أصبح ملزما اليوم أكثر من أي وقت مضى، أن نعيد النظر في الممارسة والفعل البيداغوجي لمؤسساتنا التعليمية، فطبيعة الظرفية التي نعيشها اليوم، والمتسمة بالتحديات على مختلف الواجهات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية أيضا، تجعل المدرسة فاعلا أساسيا في بناء شخصية المواطن المغربي، الذي لا يكل ولا يمل ويكابد ويجتهد من أجل الوصول إلى ما يطمح إليه، باعتبار أن المدرسة هي الوسيلة التربوية المثلى التي بإمكانها أن تضبط سلوكات الوليد البشري، وتوجهها نحو الخلق والإبداع. ومن ثمة، فبناء هذه الشخصية يتمثل أساسا في الانضباط والصرامة التي يجب أن يتعامل بها التلميذ، انطلاقا من وحدة الهندام الموحد والضروريات التربوية التي تحتم تعميمه. الزي المدرسي في مفهومه الدلالي، يرمي إلى تكسير التميز الطبقي وجعل التلاميذ بمختلف مشاربهم ووضعهم الاجتماعي سواسية. من جهة أخرى، الزي المدرسي، يجعل التلاميذ يحسون على أن هناك قدسية خاصة للمدرسة، وأن ارتداء الهندام يستوجب الالتزام بشروط عدة على مستوى السلوكات، وحتى هذا اللباس الموحد من شأن جماليته أن يجعل الفضاء المدرسي مؤثتا بشكل يثير شهية الأساتذة للتدريس الجيد، والتلاميذ للدخول في غمار الأخذ الواعي للمعلومات دون أي خلل أو تقصير. ومن هنا، ارتداء الزي المدرسي، أصبح مسألة حساسة في وضع مدارسنا، وبالتالي، فإخضاعه إلى الإلزامية يبدو أمرا ضروريا في الوقت الراهن، وحتى إذا لم يكن هناك من الممكن حسب الحالة المادية للأسر، فلم لا يدخل بدوره ضمن مبادرة مليون محفظة، أو أن تتكلف به جمعية أمهات وآباء وأولياء التلاميذ، في إطار الشراكات التي تجمعها مع المؤسسات أو القطاعات الإنتاجية الخاصة. إلى جانب الزي يجب التركيز أيضا على أهمية الالتزام الصارم، بأداء تحية العلم الوطني، ورفع راية الوطن بقراءة النشيد الوطني، قبل انطلاق الدراسة كل صباح في المؤسسات التعليمية، وجعل هذه العملية إجبارية ولا تنازل عنها، حتى تبت في روح التلاميذ مع إطلالة كل صباح جديد روح الانتماء للوطن والارتباط به، والدود من أجل أن يكون هؤلاء التلاميذ مواطنين صالحين، قادرين على مواجهة التحديات. ومن شأن هذا أيضا، أن يساهم في تركيز التلاميذ ويضبط سلوكهم للدخول في غمار التعلم، دون أدنى نقص وشتات ذهن، لأن الدخول في غمار أي مجال يقتضي أن نمشي على وتيرة طقوسه الخاصة، وما يقال أيضا عن الهندام المدرسي وتحية العلم، ينطبق على أهمية تدريس مادة التربية الوطنية وتاريخ المغرب الحديث لكي يكون التلاميذ على دراية بخصوصيات وطنهم، وعارفين بكل ما يلزمهم من أجل أن يكوموا قادرين على خدمة الوطن، وعلى سبر تحدياته. وما من شك، أن السير على هذه المقاربات لمن شأنه أن يعيد الاعتبار للمدرسة العمومية، ويجعلها أداة لتكريس الوطنية الصادقة في نفوس ناشئتنا وتجدير المواطنة الإيجابية في مسارهم التعليمي والمهني فيما بعد، باعتبارها أساس بناء الفرد والمجتمع، وتكويِن شخصيته وتربيته وتزويِده بالقيم الإسلامية وبالمثل العليا، وإكسابه المعارف والمهارات التي تساعده على الإسهام في بناء مجتمعه وتنميته وتطويره علميا وثقافيا واقتصاديا واجتماعيا وحضاريا وسلوكيا. كما أن تنشئة المتعلم على المبادئ الأساسية للمواطنة الإيجابية وتربيته على الاعتزاز بالهوية الوطنية بكل أبعادها الحضارية، لمن شأنه أن يجدر فيه التحلي بمبادئ المساواة وتعامله بروح الحوار وقبول الاختلاف وتبني الممارسة الديمقراطية، واحترام حقوق الإنسان. ويبقى على الوزارة الوصية أن توفر ظروف استعادة المدرسة المغربية دورها كفضاء تربوي يشجع على التفتح والتحصيل الذاتي للتلميذ، وإكسابه القيم والمعارف والمهارات التي تؤهله للاندماج في الحياة العملية وتشعره بقيمته المعنوية كمواطن يعول عليه لرفع التحديات والتكريس لمستقبل تنموي واعد.