مجلس الحكومة يصادق على مقترحات تعيين في مناصب عليا    الحكومة تصادق على مرسوم تنظيم جمع التبرعات من العموم    المجلس الوطني لحقوق الإنسان يدخل على خط القاصر قريبة المدعو جيراندو.. ويُنبّه لخطورة تداول هويتها    مرصد: مؤسسات الإيواء السياحي المصنفة بالمملكة تسجل 2,04 مليون ليلة مبيت    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بإحداث منطقة التسريع الصناعي بن جرير    بايتاس يطمئن المغاربة بشأن مراقبة المواد الأساسية ويؤكد على الوفرة في المنتجات    على عتبة التسعين.. رحلة مع الشيخ عبد الرحمن الملحوني في دروب الحياة والثقافة والفن -06-    السلطات تمنع تنقل جماهير اتحاد طنجة نحو فاس لمؤازرة فريقها أمام "الماص"    مانشستر يونايتد يدخل التنافس على خدمات نايف أكرد    "الفيفا" يدرس توسيع كأس العالم لكرة القدم لتضم 64 منتخبا    أفضلية إنجليزية وتفوق واضح للضيوف في ذهاب ثمن نهائي دوري أبطال أوروبا    بنخضرة تستعرض تقدم إنجاز خط أنبوب الغاز إفريقيا-الأطلسي بواشنطن    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال 24 ساعة الماضية    قمة الدول العربية الطارئة: ريادة مغربية واندحار جزائري    جون ماري لوكليزيو.. في دواعي اللقاء المفترض بين الأدب والأنثربولوجيا    فصل تلاوة القرآن الكريم في شهر رمضان    الأداء السلبي ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    توقعات نشاط قطاع البناء بالمغرب    أخبار الساحة    الكاف: إبراهيم دياز السلاح الفتاك لأسود الأطلس وريال مدريد!    إيرلندا تدعم جهود المبعوث الأممي    اتفاقية شراكة بين وكالة بيت مال القدس ووزارة التنمية الاجتماعية الفلسطينية للتكفل بالأيتام والأطفال مبتوري الأطراف ضحايا الحرب على غزة    تأجيل العطلة البينية بين مرحب ورافض    تساقطات ثلجية وزخات مطرية قوية مرتقبة اليوم الخميس بعدد من مناطق المملكة    ارتفاع عدد ضحايا حادثة السير المروعة على الطريق الساحلي باتروكوت    شركة لإيلون ماسك تفاوض المغرب لتوفير الإنترنت عبر الأقمار الصناعية في الصحراء المغربية    الملك يهنئ رئيس غانا بالعيد الوطني    قصص رمضانية...قصة الصبر على البلاء (فيديو)    سكينة درابيل: يجذبني عشق المسرح    الدريوش.. المحكمة الإدارية تقضي بتجريد 9 أعضاء بجماعة بن الطيب ورئيس وأعضاء بجماعة أزلاف    السمنة تهدد صحة المغاربة .. أرقام مقلقة ودعوات إلى إجراءات عاجلة    عائلات محطمة بسبب مآسي الهجرة سباحة إلى سبتة مع تزايد أعداد المفقودين    "مرجع ثقافي يصعب تعويضه".. وفاة ابن تطوان الأستاذ مالك بنونة    الفاتنة شريفة وابن السرّاج    تسرب الغاز في حقل "تورتو أحميم" يهدد مستقبل مشروع ضخم بين موريتانيا والسنغال    مؤشر الإرهاب العالمي 2025    السعودية تدعم مغربية الصحراء وتعتبر مبادرة الحكم الذاتي حلا وحيدا لهذا النزاع الإقليمي    كأس العرب قطر 2025 في فاتح ديسمبر    خبير يدعو إلى ضرورة أخذ الفئات المستهدفة للتلقيح تجنبا لعودة "بوحمرون"    بريظ: تسليم مروحيات أباتشي يشكل نقلة نوعية في مسار تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين المغرب والولايات