الأشباح تظهر وتختفي هنا في المغرب، تظهر في كل موسم انتخابي ومع كل تعيين جديد على رأس إدارة أو مؤسسة عمومية، تتجول بين المكاتب وتبحث عن مستقر لها بين الموظفين، تنتظر إن كان الوافد الجديد على رأس المؤسسة سيستأنس بخدماتها وبالتالي ستعود من حيث أتت وتنصرف بأمن وأمان، أم أن للوافد الجديد جيشا آخر من الأشباح حان وقت انصرافهم، فالأصل في اللعبة هنا هو الظهور عند الإقتضاء والإختفاء. عند الشعور بالأمان! من المعروف لدى المخيلة الشعبية أن المواطنين من عامة الناس يبادرون إلى ذكر إسم الله جل جلاله لطرد الأشباح عند ورود اسمها أو عندما يتهيأ لهم بأنهم رأوها، لكن في حالة الأشباح التي نتحدث عنها اليوم، نحتاج إلى أكثر من ذلك للتخلص منها، نحتاج إلى ضمير ليس بمستتر ولا منفصل، نحتاج لضمير حي ومتصل، نحتاج لشجاعة ليس بعدها شجاعة لاتخاذ قرارات حازمة وليس مجرد قرارات متذبذبة ومناسباتية، نحتاج إلى قطع الطريق على لغة المحاباة والعمل على تخليق الحياة السياسية وليس إلى سياسة غض الطرف عن هذا أوذاك. لقد كثر الحديث عن الموظفين الأشباح بمجموعة من الإدارات المغربية والمؤسسات العمومية وشبه العمومية وبمجموعة من الجماعات المحلية، سال مداد كثير عن هذه الظاهرة لكن ولأن الأمر لايتعلق بظاهرة عابرة بل بمشكل بنيوي له تشعبات وارتباطات متشابكة فلا أحد يجرأ على فتح هذا الملف بالجدية المطلوبة ولن تجرأ مجموعة من الوزارات وعلى رأسها وزارة الداخلية الوصية على الجماعات المحلية والعمالات والولايات - حيث ينتشر أكبر جيش من الأشباح - على المسك بزمام الأمور وطرد هؤلاء الأشباح أو على الأقل ربطهم بالسلاسل في أماكنهم لكي لايبقوا تائهين جائلين. فلكي يتم التحكم في جيوش الأشباح هاته لابد من الاستعانة بفقهاء محترفين والاستغناء عن فقهاء المقابر الذين لايتقنون سوى القراءة على القبور واستجداء الصدقة! التوظيف في الجماعات المحلية في كثير من الأحيان وسيلة للاستقطاب السياسي ولجبر الخواطر واستمالة الأصوات الانتخابية ، وهو يخضع للزبونية والقبلية والمحسوبية والولاء عوض الكفاءة وتكافؤ الفرص والقدرات العلمية والثقافية الأمر الذي يغرقها بالموظفين الأشباح المستفيدين من المظلات السياسية للنافذين في هذه الجماعة أو تلك. ففي مدينة الدارالبيضاء فقط وعلى سبيل المثال، هناك حديث في أوساط الموظفين عن أن أزيد من ثلثي العاملين موظفون أشباح فمابالك بباقي المدن المغربية. هناك موظفون هاجروا إلى خارج المغرب، وزوجات مسؤولين ومستشارين يتقاضون أجورهن مقابل تفرغهن للطبخ وتربية الأبناء، و هناك من يشتغل في شركات خاصة، وهناك أيضا من أنشأ مقاولة خاصة، كما أن هناك من احترف التجارة ومنهم من تفرغ للنشاط العقاري، ومنهم من يشتغل سائقا للطاكسيات، ومع كل هذا مازالت الجماعة تصرف للجميع راوتبهم بشكل منتظم. ألا يحق لنا أن نسائل وزارة الداخلية الوصية على قطاع يعاني من هذه الظاهرة ؟ ألا يحق لنا أن نتساءل عن طبيعة خطط الوزارة لمحاربة ظاهرة الموظفين الأشباح بالجماعات المحلية ويحق لنا أن نتساءل عن مآل مشروع إعادة انتشار موظفي الجماعات وتيسير انتقالهم للعمل في قطاعات عمومية أخرى هي في حاجة إلى موارد بشرية ؟ وفي انتظار إيجاد الفقيه القادر على طرد هؤلاء الأشباح ومنع ظهورهم واختفائهم مرة كل ست سنوات، وفي انتظار اتخاذ القرارات المناسبة في حق كل من يسهل اختفاءهم ، ستستمر لعبة الظهور والاختفاء إلى حين وصول موعد الاستحقاقات الجماعية القادمة.