تدارس عدة باحثين مغاربة وأجانب، يوم الجمعة بفاس، مختلف الجوانب المتعلقة بتدريس التصوف كثقافة في العصر الحالي، والمتمثلة أساسا في جدوى هذا التدريس في ضوء التطور المتلاحق الذي يشهده العالم على كافة الأصعدة، والجهات الملقنة لهذه الثقافة وتلك المتلقية لها. ودار نقاش بين المتدخلين والجمهور حول مائدة مستديرة تمحورت حول سؤال: «هل يمكننا تدريس التصوف كثقافة في عصرنا الحالي؟»، وذلك في إطار الحلقات الفكرية المبرمجة ضمن الدورة العاشرة لمهرجان فاس للثقافة الصوفية، المنظمة من 14 إلى 21 أكتوبر الجاري، تحت الرعاية السامية لجلالة الملك محمد السادس. وأجمع المتدخلون على إمكانية بل وجوب تدريس التصوف كثقافة في العصر الحالي، باعتبار أن القيم الفكرية والروحية الرفيعة التي يزخر بها التراث الصوفي تساهم في تهذيب السلوك البشري والرقي بالإنسان إلى السمو الروحي، من خلال إشاعة الجمال والمحبة والسلام، والصدق، والتسامح، ونكران الذات.. وأوضحوا أن التصوف، بخلاف الفهم السائد، ليس مجرد ممارسة شعائرية مقصورة على فئات معينة وأماكن محددة، بل هو يحمل بعدا معرفيا كونيا يتعين سبر أغواره واستثمار درره لإسعاد البشر من خلال إرواء عطشهم الفكري والروحي، مبرزين أن ثمة إمكانات للتعرف على المجال الصوفي، العرفاني والذوقي والروحاني من خلال مجالات ثقافية، تتمثل بالأساس في الإبداعات الشعرية العظيمة للصوفية، والحكايات والأعمال الموسيقية.. وبين الباحثون أن التجليات الفنية والجمالية للثقافة الصوفية تحمل قيما كونية وهي ليست مقصورة على طائفة بذاتها أو على مجتمع أو دين معين، مشددين على أن القدرة على إبراز هذا الأفق الكوني هي الكفيلة بأن تدفع الناس إلى إعادة اكتشاف التصوف كعماد فكري وزاد روحي تجد الإنسانية نفسها اليوم في أمس الحاجة إليهما. ودعوا إلى تسليط الضوء على الإنتاج الصوفي المتنوع والثري في أبعاده الفلسفية والأدبية والجمالية، وانتقاء نصوص وإبداعات كبار الصوفية وتلقينها عبر العالم، خاصة في صفوف الشباب، مع الأخذ بعين الاعتبار الخصوصيات الجغرافية والمحلية والثقافية، واعتماد آليات مؤسساتية لذلك، وتكوين ملقنين مؤهلين لتحقيق هذا الهدف الإنساني السامي المتمثل في زرع بذور التربية الفضلى والسلوك الحسن، وتخليق الحياة العامة، وأيضا الإجابة عن أسئلة وهواجس أولئك «الحيارى والمنكسرة قلوبهم» في عالم تنخره شتى مظاهر الأزمات، والصراعات والقلاقل. وتتمحور الموائد المستديرة المبرمجة ضمن النسخة العاشرة من المهرجان، التي اختير لها شعار: التصوف في لقاء حكم العالم . طريق التصوف من المغرب إلى الهند»، حول عدة مواضيع منها: «الثقافة الصوفية كفن للعيش»، و»مكانة التصوف في الثقافة العربية المعاصرة»، و»التصوف، الفن والشعر»، و»التصوف، تراث حي». وبالإضافة إلى ذلك، تقام يوميا في حديقة «جنان السبيل» أمسيات فنية وحلقات للذكر، لفرق ومجموعات مغربية وأجنبية، فيما يختتم المهرجان بسهرة كبرى تقام غدا السبت بفضاء «باب الماكينة» التاريخي.