«أصيبت 16 عاملة زراعية بجروح متفاوتة الخطورة، إصابة خمس منهن بليغة، جراء انقلاب عربة خفيفة ذات مقطورة بالمدار المسقي لسد يوسف بن تاشفين ، بمنطقة أيت اعزا، التابعة للجماعة القروية أيت عميرة، بالنفوذ الترابي لشتوكة أيت باها». هي حادثة – مؤرخة ب 17 دجنبر 2015 - من بين العشرات التي يوحدها قاسم مشترك، له أكثر من دلالة ، والمتمثل في كون ضحاياها من «العاملات الزراعيات»! فالجغرافية الترابية ذاتها شهدت، أواخر يونيو من العام المنصرم، حادثة مشابهة أصيب خلالها 39 عاملا زراعيا، من ضمنهم 24 امرأة، بجروح تباينت درجة خطورتها، وذلك على إثر انقلاب شاحنة بجماعة الصفا على الطريق الرابطة بين بيوكرى ومركز أيت ميلك، كانت تقل على متنها أزيد من 50 عاملا زراعيا يشتغلون بإحدى الضيعات الفلاحية بالمنطقة. طرقات جماعة أيت عميرة، أيضا، سبق أن لفظت أنفاسها الأخيرة، فوق أسفلتها، ثلاث عاملات زراعيات، في فاجعة مازال أبناء المنطقة يتذكرون مشاهدها المؤلمة إلى اليوم. في السياق ذاته، شكلت أوضاع العاملات الزراعيات بمنطقة خميس أيت عميرة، موضوع دراسة ميدانية أعلن عن نتائجها في شهر يونيو 2012، كما دخلت جمعيات مدنية وحقوقية، محلية ووطنية، على خط «الظروف القاسية» المسيجة لتنقلهن صوب الضيعات والحقول الممتدة بين تراب إقليمي اشتوكة ايت باها وتارودانت – اولا تايمة نموذجا - عبر بيانات تنديدية ورسائل تنبيهية موجهة للجهات والسلطات المعنية. كشفت هذه الدراسة - أشرفت على إنجازها جمعية نساء الجنوب – عن حقائق صادمة بشأن المعاناة المتعددة الأوجه التي تسم يوميات هذه الفئة من العاملات، القادمات من مختلف المناطق بحثا عن دراهم الحلال، بعد أن استعصى توفيرها في مسقط الرأس تحت «ظلال» دفء الأهل والأحباب – بني ملال وخنيفرة وأزيلال... – يوميات تبدأ في الغالب بالاستيقاظ المبكر في الرابعة صباحا ليجتمعن حوالي الساعة الخامسة في أماكن مخصصة لانتقائهن واختيارهن «الموقف»، بالنسبة للمياومات المشتغلات، بأجر يومي يتراوح بين 50 و60 درهما – حسب كل موسم فلاحي – في قطف ثمار البرتقال، زرع البذور، اقتلاع الحشائش... وغيرها من الأعمال التي تتطلب جهدا بدنيا استثنائيا. ينطلق العمل في السابعة صباحا ليمتد إلى السادسة مساء، وأحيانا يكون بطريقة «القطعة – العطش»، حيث يطلب من العاملة أن تملأ صناديق قد يتجاوز عددها 20 صندوقا، وبعد إنهاء المهمة التي تكلفت بها تغادر الحقل أو الضيعة على أمل إيجاد فرصة ثانية في اليوم الموالي، وتتم رحلات الذهاب والإياب على متن «بيكوبات» يحشرن داخلها في ظروف أقل ما يمكن أن تنعت به أنها تشكل عنوانا للإذلال والمهانة! الدراسة نفسها أشارت إلى أن نسبة كبيرة من العاملات الزراعيات يجبرن على إمضاء التزام - استقالة - تتم المصادقة عليه لدى السلطات العمومية كشرط أساسي لقبولهن كعاملات ببعض الضيعات، و«ذلك حتى يسهل على أرباب العمل الاستغناء عنهن في أية لحظة دون تبعات قانونية». يتعرضن لشتى أنواع العنف اللفظي والجسدي، ومنهن من يطاردهن التحرش الجنسي من قبل المسؤول المباشر عنهن «الكابران»، وأدنى احتجاج يعني التخلي عن خدماتهن. العديد منهن يقعن «فريسة» أمراض مختلفة تكون لها عواقب وخيمة على «مسارهن الحياتي» بشكل عام: جلدية، تنفسية، الروماتيزم، تفشي حالات الخوف والقلق والتوتر بينهن جراء أجواء العمل الضاغطة، تنضاف لها ظروف الإقامة، حيث تقطن غالبيتهن في بيوت تفتقر للحد الأدنى من مقومات العيش الكريم. إنها أوضاع تحيط بها «المأساة» من كل جانب، كان المرء يعتقد أنها عناوين مرتبطة بتجارب قاسية تتجرع مرارتها فئة من النساء المغربيات خارج المغرب، بضيعات وحقول زراعية إسبانية، قادهن العوز وضيق ذات اليد إلى تحمل أصناف شتى من التحقير والإساءة، في أفق غد أفضل ينسي جروح الماضي، قبل أن تتوالى «حوادث» طرقنا، الوطنية منها والثانوية، كاشفة عن جروح «جسمنا الاجتماعي»، والتي لا تندمل بمجرد إلقاء خطابات فضفاضة في هذا اللقاء أو في تلك الندوة، أو عقب توقيع اتفاقية مع هذا الطرف أوذاك، تنسى بنودها مع مطلع فجر اليوم الموالي، ولكن «آلامها» العميقة تظل مفتوحة تنتظر معالجة جدية تعيد لهؤلاء النساء، الكادحات من أجل لقمة عيش مبتلة بعرق الجبين، قليلا من إنسانيتهن «المنتهكة»، عبر تمكينهن من الحد الأدنى من الحقوق التي ينص عليها الدستور ومدونة الشغل.