في الخامسة و الخمسين من العمر، و قد تقاعد لتوه من مهنته المُضنية كسائق شاحنات كبيرة تجوب الطرق و الفيافي، كان محمد دلول يجلس وحيدا ببيته بالدار البيضاء يتفرج على برنامج تلفزيوني وثائقي تبثه إحدى القنوات الألمانية، حين استوقفه مشهد تسمرت عيناه عليه. كان ذاك مشهد رسام (لم يعد يذكر إسمه) يغمس فرشاته في الألوان و يشكل لوحة جميلة أمام الكاميرا. في تلك اللحظة القدرية - يقول محمد دلول - "تحرك شيء داخلي في صدري فأوقفت صورة الشاشة بواسطة جهاز التحكم و رُحتُ أتملى في اللوحة... ثم انتابني حماس مفاجئ و غريب فرحت أبحث عن ورقة من أوراق الرسم المدرسية لابنتي التلميذة و تناولت قلم رصاص و رحت أرسم مقلدا اللوحة الجامدة أمامي على الشاشة، ثم أخذت الألوان بعد ذلك فأضفت عليها رونقا جديدا". وحين انتهى محمد دلول السائق من رسم باكورة لوحاته عرضها على زوجته أولا ثم على زوجة أخيه، فأكدتا له أن ما قام به شيء جدير بالتقدير. وهو أول اعتراف بموهبة الفنان الوليد والسائق المتقاعد. كان ذلك في العام 2006 حين اكتشف محمد موهبة الفنان داخله. و كأنه خجل من هذه الموهبة المتأخرة، لجأ محمد دلول إلى بيت له بالبادية (مديونة) وراح يرسم ويرسم لوحات متعددة استجابة لنداء داخلي يقول عنه أنه كان يأتيه في بعض الأحيان فيشرع في ثلاث لوحات يُقبل عليها دفعة واحدة بفُرشاته إلى أن ينهيها بثلاثتها. وفي أحيان أخرى كان الإلهام يغيب عنه لعدة شهور فيترك مرسمه مغادرا إلى أن يستدعيه الفن من جديد فيشرع في لوحة جديدة، لكنه في كل الحالات - كما يقول- لا يترك لوحة بدأها إلى أن ينهيها تماما و يضع عليها توقيعه. ظل محمد دلول، الخجول بطبعه، يرسم لنفسه لا يكشف لوحاته لأحد لمدة ست سنوات متتالية، إلى أن عرضها سنة 2012 بالصدفة على أحد أصدقائه الذي انبهر بها و شجعه على عرضها و عمل على ترتيب لقاء له مع إحدى الجمعيات الثقافية. و كان الانطلاق الحقيقي الأول للفنان حين شارك بلوحاته في سنة 2012 نفسها في الملتقى العربي الأول للإبداع بمدينة برشيد. و بفضل هذه المشاركة التي كشفت فنانا حقيقيا للجمهور و للنقاد ، تمت دعوته إلى الديار التونسية حيث شارك رفقة وفد من الشعراء و الزجالين المغاربة فكانت فرصته للالتقاء بشعراء و نقاد عرب من مختلف البلدان العربية. وفي تونس تم تنظيم "قافلة المحبة" التي جابت خلالها لوحاته ثماني مدن تونسية، و بعدها توالت عليه العروض للمشاركة في عدة مهرجانات وطنية بمختلف مدن المغرب مثل طنجة و وارزازات وكرسيف و سطات و البيضاء... تلك نبذة مختصرة عن الفنان التشكيلي العصامي محمد دلول إبن الحي المحمدي الذي رأى النور سنة 1951، و الذي انقطع عن الدراسة سنة 1971 من مستوى الثالثة إعدادي كي ينخرط في عالم الشغل كسائق شاحنة على غرار والده، و هي المهنة التي ظل يمارسها طيلة 35 سنة قبل أن يتقاعد منها سنة 2006 ، و هي المهنة التي أتاحت له مشاهدة الفضاءات الطبيعية بمختلف تضاريسها و التي منها يمتح أشكال و ألوان لوحاته مما جعل جمعية الهامش للشعر و التشكيل بجرسيف تطلق على أحد معارضه بها إسما بليغا هو "عين الشيفور". محمد دلول الذي يعرض حاليا لوحاته بمقر المبادرة الوطنية للتنمية البشرية بإقامة الموحدين بالحي المحمدي، لا يكتفي من الفن بجنس واحد هو التشكيل، بل إنه عازف ماهر على آلة البانجو التي يحب أن يدندن بها نغمات غيوانية تشحذ إلهامه وتزيده وميضا.