صدر عن مكتبة الأسرة التابعة للهيئة المصرية العامة للكتاب طبعة جديدة من كتاب الإعلامية فريدة النقاش، ويأتي هذا الكتاب في توقيت تعاني فيه مصر من ردة فكرية تحاول أن تخيم على الأجواء، وأول من يدفع تكلفة هذه الردة ولا شك هن النساء اللواتي يدفع بهن فصيل سياسي مصري إلى الوراء، بما ينافي ويجافي محاولاتهن عبر عقود طوال للتحرر من أسر الأصولية والتعصب بالعمل والعلم معاً. جاءت مادة هذا الكتاب في خضم صراع ممتد مع أفكار شائعة قوية لكتاب ومفكرين وشيوخ ورجال ونساء قاوموا وما زالوا العملية التاريخية الموضوعية لتحرير المرأة، التي بدأت في نهاية القرن التاسع عشر ولا تزال جارية، مستهدفة الوصول بالمرأة إلى وضع المواطن الكامل وتحريرها من الاستغلال. تتناول صفحات هذا الكتاب الثري إشكالية المرأة المصرية وربما العربية بين نموذجين، نموذج الإسلام السياسي المتطرف في أصوليته، ونموذج الليبرالية المغرق في يمينيته الرأسمالية، ولهذا فإن فريدة النقاش ترى أنه بينما تسجن قوى الإسلام السياسي المرأة في صورة جسدها الذي تراه رمزاً للشرف القومي والشخصي.... وتعتبرها لذلك عورة فإن سياسات الليبرالية الجدية والتكيف الهيكلي وما سمي بالانفتاح الاقتصادي الذي كثف الاستغلال عامة تعتبر المرأة سلعة على أكثر من مستوى، سواء حين تستخدمها في الإعلان التجاري والترويج للبضائع في العالم التجاري الاستهلاكي القائم على المنفعة العارية، أو حين تدفع بها إلى سوق العمل، كأيدٍ عاملة رخيصة قليلة التعليم والتدريب لا ضمانات لها، فهل تلتقي الليبرالية المتوحشة مع الأصولية المتطرفة؟ هذا ما تؤكده فريدة النقاش، إذ إنه حين تتفاقم البطالة يجري سحب المرأة من السوق بحكم ضعفها، ويكون ذلك مصحوباً بتمجيد الأمومة والبيت كمملكة للمرأة، وتلتقي الليبرالية الجديدة بذلك مع نقيضها الظاهري أي الإسلام السياسي الذي يمدها بدوره بكل التفسيرات الفقهية اللازمة لإعادة المرأة إلى البيت الذي تخرج منه المرأة لتعمل رغم أنف الجميع، وبعملها تحفظ الأسرة من التفكك والضياع في ظل بطالة الرجال وهجرتهم. وهكذا تلتقي القوتان السائدتان؛ الإسلام السياسي والليبرالية الجديدة رغم ما بينهما من تناقض ظاهري في استغلالهما للمرأة والحط من مكانتها وشأنها، رغم خطاب المديح العالي للنساء الذي تنتجه كل منهما بطريقتها، حيث تكمن فضائل المرأة في الخضوع والطواعية وروح التضحية وقهر الذات.. ولعل أهم ثمار هذه المقاومة هي تلك الحركة النسائية الجديدة التي تطمح لبناء عالم قائم على العدل والمساواة والحرية وهي تطرح قضية المرأة في كليتها وشموليتها باعتبارها مواطناً وإنساناً أهدرت حقوقه وكرامته. وتذهب الكاتبة إلى أن الحركة النسائية الجديدة في بلاد العرب تقوى بتأثيرات وتجاذبات ما يجري في العالم من نمو هائل للاتجاهات النسائية التقدمية، كما أن تحرير النساء لن يكون منفصلاً أو يتم بمعزل عن بناء مجتمع قائم على المساواة.