حدد باراك أوباما لأمريكا وحلفائها هدف «إضعاف» التيار الجهادي ثم «سحقه». لكن مشاكل متعددة تنتصب في وجه هذا المشروع، بعضها ذو طبيعة عسكرية وبعضها الآخر ذو طبيعة سياسية. كما أن الانتصار على «دولة الخلافة» سيتطلب مدة من الزمن قد تصل إلى ثلاث سنوات حسب واشنطن نفسها. بعيدا عن التصريحات بالنوايا والخطط المعلنة الرامية إلى القضاء على تنظيم داعش، رصد الصحفيان ألان بارليي وجورج نارلبورو، في دراسة نشرتها يومية «لوموند» في عددها الصادر يوم 15 شتنبر الجاري، مجمل المشاكل والصعوبات القائمة، ممحورين تحليلهما حول 4 أسئلة تعتبر الأجوبة عنها بوابات لفهم ما يجري حاليا وما هو محتمل الحدوث مستقبليا. 1 - ما الذي تستطيع الدول العربية تقديمه؟ بالإضافة إلى توفير بعض القواعد العسكرية (القاعدة العسكرية الأمريكية في العديد بقطر أو القاعدة الفرنسية في الإمارات العربية المتحدة)، فإنه لكل من العربية السعودية وقطر القدرة على التأثير على بعض القبائل السنية الموجودة في غرب العراق، ودفعها للكف عن دعم داعش. لقد ساعدت الرياض والدوحة ماليا، خلال السنوات الأخيرة، سنة العراق لمواجهة الوزير الأول الشيعي نوري المالكي الذي ترك منصبه مؤخرا. أما اليوم، فواشنطن تطلب بصرامة من السعوديين والقطريين تقوية مراقبتهم على الشبكات المالية لدعم الجهاديين المقاتلين في العراقوسوريا، وكذا مراقبة الأئمة الذين كانوا يدعون، إلى حدود وقت قريب، إلى الجهاد ضد «الطاغية الأسد». تحظى هذه القبائل حاليا بعناية فائقة من طرف السعوديين، ومن طرف الأردنيين أيضا. تعرف أجهزة استخبارات المملكة الهاشمية العشائر السنية العراقية معرفة وطيدة، ذلك أن الكثير من أعضائها وجدوا في العاصمة عمان ملجأ لهم عقب تنحية صدام حسين في 2003 . ويتمثل هدف اللقاءات السرية بين الطرفين في التفاوض حول تخلي العشائر عن دعم داعش. وبالمقابل، تطالب القبائل بحصة أوفر في السلطة المركزية وداخل دواليب الجيش، أي ألا تظل، باختصار، عرضة للتهميش من طرف السلطة الشيعية العراقية. وإذا كانت القوات الخاصة المحلية قد شرعت، انطلاقا من الأردن، في القيام بعمليات استكشافية في الجهة الأخرى للحدود العراقية، فإن ثمة مشكلة لا يمكن تجاهلها نظرا لكون العديد من السعوديين والأردنيين يرفضون انخراط بلدهم في الحرب ضد الدولة الإسلامية. هكذا إذن، ومثلما حدث في 2002 خلال الحرب ضد صدام حسين، فإن السعوديين والأردنيين لن يتقدموا إلى الواجهة رغم احتضان الصحراء لعملياتهم السرية. 2 - هل هناك معارضون معتدلون في سوريا باستطاعتهم الحلول محل الجهاديين ميدانيا؟ هي ذي أم المشاكل! لم يعد المعارضون المعتدلون المدعمون من طرف الغربيين يمثلون سوى أقلية ضمن الانتفاضة ضد الأسد (حوالي 15 %). إنهم يعدمون الأسلحة المتطورة، وخاضعون لعرابين من الخليج منقسمين هم كذلك، وقد تفوقت عليهم عدديا المكونات الإسلامية: الأكثر راديكالية أولا، أي داعش، وبعدها جبهة النصرة، الفرع المحلي لتنظيم القاعدة، ثم أولئك الزاعمين بكونهم إخوتهم في السلاح، أي الخليط المكون من السلفيين والإخوان المسلمين والمنتظم تحت راية الجبهة الإسلامية. وبما أن عودة المعارضين المعتدلين إلى الريادة ميدانيا معطى لن يحصل في المدى القريب، فإن الولاياتالمتحدة، وبهدف مواجهة الوضع الآني المستعجل، فوضت لحلفائها السعوديين أمر إعادة تشكيل المعارضة لكي تصبح أكثر فعالية في مواجهة الأسد وداعش. تستلزم إعادة التشكيل هذه تقوية الجبهة الإسلامية وعودة المنتفضين الذين التحقوا بداعش في العراق إلى وطنهم. وسيتم، بموازاة هذا، تكوين آلاف الإسلاميين المعتدلين وما تبقى من الجيش السوري الحر في السعودية. ومع أن هذا المخطط يتطلب وقتا طويلا لإنجازه، فإنه غير مضمون النتائج. هناك راهنا سؤال مستعجل مطروح بإلحاح: من سيتحكم في الميدان الذي سيتخلى عنه الجهاديون بفعل القصف الجوي لشمال وشرق سوريا؟ أجل، النظام سيسعى إلى استرجاع المناطق المعنية، لكن الغربيين ليسوا موافقين على مثل هذا الاحتمال. ومن جهتهم، سيرغب المقاتلون الأكراد السوريون في الانتشار في مناطق أجبروا على الانسحاب منها، والحال أن نظرة الغربيين إلى هؤلاء سلبية إلى حدود الآن، ذلك أنهم يتهمونهم بالدفاع عن مصالحهم الضيقة فقط، بل وبالتواطؤ إلى حد ما مع الأسد. وتشكل العناصر السالفة الذكر الحيثيات التي دفعت وزير الخارجية الفرنسي، لوران فابيوس، إلى التأكيد على أن قصف سوريا «أكثر تعقيدا» من قصف العراق. 3 - هل تركيا مستعدة لإغلاق حدودها في وجه الجهاديين؟ استفادت الأغلبية الساحقة من الجهاديين الأجانب من الشعور الودي لأجهزة الاستخبارات التركية إزاءها لولوج الأراضي السورية عبر الحدود التركية. وبما أن أنقرة حليفة للغربيين في إطار الحلف الأطلسي، فإنه باستطاعتها المساهمة بشكل أقوى في مواجهة الجماعات الأكثر تطرفا في سوريا. لكن نوعا من سوء التفاهم ظل قائما، إلى حدود الآن، بين الحلفاء. فالغربيون كانوا يطالبون بجهود تركية أكبر في مجال توقيف مواطني دولهم حين وصولهم إلى مطاري إسطنبول أو أنقرة. وبالمقابل، كان الأتراك يطالبون الدول الأوربية نفسها بمزيد من الحزم حيال جهادييها قبل سفرهم من فرنسا أو إنجلترا. ولقد انتهى المطاف بأنقرة، بفعل الضغط الذي مورس عليها، إلى اعتقال جهاديين لحظة رجوعهم من سوريا، وتسليمهم لباريس أو لندن. لكن السلطة التركية التي يسيرها الإخوان المسلمون غير متحمسة لاتخاذ موقف أكثر صلابة إزاء من ظلت تعتبرهم طويلا أدوات باستطاعة أنقرة توظيفها للقضاء على العدو بشار الأسد. وبالإضافة إلى احتجاز 49 مواطنا من رعاياها منذ ثلاثة أشهر من طرف داعش في العراق، فإن تركيا تهاب استقرار خلايا جهادية نائمة في أراضيها، خلايا تقوم بعمليات فوق ترابها في حالة مشاركتها في تحالف عسكري ضد داعش في سوريا. أجل، لقد قامت أنقرة بتكثيف مراقبتها على العابرين السريين لأراضيها، لكن السؤال المطروح هو. هل تتوفر على إمكانيات تأمين شريطها الحدودي البالغ 900 كلم؟ هكذا إذن، يجعل مكر التاريخ تركيا تعيش اليوم نفس وضع سوريا أواسط سنوات 2000، حيث كانت دمشق قد وجدت نفسها تحت التهديد الجهادي بعد سماحها لعدد هائل من الجهاديين للالتحاق عبر ترابها بالعراق المحتل حينها من طرف الأمريكيين. وأخيرا، فتركيا لا ترغب في مسايرة أعدائها الأكراد المنتمين لحزب العمال الكردستاني، والمقاتلين ضد داعش في العراق. لقد قررت أنقرة إلى حدود الساعة اختزال دورها في وضع قاعدة أنسرليك العسكرية، الواقعة شرقا بالقرب من العراق، رهن الإشارة لتوفير الدعم اللوجيستيكي والإنساني ضد داعش. 4 - ما مدى فاعلية التدخل العسكري؟ أجل إذا ما توفرت بعض الشروط. ميزان القوى ليس في صالح تنظيم الدولة الإسلامية على الورق. إنه يزعم توفره على 30 ألف رجل، لكن العدد يتراوح في الواقع بين 15 و20 ألف مقاتل بعتاد مشتت. وبالمقابل، يستطيع البيشمركة تجنيد 200 ألف محارب، غير أن مكوناتهم وأجهزة استخباراتهم ليست موحدة، بينما يتوفر الجيش العراقي، من جانبه، على 300 ألف جندي. حسب ميشيل غويا، العقيد في القوات البرية والمؤرخ، فإن «مقاتلي داعش يتمتعون بتحفيز كبير، وهو معطى قادر على تغيير عدة أشياء. كما أنه بإمكانهم الاستفادة من تواطؤ بعض الأوساط السنية». وإذا كانت الضربات الجوية التي قامت بها الولاياتالمتحدة منذ 8 غشت الماضي قد وضعت حدا لتقدمهم في العراق، فإنها غير كافية وفق العديد من الخبراء، رغم ما تكبدهم إياهم من خسائر جسيمة. ويلخص غويا الوضع قائلا: «الفعالية تقتضي مصاحبة هذه الضربات الجوية بالعمليات البرية». هكذا، وفي غياب فيالق غربية برا، باستثناء عناصر من القوات الخاصة و»مستشارين»، فإن نجاح «المعركة المزدوجة»، كما ينعتها الاختصاصيون، يستلزم الاعتماد على حلفاء محليين يتم تكوينهم وتأطيرهم وتسليحهم، كما هو الحال مع الأسلحة المسلمة للأكراد على سبيل المثال... وسيتطلب تحقيق النجاح، حسب ميشيل غويا دائما «ضغطا كبيرا مشتركا من طرف العراق والأكراد والأمريكيين والتحالف الدولي، مع مصاحبته بحركية سياسية غايتها فك الارتباط بين تنظيم الدولة الإسلامية والمجموعات والقبائل السنية». أما في سوريا، فالأوضاع أكثر تعقيدا عسكريا وسياسيا. ففعالية الضربات الجوية لن تكون مضمونة النتائج بسبب غياب المعطيات المخابراتية التي يوفرها الأكراد والجيش النظامي في العراق، ذلك أن المعارضة العسكرية المعتدلة ضعيفة هناك. كما أن الخبراء الأمريكيين يتخوفون من توفر داعش على أسلحة مضادة للطائرات استولت عليها من مخازن الأسلحة الحكومية. وفي كل الأحوال، فالانتصار على تنظيم الدولة الإسلامية سيستلزم وقتا غير يسير، «ثلاث سنوات على الأقل» حسب جون كيري.