خلّد العالم أمس الأحد 15 أكتوبر فعاليات اليوم العالمي لغسل اليدين، الذي يعد حدثا صحّيا تحسيسيا بامتياز، لما لهذه الخطوة التي لا يعيرها الكثير من الناس اهتماما، من أهمية قصوى لتجنب العديد من الأمراض وانتكاساتها، التي قد لايقف تأثيرها عند حدود تداعيات صحية عابرة، بل يمكنها أن تتسبب في معضلات وخيمة. حدث عالمي، باتت ترافقه انطلاقا من سنة 2008 وخلال كل سنة، حملة تواصلية شاملة لحث ملايين الأشخاص في العالم أجمع على غسل أيديهم بالماء والصابون باعتبار هذه الخطوة البسيطة التي تتطلب حيّزا زمنيا قصيرا، تعد عاملا أساسيا في الوقاية من الأمراض. وتم التركيز خلال أول سنة على التأسيس لهذا الحدث على غسل اليدين عند أطفال المدارس، إذ تعهدت الأطراف المشاركة بتوعية أكبر عدد ممكن من أطفال المؤسسات التعليمية لغسل أيديهم بالصابون في أكثر من 70 دولة، وذلك بهدف التقليص من أعداد الوفيات نتيجة الإسهال وتبعاته.
الحديث عن ضرورة غسل اليدين بالماء والصابون، يتعيّن معه استحضار البنيات المتوفرة على شروط تحقيق هذه الخطوة، سواء بالمؤسسات التعليمية، أو بعدد من الإدارات والفضاءات العمومية وبالشارع العام، وهو مايصبح معه الأمر متعذرا بالنظر إلى كون العديد من المرافق الصحية هي بدائية، عشوائية، خصوصية غير مفتوحة في وجه العموم، أو مفتقدة بشكل نهائي، كما هو الحال بالنسبة لكبريات المدن كالدارالبيضاء والرباط، التي تحرم السكان والزوار من مراحيض عمومية، تجعل من قضاء حاجاتهم أمرا عسيرا، تفتح معه الباب على كل المشاهد الشائنة المتخيّلة، تحت ذريعة رفع الضرر! الدارالبيضاء وأمراض الخلاء أضحت مشاهد التبوّل أو التغوط، وبكل أسف، طقسا يوميا متّبعا، ليس في الأراضي الخلاء والبقع الفارغة، أو في المداشر، بل حتى في شوارع وأزقة المدن الكبرى كما هو الحال بالنسبة للدارالبيضاء، وبات مشهد شاحنة متوقفة، أو سيارة أجرة، ترجّل منها سائقها واحتمى بباب وسيلة النقل من أجل «الاعتقاد» بكونه أضحى غير مرئي، أمرا «عاديا»، حتى يقوم بإفراغ حقينته ومابجعبته من سموم في الشارع العام، وكذلك الأمر بنسبة لراجلين حاقنين، بعضهم «يتوارى» وآخرون لايجدون حرجا في إشهار أعضاءهم التناسلية أمام المارة والتبول بدعوى قضاء الحاجة، الذي هو عسر قاهر للبعض خاصة لمن هم يعانون من داء السكري وغيرها من العلل، أو خطوة وقحة بالنسبة للبعض الآخر، لإتيانهم هذا الفعل أمام العلن؟ مشاهد شائنة، تلويث للفضاء العام، إيذاء مادي ومعنوي، ما كان ليكون لو سهرت جماعة الدارالبيضاء ومقاطعاتها على إحداث مراحيض عمومية، التي كان بعضها متواجدا منذ فترة الحماية وتم إقبارها في عهد الاستقلال، أو حرصت على اعتماد تجارب حديثة في هذا الصدد، كما هو الشأن بالنسبة للمراحيض الإيكولوجية، ولو عملت على إعداد قنوات الصرف الصحي بالنسبة لساكنة العديد من المناطق والأحياء الصفيحية منها وفي المداشر وغيرها، لكن يبدو أن فضاءات قضاء الحاجة، هي تشكل آخر اهتمامات القائمين على تدبير الشأن العام والمسؤولين عن الصحة بالجهة، خاصة وأن لبعضهم ازدواجية القبعة التي تمكنهم من وضع اليد على المجالين معا؟ قضاء للحاجة بأي شكل من الأشكال، وفي غياب ماء لغسل الأيدي، هو مؤشر على كمّ الأمراض التي يمكن أن يكون عرضة لها كل مقدم على هذا الفعل في الشارع العام، وعدد الأشخاص الذين قد يعمل على نقل الجراثيم المجهرية إليهم، مسهما في نشر دائرة المرض، التي كان من الممكن تطويقها لو توفرت الشروط الصحية لذلك. مؤسسات بدون ماء المرافق الصحية، وتوفير الماء مع الصابون لغسل الأيدي من عدمه، شكّل في وقت سابق محور تقرير لليونسيف، التي كانت قد أعلنت عن أرقام صادمة، تبرز أن حوالي ستة آلاف مؤسسة تعليمية عمومية في المغرب لا تتوفر على مرافق صحية أو مراحيض، مما يعرض التلاميذ إلى مخاطر صحية، ويؤدي ذلك إلى انقطاعهم عن الدراسة، خصوصا في صفوف الفتيات، في الوقت الذي سبق وان أكّد احد المسؤولين ردا على هذه الأرقام أن العدد قد تقلّص إلى أقل من 5200 مؤسسة تعليمية لا تتوفر على المرافق الصحية، 99 في المئة منها بالعالم القروي، دون أن نتحدث عن وضعية تلك التي تتواجد في المدن، والتي يلزم لولوجها التوفر على قناع، ووضع قفازات، واعتمار أحذية بلاستيكية من نوع «البوط»، حتى لايغادرها مستعملها محمّلا بفيروس مرضي، مع ضرورة إحضاره الصابون المفتقد لغسل اليدين لتفادي الأمراض الوسخة؟ زاكورة والعملة المفقودة الولوج إلى الماء من اجل الشرب فبالأحرى غسل اليدين هو أمر ليس في متناول الجميع، على اعتبار أن هناك مناطق في المغرب هي تفتقد للماء بشكل كلي، وأخرى يتزود فيها المواطنون بخمس ليترات من الماء للفرد الواحد على مدى أسبوع، وهو مايشكّل تربة خصبة لانتشار الأمراض، هذا في الوقت الذي تعاني فيه مناطق من انقطاعات متكررة في هذه المادة الحيوية الأمر الذي دفع ساكنتها إلى الخروج للشارع والاحتجاج كما هو الحال بالنسبة لزاكورة، التي رفع فيها هذا المطلب منذ 14 شتنبر الفارط، عبر تنظيم مجموعة من الوقفات والمسيرات الاحتجاجية السلمية المتعددة، وعوض الاستجابة لمضامين شعاراتها تطورت أحداثها وأسفرت عن مواجهات واعتقالات في أوساط المواطنين المطالبين بحقهم من الماء؟ الماء عوض الدواء أكدت الدكتورة نادية شوقي، اختصاصية في طب المواليد الرضع والأطفال، في تصريح ل «الاتحاد الاشتراكي» أن غسل اليدين يعدّ خطوة جدّ مهمة وذات فعالية قصوى لتفادي الإصابة بعدوى نزلة البرد أو الأنفلونزا الموسمية، والحد من انتقالها من شخص مريض إلى آخر، خاصة الرضع والأطفال، وتحديدا في هذا الموسم الذي يكثر فيه هذا النوع من الأزمات الصحية. وشدّدت الدكتورة شوقي، على أنه يتعين على الآباء والأمهات تزويد الأطفال بمجموعة من النصائح، خاصة أولئك الذين يرتادون المؤسسات التعليمية، وذلك لتفادي سبل انتقال العدوى إليهم من أطفال مصابين، كالمصافحة، السعال والعطس في الوجه الذي يؤدي إلى انتقال الأمراض عبر الرذاذ، مع حثهم على الإكثار من غسل اليدين بالماء والصابون. ودعت الاختصاصية في طب المواليد والرضع الأمهات في المنازل إلى القيام كذلك بخطوات وقائية من قبيل غسل الأسطح بالمنظفات المطهرة وبماء جافيل، والحرص على اتباع نظام غذائي متوازن، غني بالفيتامينات