ارتفعت حدة التوتر بين السلطات المغربية والمنظمات الحقوقية الدولية والوطنية غير الحكومية، بعدما منعت وزارة الداخلية عددا من أنشطة هذه المنظمات، أو «ضايقت» نشطاءها قبل أسابيع على احتضان المغرب لأكبر ملتقى لحقوق الإنسان في العالم. ويستعد المغرب لاستقبال آلاف الحقوقيين والحقوقيات في المنتدى العالمي لحقوق الإنسان في مدينة مراكش شهر نونبر القادم، لكن السلطات منعت عددا من أنشطة المنظمات الحقوقية بشكل متوال. وآخر قرار غير مسبوق بالمنع تعرضت له منظمة العفو الدولية يوم الاثنين عندما علمت بوجود قرار يمنعها من تنظيم مخيم صيفي لحقوق الإنسان، اعتاد فرعها المغربي تنظيمه منذ 16 عاما بمشاركة شباب من شمال أفريقيا والشرق الأوسط والاتحاد الأوروبي. وكان يفترض أن يبدأ المخيم في الأول شتنبر الحالي بمشاركة 40 شابا، ويستمر لسبعة أيام. وتعليقا على هذا المنع وهو الأول منذ 20 عاما من تواجدها في المغرب، قال محمد السكتاوي مدير فرع أمنستي، «تلقينا خبر منع المخيم كباقي المواطنين عبر وكالة الأنباء الرسمية التي لم تتصل بنا لاستقاء روايتنا حول ما حدث». وفيما قالت الوكالة الرسمية، نقلا عن مسؤولين في الداخلية إن مسؤولي أمنيستي «لم يقوموا بإيداع تصريح قانوني لدى السلطات المعنية»، أكد السكتاوي أنه «تمت مراسلة كافة الجهات المعنية لنجد الاثنين (يوم انطلاق النشاط) باب المخيم مقفلا بالسلاسل في وجوهنا، وقد اختفى المسؤولون». وأضاف «رغم إعلامنا رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان والمندوب الوزاري لحقوق الإنسان بما حصل، لم نتلق أي رد أو منع مكتوب ومعلل من طرف السلطات»، موضحا أن «هذا المنع غير مسبوق لم نتعرض له حتى خلال سنوات القمع التي عرفها المغرب». أما مصطفى الخلفي، وزير الاتصال والناطق الرسمي باسم الحكومة فقال لفرانس برس مساء الخميس «ليس لدي ما أضيفه حول ما أوردته وكالة المغرب العربي (الرسمية)»، موضحا أن «المغرب لا يشن هجمة على المنظمات الحقوقية، بل يتفاعل مع مطالبها وملاحظاتها». ويأتي هذا المنع تزامنا مع الجدل بين العفو الدولية والسلطات المغربية، حيث طلبت أمنستي من الرباط، في اطار حملتها الدولية لمناهضة التعذيب، «وضع حد للإفلات شبه التام من العقاب» لمرتكبي التعذيب، وهو ما لم يعجب السلطات المغربية التي اعتبرت دعوة امنستي «تبخيسا لجهود المملكة في تحسين أوضاع حقوق الإنسان». ورغم انزعاج السلطات من إطلاق أمنيستي لحملتها الدولية من المغرب، إلا أن الملك محمد السادس نفسه ، لم يستبعد وجود حالات تعذيب بحسب نافي بيلاي المفوضة العليا لحقوق الانسان في الأممالمتحدة، التي قالت بعد زيارتها للمغرب في مايو الماضي، إن «الملك قال لي إنه لا يمكن أن يتسامح مع التعذيب لكنه لم يستبعد وجود حالات نادرة». ولم يقتصر المنع على أمنستي، فقد منعت الداخلية المغربية أيضا «الجمعية المغربية لحقوق الإنسان» من إقامة ثلاثة مخيمات: اثنان لليافعين وآخر للشباب حول حقوق الإنسان اعتادت الجمعية تنظيمها منذ سنوات والحجة ان «أماكن التخييم غير جاهزة». وطال المنع كذلك أنشطة فروع الجمعية في عدد من المدن، بل تعداه الى اتهامات رسمية صادرة عن وزير الداخلية محمد حصاد منتصف يوليوز قال فيها إن القوات الأمنية «تصطدم بسلوكيات جمعيات وكيانات داخلية تعمل تحت غطاء حقوق الإنسان». واعتبر الوزير أن اتهام الجمعيات «أفراد المصالح الأمنية بارتكاب التعذيب ضد المواطنين»، ترتب عنه «إضعاف للقوات الأمنية وضرب لها وخلق تشكك في عملها» في إطار سياستها لمحاربة الإرهاب. وبالنسبة