المتحدة    تقارير تنفي اعتزال اللاعب المغربي زياش دوليا    إحباط تهريب مخدرات على متن شاحنة في الميناء المتوسطي    قمة أوروبية طارئة بمشاركة زيلينسكي على ضوء تغير الموقف الأمريكي بشأن أوكرانيا    اليابان.. قتيل وجريحان في انفجار بمصنع لقطع غيار السيارات    أمطار رعدية في توقعات طقس الخميس    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الخميس    البيض ماكلة الدرويش.. تا هو وصل لأثمنة غير معقولة فعهد حكومة أخنوش.. فين غاديين بهاد الغلاء؟ (فيديو)    المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني يعقد اجتماعا برئاسة شي جين بينغ لمناقشة مسودة تقرير عمل الحكومة    الأمم المتحدة تحذر من قمع منهجي لنشطاء حقوق الإنسان في الجزائر    وزارة الصحة : تسجيل انخفاض متواصل في حالات الإصابة ببوحمرون    عمرو خالد: 3 أمراض قلبية تمنع الهداية.. و3 صفات لرفقة النبي بالجنة    مسؤول يفسر أسباب انخفاض حالات الإصابة بفيروس الحصبة    «دلالات السينما المغربية»:إصدار جديد للدكتور حميد اتباتويرسم ملامح الهوية السينمائية وعلاقتهابالثقافة والخصائص الجمالية    أمن طنجة يحقق في واقعة تكسير زجاج سيارة نقل العمال    مكملات غذائية تسبب أضرارًا صحية خطيرة: تحذير من الغرسنية الصمغية    عمرو خالد يكشف "ثلاثية الحماية" من خداع النفس لبلوغ الطمأنينة الروحية    في حضرة سيدنا رمضان.. هل يجوز صيام المسلم بنية التوبة عن ذنب اقترفه؟ (فيديو)    عمرو خالد: هذه أضلاع "المثلث الذهبي" لسعة الأرزاق ورحابة الآفاق    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تازة: المباني الأثرية المصنفة تستغيت أمام أعين الجميع.. حصن البستيون نموذجا

في علاقة بحصنٍ شاهدٍ شامخٍ شهيرٍ في مدينة تازة ب»البستيون»، والذي يوجد على ما يوجد عليه من اعتداء، وبشكل موازي لهذا الاعتداء من حديث يملأ ساكنة المدينة ورأيها العام المتتبع ممثلا في مكونات المجتمع المدني، يخص ما يهدده كعمارة عتيقة مصنفة بسبب بناءٍ ملامسٍ في طور الانجاز يتعلق بوعاء لتجميع المياه، ما قد يكون بعواقب وخيمة وضرر كبير على أركانه وتوازنه. في علاقة بهذه المعلمة التي تدخل ضمن مباني البلاد الأثرية، لا أريد التيه في حديث حول تجليات مَهمةٍ دفاعيةٍ ارتبطت بتازة تاريخيا لعوامل عدة ومتداخلة، ولا في حديث حول حصنٍ تاريخي سبق لجريدة «هسبريس» الرائدة أن نشرت مقالا رفيعاً حوله بقلم باحث في تاريخ وتراث المدينة ذ.عبد الاله بسكًمار. فقط الاشارة الى أنه خلال فترة حكم الدولة السعدية وعلى إثر أطماع تركية كانت قائمة انطلاقا من الجزائر، ما تطور آنداك الى احتلال اجزاء من المغرب الشرقي في اطار توسيع نفوذها بشمال افريقيا وصراعها الاستعماري الامبراطوري في حوض المتوسط الغربي. وبحكم موقعها المتحكم في ممر شهير باسمها أنيطت بتازة مهمة الحد من هذه الأطماع، التي كانت تهدد أمن واستقرار البلاد الداخلي. وعليه، تم تشييد حصن دفاعي منيع على واجهة المدينة الجنوبية الشرقية، يُعرف ب» البستيون» المعلمة التي الشاهدة على وقائع تاريخية وتفاعلات، وعلى أهمية ما كانت عليه المدينة من أدوار حمائية وأمنية في بداية مغرب العصر الحديث.
