قام الطيران الحربي الأمريكي بشن هجوم على تنظيم «الدولة الإسلامية « لأول مرة في الأراضي السورية ليلة الاثنين إلى الثلاثاء من 22-23 سبتمبر 2014، مستهدفا مواقع التدريب، مراكز الاتصال، ومستودعات السلاح للتنظيم في كل من الرقة والحدود السورية-العراقية، وقد قامت القوات الأمريكية باستخدام صواريخ توماهوك انطلاقا من سفنها الحربية، وإلقاء القنابل...وشارك في العملية خمس دول عربية «سنية» ،منها السعودية، الإمارات العربية المتحدة، البحرين، الأردنوقطر. تدرك الولايات المتحدة جيدا أن ضرب التنظيم في العراق وحده لا يمكن أن يحقق أهدافه إذا بقيت الأراضي السورية ميلادا آمنا للتنظيم، تكون منطلقا له في تجنيد وتدريب أنصاره لشن المزيد من الهجمات على القوات العراقية وضم المزيد من الأراضي في كل من العراق والشام، والسيطرة على حقول النفط والغاز، بما يعزز رصيده في تمويل مقاتليه وتحقيق مكاسب أكثر على الأرض. الولايات المتحدة تسابق الحدث لتجنب ضربات مثل أحداث 11 سبتمبر 2001، فهي من ساند الحركات الجهادية لضرب القوات السوفيتية في أفغانستان، ليتشكل بعدها تنظيم «القاعدة» بقيادة أسامة بن لادن وأيمن الظواهري، ليعلن الجهاد ضد الولايات المتحدة، وهي (أي الولايات المتحدة) التي أطرت وساندت ومولت الحركات الجهادية عند بدأ الثورة السورية في عام 2011 ضد نظام بشار الأسد في سوريا،ليتشكل تنظيم «الدولة الإسلامية» الذي تجاوز في عنفه وجهاده تنظيم «القاعدة»، وهي تنظيمات تتنافس من يكون الأشرس والأعنف في ضرب المصالح الأمريكية بالتحديد، ....فكل التنظيمات الجهادية على قائمة اللائحة السوداء بالنسبة للأمن القومي الأمريكي: سواء كان «تنظيم الدولة» أو «جبهة النصرة» التابع لتنظيم «القاعدة» أو «مجموعة الخرسانة»....فلاشك أن الجماعات الراديكالية المتشددة تخطط لضرب الأهداف الأمريكية سواء في المنطقة العربية أو في عقر دار الولايات المتحدة، وهذا أمر تدركه أمريكا، و تحاول أن تستفيد من أخطاء الماضي، وهي بذلك تريد تدمير البنية التحتية للتنظيم في سوريا، ولو أدى الأمر إلى التنسيق مع دمشق، كل هذا من أجل احتواء التنظيم وهزيمته قبل أن تمتد ذراعه إلى الأراضي الأمريكية والأوروبية، فنظام بشار الأسد غير مرغوب فيه أمريكيا، لكن لا يمكنه بأي حال من الأحوال أن يكون مصدر خطر أو تهديد للأمن القومي الأمريكي. في مقابل شن هجمات على تنظيم «الدولة الإسلامية» في سوريا، تسعى الولايات المتحدة وحلفائها إلى تسليح الجيش السوري الحر، لخلق توازن على الأرض لما تسميه ب»المعارضة المعتدلة» ضد نظام بشار الأسد، وهذا ما رحب به الإتلاف السوري المعارض، وبالرغم من كون هذا الاحتمال ضعيف، لأن الجيش السوري الحر أظهر عجزه وضعفه في مقابل تنظيم «الدولة الإسلامية»، الذي سيطر على مخازن أسلحة متطورة تابعة للجيش السوري الحر بعد معارك عنيفة، وفرار مقاتلي هذا الأخير من جبهات القتال، تاركا الباب مفتوحا لتوغل وتوسع تنظيم «الدولة الإسلامية». فالولايات المتحدة لا تهمها الديمقراطية أو الحرية في سوريا ، بل تركز على أهدافها الجيو-سياسية في المنطقة، وتسعى جاهدة لقلب أنظمة الحكم التي لا تخدم مصالحها، وخصوصا الأنظمة المعادية للكيان الإسرائيلي، كما فعلت مع العراق أثناء غزو 2003، حيث سخرت كل ترسانتها