يسميه أهل تازة بالبستيون وهو نقل حرفي للفظ الفرنسي Bastion عبر نوع من التعريب بزيادة أل للتعريف ويعني : الموقع العسكري المحصن أو النقطة القوية في جبهة حربية أمامية , الحصن يقع جنوب شرق تازة العتيقة بمحاذاة مقر عمالة الإقليم على شكل مربع يرتفع ب13 متر ويبلغ ضلعه 26 م ويحتوي على 13 غرفة للرماية كانت مجهزة بالمدفعية ( النمط القديم طبعا ) كما يشتمل البستيون على دهاليز أرضية ومستودعات لخزن المياه والمؤونة مع مرابض للخيل ، ما زالت آثارها ظاهرة لحد الآن، وهو محاط بأسوار وتحصينات وأبراج أقل أهمية من الحصن الرئيس ، مما يعكس الوظيفة العسكرية التي أنيطت بهذا الموقع الحربي الذي بناه السلطان السعدي أحمد المنصور الذهبي سنة 1580م بواسطة الأسرى المسيحيين بهدف التصدي لكل تهديد يأتي من شرق البلاد ، وكان الغرض منه حسب المؤرخ المغربي إبراهيم حركات ” مراقبة التحركات المعادية المحتملة والتي تنطلق من الجزائر ، وهي أي القلعة مربعة الشكل وتشتمل (أو بالأحرى كانت تشتمل ) على صور مصبوغة تمثل مراكب أوربية وجهادية “( مقال” أحمد المنصور كرجل دولة ” مجلة ” دعوة الحق ” س 19 ع 8غشت 1978) وقد كتب عن هذه القلعة كل من هنري باسي في “Architecture berbère ” وبونوا ومارسي مانويل وما زال هذا الحصن التاريخي ذو الطابع العسكري في وضعية مزرية ويذكر أن 3 ميزانيات على الأقل رصدت منذ تسعينيات القرن الماضي ، لترميم هذه المعلمة والتي تم تفويتها – كما قيل – للجنة المغرببة المختصة بالتاريخ العسكري على أساس تحويله إلى متحف حربي ، غير أن مواطني تازة لم يلمسوا شيئا من هذا المشروع ذي الطابع الثقافي والسياحي الذي كان يمكن أن يساهم في إنعاش التنمية بتازة العتيقة ، فلاالترميم تم انجازه ولا المتحف خرج إلى الوجود ، اللهم إذا اعتبرنا البستيون حاليا متحفا حقيقيا ولكن لجميع أنواع القاذورات التي تهدد موقعا متميزا لذاكرة وتاريخ تازة ، و بالمناسبة من حقنا كساكنة للمدينة أن نسائل الجهات المعنية عن مصيره ومصير الاعتمادات الكبيرة التي رصدت له من المال العام . إذا عرفنا أن الحرب مع عثمانيي الجزائر لم تضع أوزارها مؤقتا إلا في ربيع سنة 1558م اثر هزيمة الأتراك بقيادة حسن بن خير الدين التركي في معركة ” واد اللبن ” الواقع بين فاسوتازة على يد عبد الله الغالب السعدي ، تأكدنا من طبيعة العلاقة التي ميزت السعديين تجاه العثمانيين بالجزائر ، إذ تمظهرت عبر الأساليب السياسية والمداهنات أحيانا ، ثم الحروب الطاحنة أحيانا أخرى وهنا ، يعود الدور الاستراتيجي لحوضي ملوية وايناون من جديد وصولا إلى تلمسان ، حيث شهدت المنطقة معارك متعددة بين العثمانيين والسعديين اللذين تنازعا الشرعية الدينية ، إذ رفض السعديون الدعاء للخليفة العثماني على المنابر أوضرب السكة باسمه ، معتبرين أنفسهم خلفاء أوحدين للمسلمين ولو في هذه الرقعة من العالم الإسلامي أي المغرب