«يبدو أنه اختفى هنا» مضى شخصي - الصبي الصغير - الذي نما بجواري ونحن نمشي. وحدي أنا الآن. الطريق مظلم حالك. أتعثر، لا أعرف كيف، ولا أهتم. الطريق على ما يبدو يقود إلى أي مكان ولا مكان. ليس ثمة ضوء يرشدني. لكن، ها الصاح قد أقبل، أخيرا جاء! لأجدني قد كبرت وأصبحت أنا .. نفسي!...« تقول إنك وجدت هذا النص بين أوراق مصفرة داخل ملف مغبر قديم؟... وتقول إنك حرت في معرفة من يكون كاتبه علما أنه مكتوب بخط يدك.. وتتساءل عن سبب عدم توقيعك له، كما يفعل الكتاب.. لم لا تكتفي بقراءته وتأمله.. لعل في قراءتك له من جديد، بالتوغل فيه، عميقا، باحثا، قد تعثر بين ثناياه على أكثر من دلالة وأكثر من معنى... لماذا تصر على معرفة كاتبه؟.. ألم تقل إن الخط خطك! أم تعني أنك ناقله؟... لماذا تصر دائما، بعد كل قراءة لنص على معرفة من هو كاتبه؟.. وماذا لو كان كاتبه لا يهتم باسمه.. بالأسماء.. تستهويه لعبة الإضمار والإخفاء ويحلو له أن يتخيلك في خلوته أو تيهانه وتشرده في شوارع مدينة ما أو تسكعه وانتقاله من حانة لأخرى، يتخيلك حائرا، متوترا ثم مبتسما وأنت تستجلي ما توارى عنوة خلف الكلمات والعبارات.. وربما قد يسعد أكثر وهو يتخيلك ترسم له مخيلتك وجها آخر غير الوجه الذي يحمله.. عد إلى النص. اقرأه بتمعن من جديد. أعد كتابته على ورقة بيضاء. ناصعة البياض. بخط يدك الحالي. أكيد تغير خط يدك. يقولون إن الخط يتغير مع توغل صاحبه في العمر.. يشيخ هو أيضا.. أعد كتابته. لعل وأنت تعيد كتابته قد تستحضر لحظة من لحظات العمر، عمرك.. تستحضر لحظة كئيبة الذكر.. لحظة بهيجة الذكر.. لعل وأنت تعيد كلماته، يلوح لك مشهد نسيته بالتقادم.. نسيته تماما، فيجتلي في ذهنك وجه كاتبه... اسمه ... وجهك.. اسمك.. أو وجهها... اسمها... ألم تكن في حياتك امرأة، ككل العشاق والمتيمين، كنت تسميها الأميرة و المعشوقة الوحيدة... وتكشف في النهاية أن حبك لها حب صعب.. شديد، صعب... أو أنها كانت مجرد نزوة... مجرد امرأة عابرة، مرت في حياتك كريح مجذوبة، مرت مسرعة إلى وجهة مجهولة فاقتلعت بعض الأوراق من شجر حياتك ثم توارت بعيدا بعيدا تاركة غصة وشجنا في قلبك.. وتاركة هي أىضا، في قلبها شجنها الخاص وغصتها الخاصة فكتبت.. أو كتبت ماذا لو كنت فعلا أنت وبتأكيد لا يحتاج إلى دليل؟ ماذا لو كنت أنت فعلا أنا!... ماذا لو كنت أنت فعلا هو...! أو ... هي!... أو ...