الإعلامية والدعائية بنشر الديمقراطية في الشرق الأوسط بمجرد التخلص من نظام صدام حسين، وها هو العراق ينزف منذ أكثر من عشر سنين في عنف وحرب أهلية طاحنة راح ضحيتها أزيد من مليون شخص، والعراق مهدد بالتفكك إلى دويلات على أساس طائفي وعرقي. ونفس الشيء يمكن أن يحصل في سوريا، لأن المعطيات الديمغرافية، والإثنية والطائفية لا تختلف عنه في العراق. أما حسابات الدول العربية المشاركة في التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» فهي مختلفة تماما، فالسعودية تخشى أن يمتد التنظيم إلى بلاد الحرمين، وهو الذي جعل من السعودية هدفا لمشروعه التوسعي في المنطقة، كما أن هناك سببان رئيسيان لتخوف الأسرة الحاكمة في السعودية: أولا قدرة التنظيم على إلحاق الهزيمة بالجيش السعودي في ظرف وجيز، ثانيا التعاطف الكبير الذي يحظى به التنظيم في أوساط الشعب السعودي. فالنظام السعودي كان متحمسا أكثر من غيره لإسقاط نظام بشار الأسد، و قدم كل ما يلزم من دعم مالي وعسكري ولوجيستي للمعارضة السورية، وكانت النتيجة أن النظام السوري لم يسقط بعد أكثر من ثلاث سنوات على بدأ الحراك الشعبي ضده، بل تم تشريد ما يزيد عن 4 مليون سوري، موزعين على بلدان الجوار، وخصوصا في تركيا بنسبة تقدر بحوالي 1.6 مليون، الأردن بحوالي 1.4 مليون ، لبنان بحوالي 1.5 مليون ، العراق، وبعض بلدان شمال إفريقيا. تليها دولة قطر من حيث الحماسة والدعم للقوى الإسلامية لاقتلاع نظام بشار الأسد من جذوره، الشيء الذي لم تتمكن منه الدولتان المتحمستان، لأن نظام بشار الأسد يتلقى الدعم من قوى إقليمية ودولية مثل إيران و روسيا و «حزب الله»، وله قاعدة شعبية عريضة داخليا تسانده وتساند خياراته الوطنية والقومية. أما الأردن فقد تعامل مع الأزمة السورية بالكثير من الحذر وضبط النفس، وكانت الحدود الأردنية-السورية أكثر أمنا من حيث تدفق المقاتلين و السلاح، على عكس الحدود التركية-السورية الشاسعة والمترامية الأطراف، والتي اختار حكام أنقرة أن تكون ممرا سهلا لعبور وتسلل الجهاديين من كل بقاع العالم لزعزعة أمن واستقرار سوريا. الأردن، اليوم، يخشى على نفسه من تنظيم «الدولة الإسلامية»، خصوصا وأن جماعة»الإخوان المسلمين» الأردنية المعارضة تتعاطف مع التنظيم. هل بالفعل قامت الولايات المتحدة بالتنسيق مع النظام في دمشق قبل بدأ الهجوم على تنظيم «الدولة الإسلامية» على الأراضي السورية؟ فقد تضاربت الأنباء، فقد أكدت الخارجية السورية أن مبعوثها في الأمم المتحدة تلقى رسالة من وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، لإبلاغه عن الضربات الجوية ضد التنظيم، فيما نفت مصادر أمريكية أخرى هذا الخبر، و أدانت طهران هذا الهجوم لأنه يمس بالسيادة السورية، كما أكدت روسيا حرصها على سلامة ووحدة الأراضي السورية. لا شك أن التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» والذي يضم أزيد من 40 دولة سيضعف التنظيم بقيادة أبو بكر البغدادي، الذي نصبه التنظيم «أميرا للمؤمنين»، لكن لا يمكنه هزيمته، لذا ستحاول الولايات المتحدة الزج ببعض حلفائها العرب في معارك برية لاقتلاع أنياب التنظيم، وهي التي لا تريد أن تتورط في حرب برية أخرى بعدما أذقتها المجموعات الجهادية أشد العذاب عند اجتياحها للعراق عام 2003.