الأقصى ( الوفراني ” نزهة الحادي ” الفشتالي ” مناهل الصفا “ القادري ” نشر المثاني “) فيما تمسك العثمانيون بشرعية تمثيلهم للخلافة و للعالم الإسلامي ، حيث تمكنوا كما هو معروف من السيطرة على كل العالم العربي ، باستثناء المغرب الأقصى الذي استعصى عليهم ، واستعمل العثمانيون مختلف الوسائل إلى جانب الحرب بما في ذلك التآمر مع أبي حسون الوطاسي ، والذي بمقتله انتهت الدولة الوطاسية ، إذ دخل محمد الشيخ السعدي إلى فاس سنة 1554 م للمرة الثانية وهي الحاسمة ومعروف أن العثمانيين ساعدوا عبد الملك وأخاه أحمد ضد ابن أخيهما المتوكل الذي تحالف مع البرتغال ، فأبان بذلك عن خيانة واضحة لوطنه ودينه ، وللإشارة فسكان تازة عاينوا في مارس 1576م لآخر مرة جيشا عثمانيا يزيد عن4000 مقاتل وهو يغادر البلاد نحو الشرق بعد استنفاذ مهامه في مساعدة عبد الملك وأحمد وحصوله على بعض التعويضات مقابل الانسحاب (كتاب “ Voinot” TAZA et les Ghiata فوانو ص81 ) وقد تراجع العثمانيون عن كل مخططاتهم التوسعية في المغرب بعد معركة واد المخازن التي جرت قرب القصر الكبير وانتهت بهزيمة البرتغال و هلاك ملكهم المغرور سباستيان والخائن المتوكل إضافة إلى وفاة عبد الملك (؟؟) في يوم 4 غشت 1578م ( متم جمادى الثانية 986هجرية ) . ليس من الصعب أن “ نتصور ما أولاه السلاطين السعديون من أهمية للنواحي الفاصلة بين فاسوتلمسان وتشكل تازة مع حوض ايناون مركزها ومحورها ، إذ إنها كانت بمثابة الثغر بالنسبة للدولة السعدية في مواجهتها مع الدولة العثمانية ” ولذا لا غرابة أن تستمر التنقلات العسكرية غربا وشرقا من طرف الأتراك أو مدافعة مرة وغازية مرة أخرى من طرف السعديين ( عبد الرحمان المودن ” قبائل حوض ايناون ”ص84).. مع أن استمرار القديم المريني – كما يقول المودن – وطول التحام سكان المنطقة بالسلطة المرينية ، بما تبع ذلك على مستوى إعفاء القبائل بتازة من الضرائب ( وتنتمي كلها إلى الفرع الزناتي الذي ينتمي إليه المرينيون ) وتعبئتهم في الجندية ، ثم فقدان تلك الامتيازات لاشك ترك لديهم نوعا من التحفظ إزاء السلطة المركزية المتغلبة بعدها ، هذا ما قد يفسر – من وجهة نظر المودن – التجاء عدد من الزعماء الذين يبحثون عن أتباع إلى المنطقة ، ومن هنا الطموح الضمني الذي استمر في سبيل استرجاع ماكان لتازة والأحواز من أهمية خلال العصرين المريني والوطاسي ، إلى درجة أن الرحالة والمؤرخ الشهير الحسن بن محمد الوزان المعروف ب ” ليون الإفريقي ” أكد في كتابه ” وصف افريقيا ” أن تازةالمدينة لها كل مواصفات العاصمة ( أو دار الملك ) من طيب الهواء ومنابع المياه وخصب الأرض والموقع الاستراتيجي ( “وصف إفريقيا ” تحقيق محمد حجي محمد الأخضر ص276). لقد تراوحت سياسة السعديين إزاء تازة والنواحي بين المرونة التي وصلت إلى حد أن سكان الجبل” ” غياثة ” لم يكونوا مطالبين بأداء أية ضريبة على