تضمنت معطيات إحصائية سبق أن أصدرتها المندوبية السامية للتخطيط ، بشأن تصريحات الأجراء لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، أن عدد أجراء القطاع الخاص يناهز 4 ملايين، من بينهم 3 ملايين و200 ألف مصرح بهم، أي 80 % ، وحوالي 800.000 غير مصرح بهم، وهو ما يقارب نسبة 20% ، أغلبهم يرتبط مجال عملهم بالقطاع الفلاحي - حوالي 600.000 - أي 75% . خلاصات رقمية تحيل على قتامة الوضع الهش ، اقتصاديا واجتماعيا ، الذي يسيج "يوميات" آلاف المنتسبين إلى "العمالة الزراعية" ، والتي تحضر داخلها النساء ، يافعات كن أو راشدات ، بشكل دال ولافت ، لاعتبارات متعددة تمتح مرجعيتها، أساسا، من العوز الأسري وغياب البديل المخلص من تداعيات الفقر المدقع الضاغط بوطأته في المجال القروي . وضع شكل، في الآونة الأخيرة ، مدعاة لتحرك إحدى النقابات - الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي " إ.م .ش " ، من خلال تسطير "حملة احتجاجية" في الفترة الزمنية الممتدة من 18 يناير الجاري إلى غاية 15 فبراير 2017 ، بدأت بوقفات مختلفة ب "المناطق العمالية" المعنية بالنشاط الزراعي ،على أن تختتم بمسيرة مركزية بالرباط ، وذلك "للتنديد بوضعية العاملات والعمال الزراعيين، وللتعريف بمطالب وواقع هذه الفئة العمالية، التي تعاني من التهميش و الهشاشة" وفق منطوق بلاغ نقابي . وارتباطا بأوضاع هذه الفئة من الكادحين ، يجدر التذكير بأن الحد الأدنى للأجور :" 86 ، 2570 درهما " غير معمول به داخل العديد من الضيعات الفلاحية ، حيث يشير المصدر السالف ذكره ، إلى أن العامل الزراعي يتقاضى " 73 ، 69 درهما " عن كل يوم شغل ، في وقت يتقاضى العامل في قطاعات الصناعة والتجارة والمهن الحرة مبلغ " 46 ، 13 درهما "عن كل ساعة عمل ، كما أن عمال وعاملات القطاع الزراعي ، لا يتوفرون - في الغالب - على أدنى شروط السلامة الصحية، وعدم التصريح بغالبيتهم لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي يجعلهم محرومين من الحماية القانونية في حالة التعرض لحوادث الشغل المحتمل وقوعها في كل لحظة وحين " . وفي سياق الحوادث، يستحضر المنشغل ب "نبضات المجتمع" ، بمختلف تجلياتها ، مشاهد المآسي التي سبق أن تناقلتها الأخبار الواردة من بعض مدن الجنوب ، "موطن" الضيعات الفلاحية بامتياز ، كما يستشف من "حصيلة" حادثة سير مروعة وقعت يوم 17 دجنبر 2015 تمثلت في " إصابة 16 عاملة زراعية بجروح متفاوتة الخطورة، و5 أخريات كانت جروحهن بليغة ، وذلك جراء انقلاب عربة خفيفة ذات مقطورة بالمدار المسقي لسد يوسف بن تاشفين ، بمنطقة أيت اعزا ، التابعة للجماعة القروية أيت عميرة ، بالنفوذ الترابي لشتوكة أيت باها " . الجغرافية الترابية نفسها شهدت، أواخر يونيو من عام 2014 ، حادثة مشابهة أصيب خلالها 39 عاملا زراعيا، من بينهم 24 امرأة ، بجروح تباينت درجة خطورتها ، وذلك على إثر انقلاب شاحنة بتراب "جماعة الصفا" على الطريق الرابطة بين بيوكرى ومركز أيت ميلك، كانت تقل على متنها أزيد من 50 عاملا زراعيا يشتغلون