لأحمد الهايج رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، فإن مثل هذه التصريحات «حق يراد به باطل وعودة للممارسات القديمة، عبر المراقبة اللصيقة وفرض خطاب واحد»، مضيفا لفرانس برس «لن نكون مرددين داخل جوقة المداحين للإشادة بالأعمال «الجليلة» للدولة، لأنها ليست وظيفتنا داخل الإطار المستقل الذي نشتغل فيه». من جانبها تشتكي «الهيئة المغربية لحقوق الإنسان» من التضييق على نشطائها في عدد من المدن و»تهديد حقوقهم في التنظيم والسلامة الجسدية عبر الاعتداء على حقهم في الحياة وعلى ممتلكاتهم، من قبل مناهضي نشر قيم وثقافة حقوق الإنسان». وتثير التضييقات والاتهامات غير المسبوقة للسلطات، حفيظة الجمعيات الحقوقية، التي طالبت 47 منها الحكومة ب»الاعتذار (...) بدل التمادي في التحامل على التنظيمات الحقوقية». ويزداد التوتر أكثر بين سلطات الرباط وجمعيات أخرى، بعضها قيد التأسيس مثل جمعية «الحرية الآن» للدفاع عن حرية الصحافة والرأي، والتي رفضت السلطات تسلم ملف تأسيسها ولجأت الى القضاء لكنه بدوره رفض الدعوى القضائية لأسباب اعتبرها الحقوقيون «انتقامية» أكثر منها «حقوقية». وتضم «الحرية الآن» من بين مؤسسيها علي أنوزلا مدير موقع «لكم» الإلكتروني المحجوب، والذي تحقق معه السلطات منذ شتنبر 2013 بموجب قانون الإرهاب، وبتهم قد تجعله يقضي 20 عاما وراء القضبان. وليست «الحرية الآن» وحدها من يتعرض للمنع من الترخيص عند التأسيس، بل إن تاريخ المنع والتضييق قديم اشتهرت به أساسا «جماعة العدل والإحسان» شبه المحظورة التي رغم حكم القضاء مرارا لصالحها بقانونية التأسيس، إلا أن السلطات تلاحق نشطاءها ولو كانوا أعضاء في جمعيات الأحياء والمدارس. كما أن إبراهيم الأنصاري، ممثل منظمة «هيومن رايتس ووتش» الأمريكية في الرباط، قدم في 2010 شكوى يتهم فيها الشرطة بضربه خلال قيامه بعمله في مدينة العيون «ولحد الآن» كما يشرح الأنصاري «لم تجبني السلطات بل منعتني من حضور اللقاءات الرسمية بدعوى أني غير محايد لأني تقدمت بشكاية ضد الشرطة». وفي هذا الصدد يتساءل كل من محمد السكتاوي ممثل «أمنستي» وأحمد الهايج رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان «كيف تستعد السلطات لاستقبال المدافعين ونشطاء حقوق الإنسان في أكبر تجمع عالمي لهم، وفي المقابل تقوم بالتضييق على المدافعين داخل المغرب؟» من جهة أخرى رحل المغرب 24 مهاجرا في «وضعية غير قانونية» في أعقاب أعمال عنف دامية اندلعت نهاية الأسبوع في مدينة طنجة حسب وزير الاتصال ، وهي خطوة نددت بها المنظمات غير الحكومية. وقتل مهاجر من أصل سنغالي فيما أصيب 14 شخصا على الأقل بجروح في اشتباكات بين مهاجرين من دول جنوب الصحراء الكبرى، وسكان حي «بوخالف» في مدينة طنجة قامت بعدها السلطات بترحيل عدد من المهاجرين. وقال مصطفى الخلفي وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة عشية الخميس خلال ندوة صحفية «تم ترحيل 24 مهاجرا في وضعية غير قانونية وتم إبلاغ سلطات بلدانهم، وذلك وفق المقتضيات القانونية المعمول بها». وأعلن الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بطنجة، الثلاثاء في بيان، عن توقيف ثلاثة أشخاص يشتبه في علاقتهم بوفاة الشاب السنغالي و»أمر بإيداعهم السجن على ذمة التحقيق» و»مواصلة البحث لضبط باقي المتورطين في الجريمة». وفي ما يخص المهاجرين الذين تم ترحيلهم، فيتعلق الأمر أساسا بسنغاليين وماليين حسبما أوضحت «مجموعة مناهضة التمييز العنصري ومواكبة المهاجرين الجانب» لفرانس برس الخميس.