عهد عبد الله الغالب كما يورد ذلك مارمول كاربخال في ” كتاب ” افريقيا ج 2 ص216 “ وبين الشدة والعنف مثلما يبدو من خلال ثورة الناصر السعدي بن عبد الله الغالب على عمه أحمد المنصور والذي ناصرته المناطق الشمالية والشرقية واستبد بتازة لمدة معينة قبل أن يتم القضاء عليه …كما تورد ذلك مختلف المصادر التي أرخت للفترة السعدية . أهمية بلاد تازة في الاستراتيجية السعدية توضحها رسالة موجهة من السلطان أحمد المنصور إلى ابنه وخليفته بالشمال ( فاس ) محمد الشيخ المأمون حيث يقرر فيها ” أن تازى وبلاد الفحص(…) لا تعطي كلتاهما إلا لأقرب الخدام الموثوق بمحبتهم وقربهم وخدمتهم ” ( المودن المرجع السابق نقلا عن الوفراني ص175). عادة ما تقدم فترة أحمدالمنصور السعدي ( الممتدة من 1578 إلى 1603)في التاريخ المغربي الرسمي على أنها فترة ”ازدهار واستقرار وبناء وتشييد ” كذا ، والحقيقة التاريخية كما أوردتها مختلف المصادرالتقليدية لم تكن بهذه الصورة الناصعة البديعة ، أو على الأقل في جزء منها… فتلك المصادر تشير بما لا يدع مجالا للشك إلى المناخ الذي كان يسود العقول في أواخر القرن 16م من سخط ” نظرا لميل القلوب عن المنصور لشدة وطأته واعتسافه الرعية ، فقد كانت سياسة غزو السودان ، ثم سياسة التشييد ( فصر البديع مثلا ) قد آلت إلى فرض ضرائب مجحفة سواء في الأموال أو الأبدان ، في شكل مساهمات عسكرية وظهرت مؤشرات ذلك عبر خلاف المنصور مع عرب الخلط في هذا الإطار ( ع المودن المرجع السابق ص87) كانت هناك إذن شروط موضوعية للسخط والثورة على حكم المنصورعبر البلاد ككل … وفي ظلها انطلق الناصر من مليلية بدعم من فليب الثاني ملك اسبانيا ( شارل أندري جوليان ” تاريخ إفريقيا الشمالية ” ص 212/216) واستطاع أن يهدد جديا سلطة عمه المنصوربانضمام كل قبائل المنطقة إليه أي الشمال المغربي فيما بين فاس وبني يزناسن ومليلية… امتدت ثورة الناصر من ماي 1595 إلى ماي 1596 م وانتهت بمقتله على يد المأمون خليفة المنصور ، وقد نقل المودن عن المؤرخ الفشتالي في كتابه ” مناهل الصفا ” ص184 وصفا مهولا لهذه الثورة ” فقد زحف معه ( أي الناصر ) عرب الشرق بحللهم وأولادهم كافة (…) ثم أخماس تازى عن آخرها ومشهور البربر بحذافرها ” . لم تكن الحقيقة التاريخية لتتخذ وجها واحدا ولذا لابد في البحث التاريخي من الاستناد إلى روح التركيب والتصور الشمولي علاوة على المقارنة بين الوثائق ذات المصداقية لتقديم الحقيقة التاريخية بما أمكن من الموضوعية ، وهكذا كان لثورة الناصر وجها آخر يجسده موقف ساكنة مدينة تازة خلال هذه الفترة ، والذي اتسم بالحقد والسخط أيضا بسبب استبداد الناصر هو الآخر وتفضيله بدو الناحية على ساكنة المدينة من الحضر ” فلما فتح الناصر تازى أقام بها يومين أساء فيها الأحدوثة بما تحدث به الناس إلى اليوم بمصادرة أهلها وامتحانهم على المال ومطالبتهم بالمكس على