صدرَت الطّبعة الأُولى من رِواية «ساق البامبو» للأديب الكويتي سعود السنعوسي عام 2012، عن الدار العربيّة للعلُوم ناشرون في بيروت(تقع في 396 صفحة من الحجم المتوسط)، ولم يأتِ فوزُهَا بالجائزة العالمية للرواية العربية «البوكر» لعام 2013 من فراغ، فهذِه الرواية تتوَفّرُ على مُعظمِ مُقوّمات النّجاح والتألّق والتأثير في قارئِها؛ الذي يشعُر بأنّه أمامَ نَصٍّ مُغاير ومختلِف عن النصُوص الروائية السائِدة والمألُوفة التي لا تضيفُ شيئاً إلى مُخيّلة وثقافةِ المُتلقّي. في اللّمحة الأُولى من الرواية، يُوهم السنعوسي القارئ أنّها(ساق البامبو) مترجَمة عن اللغة الفلبّينية، فيضعُ في مقدمتها استهلالَ المترجِم وتوضيحاته بأنّه ينقُل العملَ كمَا جاءَ من كاتبهِ، ويخاتلُ قارئهُ أيضاً زاعماً أنّ صاحبَ العمل هو خوزيه ميندوزا، البطل الرئيس على طول الرواية، لكنّها ليست أكثر من حيلةٍ لتوريط القارئ، وربما لمآرب أخرى في نفسِ السنعوسي . تتحدّثُ الرواية عن مُشكلة العاملين والعاملات الوافدين إلى الكويت، والمشاكل التي يواجهُونَها، والتي يخلّفونها أيضاً في بلادهم الأصليّة، وبطل الرواية عيسى أو"خوزيه"، هو طفل حملت به أمّه جوزافين الخادمة الفلبينية، سفاحا،ً من مستخدمها الكويتي راشد عيسى الطاروف، لكنّه كتبَ عليها عقد زواج عرفي بعد أن ظهرَ حملُهَا، وسط معارضةِ والدته خوفاً من العادات الاجتماعية والمكانة الطبقيّة للعائلة، ليقُوم بإرجاعها(جوزافين) إلى بلادها بعد أن أنجبت طفلهما عام 1988، ثمّ ألحقها ورقة الطلاق بعد ذلك، إلاّ أنّهُ دأب على بعث مبالغ نقديّة لها، إلى أن اختفت آثارُه أثنَاء احتلال العراق للكويت، ليظهرَ جثمانُه لاحقاً في مقبرةٍ جماعيّة قُربَ كربلاء في العراق، وليعيش" خوزيه" في كنفِ والدته عندَ جدّه لأمّه الذي كان مدمنَ كُحولٍ ومقامراً أصيلاً، كما أنّه يهوى صراعَ الديكة. وبعد حياة عسيرة وفقرٍ وحرمان، بالإضافة إلى زواجِ والدته ثانيةً من بحّار فلبينيّ، يعودُ خوزيه/عيسى إلى الكويت بمُساعدةٍ من غسّان صديق والده، وهو أحد شُهود عقد زواجِ والديه، لكن جدّته لأبيه غنيمة وهي أمّ لثلاث بنات، والتي كانت تحلُم بأن يكُونَ لها حفيدٌ من ابنها الوحيد راشد يحملُ اسم العائلة، لم تتقبّلهُ، خوفاً من العادات التي قد تكونُ سبباً في عدم زواج بناتِهَا، لو انكشف أمرُ حفيدِها ابن راشد من الخادمة الفلبينيّة جوزافين، في حين تباينَت مواقِفُ عمّاته، فعواطف قبلته وأشفقَت عليه، بينمَا رفضتهُ نورية بعنفٍ خوفاً من أن يكون سبباً في طلاقِها لو عرفَ زوجها بأمرِه، بينماَ قبلته عمّتُه هند ولو على مضَض، إلاّ أنّ التي أحبّتهُ بشكلٍ صادق هي خولة، أختهُ من زوجة أبيه الثانية، التي تركت طفلتَها برعايةِ جدّتها لأبيها وتزوّجت من آخر، بعد مصرَعِ راشِد. تتلاحقُ أحداث الرواية فيُدرِكُ (خوزيه /عيسى) أنّ حياتَهُ في الكويت تلفظُه لأنّ عائلته عالقةٌ في حياةٍ أُخرى عجزَ عن تفسيرِ تناقُضاتِها اتجاهه بكلّ ما أُوتي من عقلٍ وضمِير، ليقرّر أن يعُود إلى الفلبين للزواجِ من ابنة خالته(ميرلا) الفاتِنة، والتي أحبّهَا وخافَ عليهَا من الضياعِ مثله. في ختام الرواية، يرسُم (المؤلف) مشهداً مُؤثّراً :(خوزيه /عيسى) في منزله الفلبيني مع زوجته (ميرلا) وابنه الصغير راشد، أثناءَ متابعتهِ لمباراة تصفيات كأس العالم 0201، بين كلّ من منتخبي الفلبّين والكويت، وأمام تداعيات ملتبسَة حيال مشاعِره بين الفريقين يردّد مع كلّ فريقٍ نشيدهُ الوطنيّ، لينسحبَ بعد ذلك من مشاهدةِ المُباراة أثناءَ تعادُلِ الفريقين، وقبل نهايتهَا، مُحدّقاً في أسارير طفلهِ (راشد) ذات الملامح العربية السمراء التي تُشبِه ملامح وجوه (آل الطاروف) خاصّةً وجه(راشد عيسى الطاروف)؛ تلكَ الملامح التي خذلت(خوزيه/عيسى) وجعلتهُ منبوذاً من قِبَلِ عائلة (الطاروف). إنّ الرواية قد قاربت موضُوعاً إنسانياً بالغ الجرأة والحساسية، إذ جعلت من إشكالية (الآخر) في المجتمع الكويتي فضاءً لأحداثِها، وقدّمت من خلالِها تجربةً فنيّة عميقة الدّلالة في الكشفِ عن الأنماط القبليّة التي تحكُم العقل الجمعي حيال قبُول الآخر، عبر فضحِ ما يختزِنُه ذلك المُجتمع من تناقضات، وإشكالات تضَعُه مباشرةً أمام أحد أهمّ القضايَا الأخلاقية المُتّصِلة بحقُوق الإنسان.