في ملتقى «القافلة الامريكية للسلام» نشر رسالة السلام من خلال الثقة والتعاون بين الأديان تفعيلا لإعلان مراكش التاريخي ابن بيه: إعلان مراكش يصون المشترك الإنساني ويحفظ الكرامة الكعبي: دروب السلام انطلقت من أبوظبي مدينة التسامح والسلام
برعاية سامية من جلالة الملك محمد السادس وبالتعاون مع «منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة» برئاسة أحمد التوفيق، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، والشيخ عبد الله بن بيه رئيس «منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة» ، انطلقت فعاليات المرحلة الثانية من استراتيجية «قافلة السلام الأمريكية»، يوم أمس بالرباط ، بحضور ممثلي الأديان الإبراهيمية في أكثر من عشرين ولاية أمريكية، إلى جانب كوكبة من العلماء والمفكرين والشخصيات الرسمية والثقافية، من بينهم الدكتور محمد مطر الكعبي، أمين عام منتدى تعزيز السلم، ورئيس هيئة الأوقاف والشؤون الإسلامية في دولة الإمارات، والدكتور وليام فندلي رئيس منظمة أديان من أجل السلام، والحاخام روبي بروس لاستيك، كبير حاخامات الطائفة اليهودية في واشنطن، والقس بوب جين روبرتس كبير القساوسة في دالاس، وآخرين. وقال أحمد توفيق إن قضية البحث الدائم عن سبل السلام تستحق بالفعل من جميع الحكماء أن يسيروا قدما في قافلة سلام لا تعرف حدودا ولا هوادة. وذكر أحمد التوفيق في كلمته الافتتاحية بالرسالة الملكية التي وجهها الملك محمد السادس إلى لقاء مراكش، المتعلق «بحقوق الأقليات الدينية في العالم الإسلامي: الإطار الشرعي والدعوة إلى المبادرة»، وقال «إننا في المملكة المغربية لا نرى مبررا لهضم أي حق من حقوق الأقليات الدينية، ولا نقبل أن يقع باسم الإسلام ولا نرضاه لأحد من المسلمين، ونحن في اقتناعنا هذا، إنما نستلهم الفهم الصحيح لمبادئ الدين، كما نستلهم تراثنا الحضاري وتاريخ هذه المملكة العريقة في التعامل النبيل بين المسلمين وبين غيرهم من أتباع الديانات». وشدد أحمد التوفيق، بنفس المناسبة، على مسيرة المملكة المغربية لصيانة الثوابت الدينية، وتأطير حياة المتدينين بتفسير رحب يتجاوب مع مقاصد الدين، ولاسيما في باب الحرية والعدل، واحترام الآخر، وأدنى درجات هذا الاحترام هو الكف عن جميع أنواع الأذى، مضيفا في هذا السياق وبهذا «ترصي المملكة بناءها على ثوابتها وتلائم صيانة تلك الثوابت مع مسيرتها في الرقي بالأساليب والآليات الحديثة دون أي تفاوت مع هويتها الدينية والوطنية». وأوضح وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، متوجها للفعاليات والشخصيات الحاضرة في هذا اللقاء قائلا «يحتاج منا فهم الأصل الثابت للكلمة الطيبة في الأرض إلى فهم تجلي الله تعالى على الخلق في التاريخ، بعد توالي الوحي والرسالات التي بلغها رسله عليهم السلام، وبعد انقطاع الوحي، وهذا الفهم ضروري للملاءمة مع العصر، وهي مشكلة رأي عام ينبغي أن يتوجه إليه عملكم التوجيهي والتربوي». وأضاف التوفيق على أن «بمسؤولية الانكباب على قضايا تعزيز السلم في علاقة مع عديد من القضايا وعلى رأسها القضية التي تناولها إعلان مراكش، تواجهون تحديات، بوصفكم مؤتمنين دينيين من قبل جماعاتكم، ومن هذه التحديات توضيح الكلمة الطيبة المؤثرة تقدم على شكل نصيحة لله ولرسله وللمؤمنين وعامة الناس وأصحاب القرار منهم خاصة». وأبرز التوفيق في هذا الاتجاه أن رجل الدين شاهد موضوعي، وما أصعب التشخيص، ولكي يكون الشاهد موضوعيا ينبغي أن يملك حريته، وموضوع تأهيل الناس للحرية هو مشروع الأشخاص النموذجيين في الدين، موضحا في نفس الوقت أن الأمر بعبارة أخرى، يتعلق بتعزيز السلم في النفوس لكي تتحرر من الطغيان، ولا يخفى عليكم أن السياق له دور كبير في تيسير هذه المهمة أوتعسيرها، أي السياق العالمي في توجهاته الكبرى. و أكد بهذا الخصوص أن حكماء هذا العالم سيقومون بالتشخيص الصحيح لكل المشاكل إذا عرفوا أن أصل الداء هو التطرف بكل أشكاله وميادينه، وأن التفاهم من أجل التضامن هو سبيل حل المشاكل وصيانة إنسانية الإنسان، موضحا في هذا الصدد على أن هذه الإنسانية هي إنسانية لها بداية ونهاية، وخالق وغاية، وبالتالي فإن القضية الكبرى فيها استحضار معنى الحياة، في ارتباط بين هذه الحياة والحياة الأخرى، وأن هذا المعنى وهذا الارتباط هما معادلة الاعتدال. ومن جهته توجه الشيخ عبد الله بن بيه رئيس «منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة» في كلمة له بالشكر إلى جلالة الملك محمد السادس على الرعاية الملكية السامية، التي تؤكد حرص عقلاء المسلمين على مد جسور السلام والوئام بين أبناء مختلف الأديان؛ من أجل عمارة الأرض بالخير والجمال