و«بستيون» تازة هذا معلمة شامخة لصيقة بوجدان ساكنة مدينة وبهويتها وذاكرتها، تم تشييدها زمن السعديين في مكان مطل على منخفض واسع وفق انتقاء مجالي دقيق، من أجل أدوار أساسية بخلفيات تذكرها مصادر تاريخية البلاد. بناية دفاعية بشكل مربع وارتفاع يصل 20 متر وبطول في جوانبها يبلغ 26 متر، برج منيع بباب يفتح على واجهته الغربية وغرف كانت مخصصة لاطلاق نيران المدافع، اضافة لمخازن كانت تخص مؤونة الجند وعتادهم وحاجياتهم من الماء. و»البستيون» هذا الذي كان يحتوي على خط مدفعي غير مغطى محاط ببرجين صغيرين، يعد بحق إرثا عمرانيا دفاعيا متفرداً وواحداً من أهم منشآت المدينة التاريخية، ونموذجا يعكس ما شهدته العمارة الدفاعية المغربية على عهد السعديين. ولعل تحصينات تازة التي لم يكن باستطاعتها ايقاف توغل جيوش تركية ذات تجهيز جيد بالمدفعية على مستوى شرق البلاد، هو ما دفع السلطان احمد المنصور السعدي لتشييد حصن اكثر قوة وحداثة واستيعاباً لمدافع عدة توزعت على خطوط أمامية، في مكان تم انتقاءه بدقة جعل «البستيون» بوضع منيع مساعد على القصف وفي حماية منه. وبما أن هذه المعلمة التاريخية الشاهدة على بعض تجليات تاريخ المدينة الدفاعي، هي بمثابة فضاء أثري يجمع كل مواصفات مركب ثقافي مفتوح في الهواء الطلق قيمة استتيقية هامة ومتفردة. ووعياً بما تفتقر له المدينة من فضاءات ثقافية مفتوحة ومؤثثة بما هو أثري مادي داعم للعروض، ووعيا برهان وحلم تازة الثقافي والسياحي في التنمية المحلية، وتنفيذاً لرسالة ملكية تخص امكانية وضع هذا الحصن السعدي»البستيون»، تحت تصرف اللجنة المغربية للتاريخ العسكري، التي ستقوم بترميمه وتخصيص اعتمادات لازمة لصيانته حفاظا على طابعه التاريخي وتاهيله كفضاء ثقافي وسياحي. وتطبيقا لظهير شريف محدث للَّجنة المغربية للتاريخ العسكري رقم 1.99.266 والصادر في 3 ماي 2000، انعقد قبل أكثر من عقد من الزمن اجتماع موسع بمقر عمالة تازة، حضرته هذه اللجنة المحدثة والحامية العسكرية بتازة والمندوبية الاقليمية للثقافة والجماعة الحضرية للمدينة، وكان محور اللقاء هو تمحيص مسألة تفويت هذا الحصن للجنة المغربية للتاريخ العسكري.
وفي دورة جماعية عادية صيف 2004، ودعماً منه لرهان وأفق انعاش ما هو سياحي وثقافي واعادة تاهيل هذه المعلمة الاثرية ذات القيمة الرفيعة. صادق مجلس جماعة تازة على تقسيم الرسم العقاري عدد (10892- ف) الى رسمين، وتخصيص جزء من هذا الرسم لحصن «البستيون» مساحته 689 م2 ، ونقل ملكيته للَّجنة المغربية للتاريخ العسكري، ووضعه رهن تصرفها مع تولي هذه اللجنة عمل صيانة الحصن واستغلاله لأهداف ثقافية وسياحية أساساً. إلا انه ومنذ ابرام الاتفاق وتحقيق تفويت هذه المعلمة الأثرية، لا يزال حال «بستيون» تازة على ما كان عليه منذ قرون. فلا عمل تاهيل ولا مبادرة ترميم ولا شيء يثبت أن هذا الفضاء يوجد على ايقاع تدبير واهتمام جديد. كل ما هناك إهمال لايزال يطاله مع محيطه بأكمله، وباب حديدي تم وضعه لعزله نهائيا عن كل زائر وباحث ومهتم .. وهنا سؤال الجدوى من مبادرات بقدر ما هي بدون اجراءات داعمة للتنمية المحلية، بقدر ما زادت من تعميق تعثر وتأخر حاصل في التنمية المحلية.
