من بين الأساطير التي استلهمها التحليل النفسي وبنى عليها فرويد نسقه التحليلي للسلوك البشري، وخاصة في بعده اللاشعوري، أسطورة أوديب الذي قتل أباه فلاحقته عقدة الذنب الى أن أصابه العمى. وقد أصبحت عقدة أوديب هاته مفتاح فهم سلوكات الأفراد والجماعات تجاه من أساؤوا إليه قدحا أو رجما بسباب أو حجر ، أو قتلا واغتيالا في واضحة النهار. ومن سمات المجرم الأوديبي شعوره بالإثم الذي يجثم على وعيه ولا وعيه فيتمنى لشدة حقده ان يقتل ضحيته مرتين أو أكثر. ولأن القتل المادي لا يمكن أن يتكرر في الزمان والمكان، يعمل عاشق الدم على اغتيال كل ما يذكر ويرمز لما تركه المغتال حتى وإن كانت تركته علما ينتفع به أو ذرية صالحة تؤبد فكره وتأبى النسيان. هذه هي حقيقة من يعادون اليوم الاتحاد ويحاولون الإجهاز عليه بغية التخلص ممن يذكرهم بذنبهم. وإن روح عمر سئلت بأي ذنب قتلت، يجيبك التاريخ: لا لذنب ارتكبه عمر وإنما هو حقد الحاقدين الذين سخروا إسكافيا بسيطا لهدم صرح عملاق. ولأن فضيلة الاعتراف بما اقترفت أياديهم من ذنب ليست من شيمهم، ولأن بعضهم اعتبر ذلك جهادا في سبيل نظام مجرم، فإنهم مازالوا بعد أربعين سنة على اغتيال عمر بن جلون يسعون لاغتيال الحركة الاتحادية التي أسسها المهدي بن بركة وعمر بن جلون وعبد الرحيم بوعبيد وكثير من الرعيل الأول والثاني لحركة التحرر الوطني والنضال الديموقراطي. نعم لأن الاتحاد حزب حي فهو قابل لأن يصاب بعلة أو مرض لأن الأجساد الحية وحدها هي التي تكل وتمرض، وما مرضت أبدا جذوع مقرورة أو جلاميد مرمية على أطراف أرض خالية، لكن الاشجار الضاربة جذورها في أعماق ذاكرة شعبنا والمبثوثة بذورها في جبال الوطن ونجوده وسهوله الطيبة، قد تهزها العواصف دون أن تقدر على اقتلاعها. ثقة الاتحاد في الشعب لا حدود لها، وأمل الاتحاد في الغد لا ضفاف له، ومن أراد أو تمنى موت الاتحاد فتلك مشكلته، وليبحث في تاريخه هو وفي جوهر تفكيره عن علل عقدته، ومن خانته أخلاق الحوار المومن بالاختلاف فمرحبا به ضيفا ليتعلم ما معنى أن يكون الاتحاد مدرسة. يبدو أن تركيبا عجيبا لجهل بتاريخ البلد وحركاته السياسية ورجالاته ونسائه من جهة، وحقد دفين على كل جميل من جهة أخرى، يحرك اليوم كل الاصوات المعادية للمدرسة الاتحادية ،وكذلك كان الحطيئة الذميم لا يسر إلا حين يهجو من هم أجمل منه. لكن لابأس من بعض الشرح، إن المدرسة الاتحادية، بالمعنى الفلسفي والفكري للمدرسة، حركة اجتماعية فكرية أنجبت أقوى مفكري المغرب وأبدع شعرائه وكبار أساتذة الجامعة المغربية الذين أغنوا الفكر المغربي والنبوغ المغربي وأسسوا لهوية ثقافية وطنية قارعت ومازالت مثيلاتها في كثير من أقطار العالم العربي. هذه المدرسة وبهذا المعنى هي التي أنجبت وأنجبها في ذات الوقت محمد عابد الجابري وعلي أومليل ومحمد برادة وعبد الله العروي وعبد الرحمان القادري ومحمد جسوس ومحمد سبيلا وعبد الرفيع الجواهري وغيرهم كثير من الشعراء والروائيين ورجال المسرح والسياسة والاقتصاد والفلسفة. مفكرو الاتحاد هم الذين بنوا صرح الجامعة المغربية، ورووا التربة الثقافية الوطنية، فمجلات مثل «المشروع» و»مواقف وفلسطين» هي التي علمت كثيرا من شبابنا قيم حب المعرفة والأدب وحفزتهم على القراءة والكتابة وعلمتهم كيف يفكرون وينتقدون، ويحللون الظواهر والوقائع بعيدا عن فكر الضغينة وقول الكفر. ومع احترامنا الكبير لخصومنا الذين نقر بحقهم في الوجود الفاعل في الحياة السياسية الوطنية، وحقهم في التفكير وتبني أي مرجعية تؤطر فكرهم السياسي وممارستهم السياسية، فإن واقع الأمر يؤكد أنهم لا يرقون لحد الآن لأن يكونوا جامعة ولا مدرسة ولا حضانة على مستوى الإنتاج الفكري والعلمي في مجال العلوم الإنسانية من سياسة واقتصاد وعلم اجتماع وكذا في مجال الفنون والأدب. يبدو لي مع اعتذاري لمن أحترمهم منهم أنهم مازالوا في مستوى كتاب للإفتاء الفاسد في السياسة والاقتصاد بدليل أن «نخبتهم» لم تسهم بمؤلفات قيمة في هذه المجالات بالذات. ندعو لكل مريض بالشفاء، ونرجو الله أن يحل عقد من يعذبهم شعورهم بالذنب.