وحماية حقوق الإنسان، حسب إعلان مراكش التاريخي، «لأننا كلما تأملنا مختلف الأزمات التي تهدد الإنسانية ازددنا اقتناعاً بضرورة التعاون بين جميع أهل الأديان وحتميته واستعجاليته. وهو التعاون على كلمة سواء قائمة لا على مجرد التسامح والاحترام بل على الالتزام بالحقوق والحريات التي لا بد أن يكفلها القانون ويضبطها على صعيد كل بلد. غير أن الأمر لا يكفي فيه مجرد التنصيص على قواعد التعامل، بل يقتضي قبل كل شيء التحلي بالسلوك الحضاري الذي يقصي كل أنواع الإكراه والتعصب والاستعلاء». وقال الشيخ ابن بيه إن إعلان مراكش يدعو مختلف الطوائف الدينية التي يجمعها نسيج وطني واحد إلى معالجة صدمات الذاكرة الناشئة من التركيز على وقائع انتقائية، ونسيان قرون من العيش المشترك على أرض واحدة، وإلى إعادة بناء الماضي بإحياء تراث العيش المشترك، ومد جسور الثقة بعيداً عن الجور والإقصاء والعنف. داعياً ممثلي مختلف الملل والديانات والطوائف إلى التصدي لكافة أشكال ازدراء الأديان وإهانة المقدسات وكل خطابات التحريض على الكراهية والعنصرية. وأكد الشيخ ابن بيه أن هذا اللقاء كما كان اللقاء الأول في مدينة أبوظبيبالإمارات العربية المتحدة، بلد زايد، فضاء المحبة والتسامح، حيث لمستم تلك الروح، بحثاً وإحياء لروح التعايش السعيد بين الديانات، وحثاً على مبادئ التسامح والتعارف. ما أكَّدَ قناعتي بالاستعداد والإمكان لتحقيق التحالف بين الديانات؛ لإنقاذ سفينة البشرية من الغرق في بحور الحروب والدمار. متمنياً على المؤتمرين التذاكر حول تفعيل إعلان مراكش الذي يستبطن دعوة للتعايش بين الديانات والثقافات، وهو بهذا يؤسّس لمرحلة جديدة من الفهم العميق للاستفادة من تراث الماضي لبناء تعايش في الحاضر والمستقبل، ويبين واجب رجال الدين في البحث في نصوصهم الدينية وتاريخهم وتراثهم؛ ليجدوا أساسا وينبوعا للتسامح والتعايش وتفعيل المشتركات. وأضاف الشيخ ابن بيه أن إعلان مراكش يعلي أول مشترك إنساني ألا وهو كرامة الإنسان، ذلك لأن البشر جميعاً،على اختلاف أجناسهم وألوانهم ولغاتهم ومعتقداتهم، كرمهم الله عز وجل بنفخة من روحه في أبيهم آدم عليه السلام، كما في قوله تعالى: «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَم». وتكريم الإنسان اقتضى منحه حرية الاختيار: «لَا إِكْرَاهَ فِي الدّين»، و»َلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِين». وأكد على «أنه سيكون من المناسب أن يكون لقاؤنا القادم في واشنطن لإظهار تضامننا، وتوسيع دائرة هذه القافلة لتتحوّل إلى صيغة تعاون ومجال مشترك للتفكير والعمل من أجل السلام والوئام ويمثل نوعاً من «حلف الفضول»، ينمو من أجل خير الإنسانية». وشكر الدكتور محمد مطر الكعبي، أمين عام «منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة»، رئيس هيئة الأوقاف والشؤون الإسلامية في دولة الإمارات، المملكة المغربية على استضافة القافلة برعاية ملكية سامية من جلالة الملك محمد السادس. وثَمَّنَ عالياً جهود جلالته المتميزة في تعزيز السلام العالمي؛ لما فيه خير الإنسانية. وقال الدكتور الكعبي إن العلاقة بين دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة المغربية الشقيقة وثيقة وعريقة في مختلف المجالات، وبخاصة المجالين الديني والإنساني. ولذلك من الطبيعي أن يأتي ملتقى القافلة الأمريكية للسلام في الرباط بعد لقاء ناجح ومثمر في أبوظبي مطلع مايو الماضي، وهو تأكيد مباشر على أن دروب السلام تنطلق من أبوظبي مدينة التسامح والسلام، التي احتضنت محطة «قافلة السلام الأمريكية» الأولى، وأرست سبل التفاهم على ضرورة البحث عن حلول ناجعة؛ لحل جميع المشكلات التي تهدد التعايش العالمي. ملاحظاً أن الحكماء والعقلاء الذين اجتمعوا في أبوظبي آمنوا بأهمية إنشاء حلف فضول عالمي يضم الديانات المختلفة، ويرتقي بالقيم الإنسانية إلى المستوى الذي أراده الله سبحانه وتعالى لخليفته في الأرض. وأكد الدكتور الكعبي أن دور الإمارات في ترسيخ ثقافة التسامح وتعزيز السلم العالمي معروف ومشهود، منذ التأسيس، حيث أرسى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان دعائم ثقافة الأخوة والتكامل والتواصل الإنساني النبيل، فصارت الدولة أرض المحبة والسلام، وبوتقة التعايش الإنساني السعيد؛ لأكثر من مئتي جنسية من مختلف الإثنيات والأعراق. مشيراً إلى أن دولة الإمارات كانت سباقة إلى إصدار قانون تجريم ازدراء الأديان ومكافحة الكراهية والتمييز ومكافحة الإرهاب. وسيتواصل ملتقى «القافلة الأمريكية للسلام»على مدى ثلاثة أيام من أجل نشر رسالة السلام من خلال الثقة والتعاون بين الأديان تفعيلا لإعلان مراكش التاريخي.