سنة النصارى ” ( الفشتالي المصدر السابق ص148)… في كل الأحوال هي مثال من ثورات الهامش التي تنقض على المركز المخزني فتزعزعه وتؤذن بقرب نهايته ، وكذلك كان ، فقد دب الضعف في السلطة السعدية مباشرة بعد هذه الثورة ، كما ساهم في ذلك الطاعون الجارف الذي اجتاح البلاد وكان من ضحاياه السلطان أحمد المنصور نفسه سنة 1603م واستمرت الاضطرابات والحروب الأهلية على طول البلاد وعرضها حتى ظهور الأشراف العلويين بواحة تافيلالت أواسط القرن 17م . نختم هذه الحلقة بنص هام مذيل بمقبوس من مؤلف ” معلمة المغرب “ حول مدينة تازة خلال العصر الوطاسي للمؤرخ الرحالة الحسن بن محمد الوزان المعروف بليون الإفريقي من كتابه ” وصف افريقيا ” وعنه نقل المؤرخ البرتغالي مارمول كاربخال مع بعض الزيادات والتعليقات جاء في كتاب ”وصف افريقيا ” ص 276 ترجمة وتحقيق محمد حجي / محمد الأخضر ” تحتل هذه المدينة الدرجة الثالثة في المملكة من حيث المكانة والحضارة ففيها جامع أكبر من جامع فاس ، وسكانها الشجعان كرماء بالقياس إلى أهل فاس ، من بينهم عدد كبير من العلماء والأخيار والأثرياء ، لأن أراضيها تنتج أحيانا ضعف ما يبذر فيها ، وحول المدينة شعب تسقيه جداول ماء في غاية الجمال ،( لعل أبناء تازة الستينيات والسبعينيات يتذكرون المياه المتدفقة بموازاة شارع مولاي يوسف التي كانت تسقي البساتين والنهر الذي كان يخترق بمجراه ثانوية ابن الياسمين ويمتد بموازاة حي الكعدة قبل أن يصبح أثرا بعد عين بفعل الضغط السكاني والزحف الإسمنتي ثم غياب سياسة مائية حقيقية …هذا من باب ” وذكر …) وتكثر فيه بساتين تنتج كميات وافرة من ألذ الثمار ، وكروم تعطي محصولا طيبا من العنب الأبيض والأحمر والأسود ، يعصر منه اليهود الذين لهم خمسمائة دار في المدينة خمرا في غاية الجودة ( كان ابن الوزان يخاطب الايطاليين في هذا الكتاب وليس العرب أو المسلمين !!!!) يقال إنها أجود خمور هذه النواحي كلها ، وما زالت تشاهد بتازا قصبة كبيرة جميلة يسكنها عامل المدينة ، ومن عادة ملوك فاس لهذا العهد أنهم يقطعون هذه المدينة لثاني أبنائهم ، ومن الواجب والحق يقال أن تكون حاضرة المملكة لطيب هوائها شتاء وصيفا ، وكان ملوك بني مرين يقضون بها الصيف كله ، لا لهذا السبب فحسب ، ولكن أيضا لحراسة البلاد وحمايتها من أعراب الصحراء الذين يأتون كل سنة ليمتاروا ويحملوا ثمور سجلماسة قصد استبدالها بالحبوب ، ويكسب أهل المدينة ربحا وافرا من الحبوب التي يبيعونها للأعراب بثمن مرتفع ، وباختصارفان تازا محظوظة جدا ، سواء فيما يخص المدينة ذاتها أو السكان وليس فيها شيء مزعج غير الوحل الذي تمتلئ به شتاء ” وتفيد معلمة المغرب ص2023 ( من انجاز المرحوم محمد حجي ) أن تازا لهذا العهد ( القرن الخامس والسادس عشر الميلاديين )كانت عبارة عن مدينة تتوفر على ثلاث مدارس وعدة حمامات وأسواق متنوعة وبلغ عدد سكانها 20.000 نسمة ….