بإحدى الضيعات الفلاحية بالمنطقة. كما سبق أن سجلت طرق جماعة أيت عميرة وفاة ثلاث عاملات زراعيات، في فاجعة مازال أبناء المنطقة يتذكرون مخلفاتها المؤلمة بكثير من الأسى والحزن . أوضاع العاملات الزراعيات بمنطقة خميس أيت عميرة ، شكلت محور دراسة ميدانية، سالفة ، أعلن عن نتائجها خلال شهر يونيو 2012 ، كما كانت جمعيات مدنية وحقوقية ، محلية ووطنية ، قد دخلت على خط "الظروف القاسية " المحيطة بتنقلهن في اتجاه الضيعات والحقول المتواجدة بتراب إقليمي اشتوكة ايت باها وتارودانت – اولا تايمة نموذجا - من خلال توجيه بيانات ورسائل تنبيهية إلى مختلف السلطات والجهات المسؤولة . دراسة - أشرفت على إنجازها جمعية نساء الجنوب - عرت عن حقائق صادمة حول المعاناة المتعددة الأوجه التي تشكل عنوان يوميات هذه الفئة من العاملات، القادمات من مختلف المناطق بحثا عن دراهم الحلال، بعد أن استعصى توفيرها في مسقط الرأس تحت "ظلال" دفء الأهل والأحباب - بني ملال وخنيفرة وأزيلال مثلا - يوميات تبدأ في الغالب بالاستيقاظ الباكر في حدود الرابعة صباحا ليجتمعن حوالي الساعة الخامسة في أماكن مخصصة لانتقائهن واختيارهن " الموقف "، بالنسبة للمياومات المشتغلات ، بأجر يومي يتراوح بين 50 و60 درهما - تبعا لمردودية كل موسم فلاحي على حدة - في قطف ثمار البرتقال ، زرع البذور ، اقتلاع الحشائش...وغيرها من "المهام" التي تستوجب بذل جهود بدنية استثنائية . ينطلق العمل في السابعة صباحا إلى غاية السادسة مساء ، وأحيانا يكون بطريقة " القطعة - العطش " ، حيث يطلب من العاملة أن تملأ صناديق قد يتجاوز عددها 20 صندوقا ، وبعد إنهاء المهمة التي تكلفت بها تغادر الحقل أو الضيعة على أمل إيجاد فرصة ثانية في اليوم الموالي، وتتم رحلات الذهاب والإياب على متن "بيكوبات" يحشرن داخلها في ظروف أقل ما يمكن أن توصف به أنها عنوان للمهانة وعدم استحضار كرامة الإنسان ! الدراسة نفسها أومأت إلى أن نسبة كبيرة من العاملات الزراعيات يجبرن على إمضاء التزام - استقالة - تتم المصادقة عليه لدى السلطات العمومية كشرط أساسي لقبولهن كعاملات ببعض الضيعات، و"ذلك حتى يسهل على بعض أرباب العمل الاستغناء عنهن في أية لحظة دون تبعات قانونية " . هذا دون إغفال ما يتعرضن له من شتى ضروب المعاملة المهينة، لفظية كانت أو جسدية في بعض الأحيان ، وأدنى رد فعل احتجاجي معناه الاستغناء عن خدمات المحتجة أو المنتفضة. إنها "عناوين مقتضبة" لأوضاع ترتدي لبوس القتامة و السواد، يتطلع العمال والعاملات الزراعيون، إلى وضع حد لها من قبل أجهزة الدولة ذات الاختصاص ، وذلك في أفق القطع مع ما ينعته نقابيو القطاع ب "التمييز القانوني ضد العمال الزراعيين" من خلال عدم احترام "عدد ساعات العمل اليومية و الحد الأدنى للأجور، وعدم تطبيق قانون الشغل، والتملص من تنفيذ بنود اتفاق 26 أبريل 2011، الذي نص على إلغاء التمييز في الأجر ضد العمال الزراعيين"، إلى جانب استعجالية التخفيف من " قساوة ظروف العمل وغياب شروط الصحة والسلامة... " في عدد من الضيعات والمزارع .