يعود تعثر الربيع العربي الى أنه »ثورة بلا قيادة«، كما ورد في مؤلف صدر حديثا بأمريكا تحت عنوان : الثورة والانتفاضة والإصلاح بشمال إفريقيا : Ricardo Ren? Laremont (2014) Revolution, revolt, and reform in North Africa : the Arab Spring and beyond. New York : Routledge والكتاب عبارة تأليف جماعي بإشراف ريكاردو روني لاريمون مع باحثين أكاديميين مغاربيين، يشتغل أغلبهم بالجامعة الأمريكية ، تناولوا العوامل التي أفضت إلى قيام »ثورات مفاجئة، واحتجاجات جماهيرية حاشدة عام 2011 في خمس( 5) دول عربية هي: تونس، مصر، ليبيا، المغرب والجزائر، فتوافقت على وجود خمسة عوامل ساهمت في إيقاظ الربيع العربي: - النمو الكبير لأعداد ونسبة الشباب في المجتمع ومعاناتهم من غياب فرص المشاركة؛ - نمو اقتصادي متواصل في الدول الخمس مع غياب توزيع عادل لنتائج هذا النمو؛ - خيبة أمل الطبقة البرجوازية من النخب الحاكمة فانحازت إلى الثوار،؛ - وقوف الجيش إما على الحياد، أو إلى جانب الثوار والمتمردين؛ - توافر التقنيات الإلكترونية بما ساعد على تعبئة السكان في حركة الاحتجاج الاجتماعي الشامل. وإذ تشير بيانات استطلاعات الكتاب إلى التفاوت في استخدامات وسائل التكنولوجيا ووسائطه الاجتماعية (بين تونس ومصر لمصلحة الأولى) وتفاوت تأثيراتها (أجهزة الهاتف الخلوي في الجزائر(81 في المائة)، (وتشبه استخدامات وسائل التكنولوجيا من الفايسبوك إلى الإنترنت إلى والرسائل النصية لدى شباب الربيع العربي أوراق البيانات الحزبية التي كانت توزع يدوياً في غابر السنوات)، فإن ثمة ملاحظة يمكننا الإشارة إليها، وهي تعدد التعريفات في الأسطر المنقولة آنفاً عن الكتاب في توصيف ما جرى، فهي ثورة، وحراك، وثوار وانقلاب، وهذا لا يحمل سلبية بالضرورة، بمقدار ما هو تصوير بالعين المقرّبة لقراءة المرحلة الانتقالية. يتفق الباحثون في هذا الكتاب على »أن ما حدث عربياً هو ثورة سياسية وليس ثورات اجتماعية، ذلك أن أسس علاقات القوة داخل هذه الدول ومجتمعاتها لم يطلها تغيير حاسم، فأجمعا على فشلها في الحصول على القيادة السياسية المتماسكة، والأيديولوجية المحددة بوضوح، أو إيجاد مجموعة من الأهداف البرامجية مما يفسر عدم نجاحها وتحولها إلى ثورات كاملة«. ويتضمن الكتاب مقدمة وسبعة فصول لباحثين من الدول الخمس موضوع الكتاب، ويكاد الفصل السابع والأخير، أن يختصر المشترك من قراءة الباحثين، وما خلصوا إليه »لصياغة المستقبل«، فأشاروا إلى وقوف الجيش على الحياد في تونس، وقوة الجيش المصري عددياً واجتماعياً واقتصادياً، فهو منخرط في الصناعات الثقيلة والخفيفة والفلاحة والعقارات، والحصول على المساعدات الأميركية، وسعيه لحكومات شريكة له لا تنزع مكتسباته (المخاوف من انقضاض الجيش بالتحالف مع القضاء ومنع التحول إلى الديموقراطية بعد الثورة التي حصلت في 25 يناير)، يضاف لهذه الأسباب غياب المنهج المنطقي في تصرفات الإسلاميين، وتطابق الحركات الإسلامية في مصر وتونس وليبيا على عزل وإقصاء الآخر، والمواقف السلبية من وسائل الإعلام والمرأة والعلمانيين (واضطراب العلاقة مع الأقباط في مصر)، »فأظهروا غطرستهم، وعدم نضجهم السياسي للانتقال نحو الديموقراطية«. ولعل ما تشهده ليبيا يبقى في دائرة الأكثر خطورة من بين الثورات التي حصلت-على ما يذكر الباحث الصواني وهو مواطن ليبي-، إذ أنها في فترة انتقالية لا يمكن التكهن بمآلاتها المستقبلية، فترة خرجت فيها من براثن الديكتاتورية إلى سكاكين الفوضى القاتلة والتحديات الأمنية، فيشير إلى التنافس المسلح على مصادر الثروة والنفط، وانتشار تشكيلات مسلحة على الحدود مع النيجر ومالي والجزائر وارتباطها بانتماءات إثنية ولجماعات مثل التبو والطوارق تتقاطع مع تنظيم القاعدة، إلى انتشار عصابات تهريب الخمور والمخدرات والنفط، في ظل مخاوف من صدام قبلي- عرقي يتمثل بالعرب والبربر(الأمازيغ وهم على المذهب الأباضي في ليبيا) في ظل توتر آخذ بالاشتداد، فبات أمراء السلاح أقوى من الحكومة الانتقالية. ملاحظة : صدرت طبعة عربية مترجمة ببيروت من الكتاب تحت عنوان »«الربيع العربي الانتفاضة والإصلاح والثورة» ضمن منشورات »منتدى المعارف« في بيروت، وأشرف على تحريره يوسف الصواني وريكاردو روني لاريمون.