تصدر خلال الأيام القليلة المقبلة، الترجمة العربية لديوان الشاعر البرتغالي كازيميرو دو بريتو «كثافات» عن «دار التكوين» في دمشق، وقد نقلها إلى العربية الزميل إسكندر حبش. ودو بريتو واحد من أبرز جيل 61 الشعري، الذي خرج من عباءة فرنانادو بيسوا، ليكتب قصيدته الخاصة، بعيدا عن ذاك الفضاء الذي رسمه بيسوا عبر الأسماء والشخصيات الكثيرة التي كتب بها. ولا يخفي دو بريتو أنه ذو «أصل أندلسي» أو بالأحرى يفضل أن يقول إنه «عربي من جنوب أوروبا». ولا يعتبر كلامه هذا مجرد مزاح بل إن اقتناعه يتخطى حتى هذه العلاقة الثقافية المجردة لينحو إلى موقف حقيقي يستمد حضوره، أولا من التاريخ، ويحدد تاريخ بلاده. ولد الشاعر في «لوليه» (منطقة الألغراف) العام 1938 وهي المنطقة التي عاش فيها البربر مدة 7 أو 8 قرون، لذلك يجد «أن تلك الدماء تجري في عروقي على الرغم من أن التاريخ، للأسف، يحاول أن يمحو ذلك». بالإضافة إلى ذلك، يقول كازيميرو إنه بدأ الكتابة مثل العرب القدماء ويقصد بذلك أنه ينتمي إلى التقليد الشفهي في الكتابة، وهو التقليد الذي جعله مختلفا عن زملائه. في «كثافات» يميل الشاعر إلى الاختزال في قصيدته وكأنه يقترب كثيراً من الهايكو، وهو الفن الشعري الذي اكتشفه حين درس في انكلترا، حيث تبدت له هذه القصيدة المختزلة التي لعبت دوراً حاسماً في مساره الكتابي والشعر. هنا بعض قصائد هذا الكتاب. (1) أشاهد في باخرتي الحجرية مرور الزمن. إن كنت ارتديت ثياب الربيع من الطبيعي أن أفقد أوراقي قريباً. (2) أنام على البقعة التي تركتها على ثنايا الشرشف. لمعان ناءٍ. أسمع تنفس الهواء التموج الذي يباعدنا ويوحدنا. (3) كم سنة مرت وأنا جالس كي أرى البحر؟ حبٌّ بلا صدع. (4) ممددٌّ بين الكثبان بين الشمس التي تولد والريح المعطرة حيث أبدو هشاً حيث أنني منحوتة. (5) لا تغني أصابعي فقط حين أكتب. أأستطيع أن أقرأ النص الذي تُصفّيه حين تحب. ليس فقط حين أكتب تغني أصابعي. هكذا أستطيع أن أصفّي الخمر الذي تنسجه حين أحب. (6) خطوط الرغبة. شراشف الكتّان أصابها النسيم، دمرتها الريح. أفراس في عيد في شقائق نعمان الدماء التي تنفتح بتوهج؛ بذرة على الملعقة المترددة، في صدفة اللسان المعطرة. (7) أرقص على ظهر المياه الغاسلة الحرارة؛ أرقص وآمر الجراح الصامتة في قعر السماء. (8) أرحل مع الريح. الغبار الطافي في الهواء سيكون خبزاً كافياً. (9) الحب شعلة حبّ مرتحل لا يؤمن بالموت، فقط بذوبان العشاق السحري. (10) الحقيقة المطلقة حين يصطاد الصياد أو حين أسمع قيثار المقصبة. الحقيقة المطلقة، الابتسامات الندية التي وجدت في بومبيي ظلّ الغيوم على الأرض التي تمر. أو حين أشعر أنني أموت وأتمدد على النهد القاتم. (11) الكتب جافة كما لو أنها أشجار بلا هواء أشباح تصبح فجأة ذات فقريات بسبب مياه الذاكرة. (12) يتراكم الضباب حول المنزل. تقليد الشرنقة حيث نقيم. (13) أثار أسنانك على جلدي مزهرية مضاءة بالعاج الأقصر. (14) تتمازج أقمشة الخير والشر حين أبتعد عن الخشبة حين أجلس أرضاً على فم الكنز النسائي. (15) بهاء الوردة تدوم حياة بأسرها. في ذاكرتي. (16) عمّا قريب المزهرية التي فرغت ستمتلئ مجدداً ستكون كريمة ومستعدة لسخرية كل شيء. (17) لا أعرف إن كانت الشجرة منحوتة أو نبعاً حيّاً. أعرف أننا نتحدث لغة قاتمة قريبة من الموسيقى. (18) تغنين في النعاس. إنها ورود ورود بلا عدد تعطيني إياها. أقطف بصمت عطرها.