الآن بعد كل هذه الأحلام وبعد أربعة عشرة سنة بالتمام والكمال عن حدث تفويت هذه المعلمة الأثرية السعدية بتازة للَّجنة المغربية للتاريخ العسكري، حصن «البستيون» هذه التحفة شكلا موقعاً وذاكرة توجد وجها لوجه أمام ضرر مهددٍ لأركانها ومكوناتها بسبب بناء ملامس خاص بتجميع المياه هو في طور الانجاز، وهذا البناء الذي شُرع فيه حديثاً أثار الرأي العام المحلي وجعله يتساءل حول قانونيته وتوفره على ترخيص من قبل جهات مسؤولة منها الثقافة والتعمير والجماعة المحلية، وحول احترامه لقوانين ومساطر التعمير الجاري بها العمل عندما يتعلق الأمر ببناء في مواقع ذات طبيعة أثرية وأركيولوجية. عِلما أن مبنى «البستيون» الأثري هذا مصنف وفق ظهائر ومراسيم منذ فترة الحماية، بل هو من المعالم الأساسية التي ارتكز عليه الملف الذي تم تقديمه من أجل تصنيف تازة في شقها العتيق كتراث وطني، وهو الملف الذي قطع اشواطاً هامة بتشارك وتعاون وجهود عدد من الفاعلين والشركاء والمعنيين عن مصالح وهيئات ومؤسسات ادارية ووزارية محلياً جهوياً ومركزياً. هذا فضلا عما تحتويه التوجيهات والخطب الملكية السامية حول أهمية حماية التراث والمعالم الأثرية والتحف الوطنية، لِما تعكسه وتحتويه هذه المعالم من هوية ورمزية مغربية وذاكرة أصيلة جماعية.
وقد ارتأت في الختم إثارة أمرين أساسيين، أولاً ما ورد حول «بستيون» تازة الشهير من قِبل مؤرخين معاصرين لحدث التشييد، ومنهم أبي فارس عبد العزيز الفشتالي صاحب «مناهل الصفا في مآثر موالينا الشرف» النسخة الصادرة عن وزارة الأوقاف والشؤون الاسلامية. وكان قد أشار فيه مؤلفه هذا لِما ميز أعمال السلطان احمد المنصور الذهبي في العمارة الدفاعية، من ضخامة وفخامة ومناعة وحصانة. ولِما افتتح به بداية حكمه من تشييد لحصون قل نضيرها في البلاد، ولِما أحيط به هذا البناء الدفاعي من خيرة أهل المعرفة بالتشييد من عرب وعجم، مؤكداً أن «بستيون» تازة كان بعناية وشكل وفخامة ومناعة نفسها. وثانياً كون السلطات الفرنسية أثناء فترة الحماية على البلاد، عندما أقدمت على بناء معسكر لها بجوار هذا الحصن وهو معسكر شهير محلياً ب»لاكروا»، تركت مسافة حوالي خمسين متراً بين هاذين المكونين، في احترام تام لقيمته التراثية والتاريخية ولمساطر عمل التعمير في أماكن ذات طبيعة أثرية، عِلماً أن حصن «البستيون» هو بموقع غير بعيد عن كيفان بلغماري التي شهدت أولى الدراسات والأبحاث الأركيولوجية خلال فترة الحماية، والتي انتهت الى حقائق علمية هامة تخص تاريخ المنطقة والمغرب القديم، على إثر ما تم العثور عليه من أدلة ورسوم وبقايا مواد وعظام تعود لفترة ما قبل التاريخ، لدرجة الحديث عن قرية انيوليتيكية في المكان.
قليل فقط من كثير متشعب يخص حصن «البستيون» ومحيطه الأثري بتازة، وهو يستغيت ويئن تحت رحمة ربه من شدة ما هو عليه من هجمة وتهديد في تحد لقوانين تعمير جاري بها العمل، وهو ما قد يكون بنتائج وخيمة وطمس لمعلمة شاهدة على عظمة تاريخ سلفٍ وذاكرة أجيالٍ ووطنٍ إن لم يتم إنقاد ما يمكن إنقاذه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.