أجمع المشاركون في المؤتمر العلمي حول «دور التعاون بين الأديان في هولندا»، الذي اختتمت أشغاله الأحد الماضي بمدينة أمستردام الهولندية، على ضرورة مواصلة التشاور بين ممثلي الديانات التوحيدية في الأراضي المنخفضة بشراكة مع وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل الهولندية. واتفق المشاركون في هذا اللقاء المتعدد الأطياف حول الحوار بين الأديان في الأراضي المنخفضة، الذي نظم بمبادرة من اتحاد المساجد المغربية (أومون)، على تنظيم هيئة التشاور لليهود والمسيحيين والمسلمين في هولندا بقيادة اتحاد المساجد المغربية، لمؤتمر ثان في أكتوبر 2018 من أجل مواصلة تنفيذ توصيات ورشات هذا اللقاء. وشدد المشاركون في هذا المؤتمر العلمي، الذي حضره ما يقارب 120 مشاركا بالإضافة إلى أزيد من 30 خبيرا في الشأن الديني ونظم بدعم من وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربية، على ضرورة إدراج الحوار بين الأديان في مناهج التعليم الديني داخل منظماته لتعميم الفائدة وتقديم الأجوبة وكذا الحلول الممكنة وتبادل الخبرات. وأكدوا في هذا اللقاء، الذي جمع أطيافا من الديانات السماوية الثلاث، أن لقاءات منتظمة من هذا القبيل أصبحت أكثر إلحاحا من أي وقت مضى من أجل بناء مجتمع آمن للأجيال القادمة، داعين في السياق ذاته إلى ضرورة تبني هيئة التشاور لليهود والمسيحيين والمسلمين لمبادرات استباقية مع مزيد من الانفتاح على وسائل الإعلام والحكومة. وقد تميز اللقاء، الذي انعقد في ظرفية صعبة يجتازها العالم على خلفية اعتراف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل وتعدد الاحتجاجات في عدد من العواصم عبر العالم، بتجديد اتحاد المساجد المغربية في هولندا تأكيده على أهمية الحوار بين الأديان على الأراضي المنخفضة. كما توقف المشاركون في هذا اللقاء الذي لم يدخر إدريس البجوفي، نائب رئيس اتحاد المساجد المغربية (أومون) جهدا لإنجاح فعالياته، عند التحولات الراهنة التي أصبح يعرفها العالم في الوقت الراهن والتي ساهمت في تنامي ظاهرة الإرهاب، كما نبهوا إلى التطور الرقمي وكذا الاستعمال السيء لشبكات التواصل الاجتماعي الأمر الذي يساهم في تفشي ظاهرة التطرف. وشارك في هذا اللقاء، الذي نشطه الفاعل بيرت دو رويتر وانطلق بتلاوة مقتطفات من التوراة والإنجيل وآيات من الذكر الحكيم نحت جميعها منحى الإشارة إلى القيم الإنسانية والتعاون والإخاء والمحبة والعيش المشترك، سفير المغرب في لاهاي عبد الوهاب البلوقي. وأكد سفير المغرب في لاهاي في كلمة له أمام ثلة من الناشطين في الحقل الديني المنتمين إلى الديانات السماوية الثلاث، على أهمية السلم والسلام في المجتمع المتعدد. وشدد عبد الوهاب البلوقي على أن أواصر التآخي بين أطياف المجتمع الهولندي لا يمكن أن تتحقق إلا عبر حوار صادق وبناء ومن خلال تبني آلية إنصات البعض للآخر من أجل كسب الثقة والتفاهم لتحقيق التعايش في مجتمع مثل المجتمع الهولندي المتعدد الديانات والجنسيات. وإذا كان الحوار ضرورة لتحقيق التعايش بين كل الأطياف الدينية في الأراضي المنخفضة، فإن الناشطة اليهودية هانيكي غيلدربلوم، ترى أنه لا يجرؤ على تبني عمل مشترك من هذا القبيل إلا المتفائلون. ودعت هانيكي غيلدربلوم إلى القطع مع مرحلة التنظير التي لا تنبني إلا على الكلام والانتقال إلى مرحلة واقعية تعتمد على العمل والخوض في القضايا الشائكة التي تطبع العلاقات بين الأديان الثلاثة لإيجاد الحلول لها. ومن جانبه، شارك كلاس فان در كامب، ممثل كنائس هولندا في هذا الملتقى بعرض شيق اختار له عنوان «إن رأيتك فأنا سأحبك بكل سرور» شدد فيه على عدم التخوف من الآخر، مؤكدا أن الجهل بديانة الآخر يعتبرعقبة في فهمه والقبول به وبالتالي إظهار مشاعر المحبة تجاهه. وجدد ممثل كنائس هولندا الإشارة إلى أن كل الديانات السماوية تجعل من الدعوة إلى السلم والسلام ونشر المحبة بين الناس أحد أسسها، داعيا في ذات السياق إلى ضرورة فتح أبواب الكنائس في وجه غير المسيحيين وانخراط فعاليات دينية ذات نوايا صادقة تنتمي إلى الديانات السماوية الثلاث في أنشطة مشتركة لتقديم نموذج حقيقي على العمل المشترك على أرض الواقع والدفع بالحوار بين الأديان. وبدوره، سلط رشيد بال الهولندي من أصل تركي ورئيس الهيئة الممثلة للمسلمين في هولندا على أهمية التعدد الديني كرافعة للعيش المشترك، منبها في السياق ذاته على أنه لا يجب أن ننظر إليه كمصدر للخوف، كما توقف عند التنوع الثقافي في المجتمع الهولندي باعتباره، إلى جانب التعدد الديني، قيمة مضافة من شأن استثمارهما بشكل إيجابي أن يساهم في حوار بناء يؤدي في منتهاه إلى مزيد من التقارب مع الآخر وتحقيق الاحترام المتبادل وفهمه بشكل جيد. وتميز هذا اللقاء بعرض للإمام المغربي الخمار البقالي الذي أكد فيه أن الحوار واحد من مهام الإمام في الوقت الحالي مشددا على أهمية دور الإمام في المجتمع. وأبرز الخمار البقالي ضرورة انفتاح الامام على محيطه المتنوع والمتعدد، سواء على المستوى المحلي أو الوطني أو الدولي، متبنيا حوارا بناء صادقا بين معتنقي الديانات الثلاث. وقال إن دور الإمام لا يقتصر فقط على مهمته داخل المسجد بل إن مهمته تتجاوز أسواره إسهاما منه في خلق جسور بين الديانات الأخرى ودعم الحوار والعمل المشترك بغاية ايجاد حلول مشتركة لقضايا مجتمع يتميز أفراده بالاحترام المتبادل والقبول بالآخر.