل فلاحي وإصابة 19 آخرين بجروح بليغة من بينهم 11 امرأة. وأخرى يعود تاريخها إلى 17 دجنبر 2015 ، "تسببت في إرسال 16 عاملة زراعية إلى المستشفى إثر إصابتهن بجروح متفاوتة الخطورة" ، جراء انقلاب عربة خفيفة ذات مقطورة بالمدار المسقي لسد يوسف بن تاشفين ، بمنطقة أيت اعزا ، التابعة للجماعة القروية أيت عميرة. وفي نهاية أكتوبر 2017 سجلت منطقة "تين علي منصور " بضواحي سيدي بيبي ، وقوع حادثة أسفرت عن إزهاق روح شخصين وإصابة آخرين من بين العمال الزراعيين كانوا في طريق العودة إلى ديارهم . مآس متعاقبة ، بتواريخ متقاربة ومتباعدة ، يصاب المرء بالدوار من تكرار حدوثها في هذه "الجغرافية" المحتضنة لمجموعة من الضيعات الفلاحية – إلى جانب أخرى تابعة للنفوذ الترابي لإقليم تارودانت – والتي كانت، الأسبوع الماضي ، مدعاة لتحرك جمعوي – حقوقي تجسد في وقفات احتجاجية طالبت ب "الوقف الفوري" ل "عربات الموت " و"القطع مع استعمال وسائل نقل حاطة من الكرامة الإنسانية وماسة بالسلامة البدنية للعمال الزراعيين" . كما تضمن بيان لإحدى نقابات القطاع المطالبة "بتوفير النقل الآمن من خلال حافلات بدل العربات والجرارات والشاحنات التي تهدد حياة العمال والعاملات"، وذلك على خلفية تنظيم عشرات العاملات والعمال الزراعيين، يوم الخميس 22 فبراير 2018، وقفة احتجاجية أمام المندوبية الجهوية للشغل بأكادير، والتي تلت "حركة غضب "سالفة نظمت يوم الخميس 15 فبراير 2018 أمام قيادة خميس آيت عميرة . وفي سياق النبش في "أوضاع العاملات الزراعيات بمنطقة خميس أيت عميرة "، سبق لدراسة ميدانية، أعلن عن نتائجها في شهر يونيو 2012 – أشرفت على إنجازها جمعية نساء الجنوب – أن كشفت عن حقائق فاضحة بشأن المعاناة المتعددة الأوجه التي تسم يوميات هذه الفئة من العاملات، القادمات من مدن/ مناطق بعيدة بحثا عن دراهم الحلال، بعد أن استعصى توفيرها في مسقط الرأس . يوميات تبدأ بالاستيقاظ المبكر في الرابعة صباحا ليجتمعن حوالي الساعة الخامسة في أماكن مخصصة لانتقائهن واختيارهن " الموقف "، بالنسبة للمياومات المشتغلات بأجر يومي يتراوح بين 50 و60 درهما – وفق مردودية كل موسم فلاحي – في قطف ثمار البرتقال ، زرع البذور ، اقتلاع الحشائش… وغيرها من الأعمال التي تتطلب جهدا بدنيا كبيرا . ينطلق العمل في السابعة صباحا ليمتد إلى السادسة مساء، وأحيانا يكون بطريقة " القطعة – العطش " ، حيث يطلب من العاملة أن تملأ صناديق قد يتجاوز عددها 20 صندوقا ، وبعد إنهاء المهمة، التي تكلفت بها ، تغادر الحقل أو الضيعة على أمل إيجاد فرصة ثانية في اليوم الموالي، وتتم رحلات الذهاب والإياب على متن "بيكوبات" يحشرن داخلها في ظروف أقل ما يمكن أن توصف به أنها لاتحترم كرامة الإنسان ! وأشارت الدراسة ذاتها إلى أن نسبة كبيرة من العاملات الزراعيات يجبرن على إمضاء التزام – استقالة – تتم المصادقة عليه لدى السلطات العمومية كشرط أساسي لقبولهن كعاملات ببعض الضيعات، و"ذلك حتى يسهل على أرباب العمل الاستغناء عنهن في أية لحظة دون تبعات قانونية " . ويتعرضن لشتى أنواع العنف اللفظي والجسدي ، وأدنى احتجاج يعني التخلي عن خدماتهن. العديد منهن يقعن "فريسة" أمراض مختلفة تكون لها عواقب وخيمة على "مسارهن الحياتي " بشكل عام : جلدية ، تنفسية ، الروماتيزم ، تفشي حالات الخوف والقلق والتوتر بينهن بسبب وطأة ظروف العمل القاسية، تنضاف إليها ظروف الإقامة، حيث تقطن غالبيتهن في بيوت تفتقر للحد الأدنى من مقومات العيش الكريم… هي أوضاع تحيط بها القساوة من كل جانب ، تدفع المرء إلى التساؤل، بغير قليل من المرارة، هل من "الطبيعي" أن تبقى يوميات العديد من هؤلاء العمال، ذكورا وإناثا، موشومة بكل مسببات "القهر" ، والتي تصل ، في أحايين كثيرة ، حد فقدان الحياة على قارعة الطريق، أو الإصابة بعاهة مستديمة ، نتيجة الظروف "المزرية " التي تسيج تنقلاتهم من و إلى ضيعات فلاحية لا يدخل توفير وسيلة نقل تحفظ الحد الأدنى من شروط " الآدمية "، في أجندات أولويات أصحابها ؟ رجاء ، لاتتركوا – كل جهة من منطلق مسؤوليتها – مسلسل "المآسي"، الذي يتواصل "تصوير" حلقاته ب"دم " عشرات الكادحات والكادحين بطرقات منطقة أيت عميرة / بيوكرى، وما شابهها ، بلا نقطة نهاية.