الطبيعية، وبمواد مقوية للجهاز المناعي كما هو الشأن بالنسبة للثوم، التين، زيت الزيتون، والإكثار من شرب الماء، والعصائر الطازجة. واختتمت الدكتورة نادية تصريحها، بالقول «إن غسل اليدين بالصابون والماء هو خطوة قد تجنب الكثيرين العديد من الأمراض وتغنيهم عن تناول الدواء». غسل اليدين ضرورة صحّية من جهته أكد الدكتور مصدق مرابط، وهو طبيب عام، ل «الاتحاد الاشتراكي» أن كل التقارير الصحية وخلاصات الدراسات والأبحاث تشدد على أهمية النظافة، وإلى دور الماء في تحقيق النقاء المادي والمعنوي، مبرزا أن الأيدي المتسخة تساهم ف ينقل العديد من الأمراض، خاصة بالنسبة للأطفال وعموم الأشخاص الذين يعاني جهازهم المناعي من الضعف. وأوضح الدكتور مصدق أن الأطفال الصغار، يكونون خلال هذه الفترة من السنة عرضة للعديد من الأمراض الموسمية، على رأسها نزلات البرد التي تتمثل أعراضها في السعال ورشح الأنف، مع ارتفاع درجة الحرارة عن 38 درجة، إضافة إلى صعوبة التنفس، واتخاذ البلغم اللون الأصفر أو الأخضر أو الرمادي، أو تغير لون الشفاه أو الأظافر إلى الأزرق، مضيفا « يصاب الكثير من الأشخاص وتحديدا الأطفال بالمرض نتيجة ملامسة الألعاب، مقابض الأبواب، عربات التسوق المجرورة، وغيرها من الأسطح التي تنتعش فيها الفيروسات، لهذا يجب الحرص على غسل اليدين بالماء والصابون والإكثار من هذه الخطوة وعدم التقاعس عن القيام بها، لما لها من دور وقائي كبير بالغ الأهمية» واختتم الدكتور مصدق تصريحه بالتأكيد على أن الأشخاص الذين يعانون من مشاكل صحّية على مستوى القلب أو أمراض الرئة أو ضعف المناعة، هم مدعوون أكثر من غيرهم لمداومة غسل اليدين. تداعيات انعدام النظافة تؤكد الأرقام أن أزيد من 30 في المئة من حالات وفيات حديثي الولادة تعود أسبابها إلى انعدام النظافة والإصابة بالعدوى لحظة الولادة، بينما يمكن لحركات بسيطة أن تساهم في تفادي ذلك، وأن تمكّن من إنقاذ حياة الآلاف كل سنة، على اعتبار أن من بين كل 600 ألف ولادة جديدة سنويا بالمغرب تتعرض 12 ألف حالة للوفاة إلى جانب 700 امرأة أثناء عملية التوليد، ينضاف إلى ذلك كلفة العلاج الباهظة للمصابين بالإعاقة التي تتعرض لها 12 ألف امرأة وحوالي 24 ألف من حديثي الولادة أغلبها إعاقات عصبية حادة. تداعيات صحية ووفيات للرضع يمكن تجنبها من خلال التزام المولّدات بنظافة الأم، وغسل اليدين إلى المرفقين بالماء والصابون، على اعتبار أن اليدين تنقلان 70 في المئة من الجراثيم، لهذا تصبح عملية غسل اليدين بالماء والصابون مرادفة لإنقاذ الحياة. الحل السحري يجمع الأطباء على أن غسل اليدين بالماء والصابون هو من أكثر الأساليب فعالية والأقل كلفة مقارنة بما تتطلبه التدخلات الطبية ومستلزماتها لتجنب انتشار أنواع كثيرة من العدوى المسببة لأمراض كالإسهال والالتهاب الرئوي المسؤولة عن كثير من حالات الوفاة عند الأطفال، كما تمكّن هاته الخطوة من تفادي الإصابة بالتهابات الجلد، والتهابات العيون، والديدان الطفيلية، والالتهاب الرئوي اللانمطي الحاد، وكذا التقليص من نسب انتشار الأنفلونزا الموسمية، مشيرين إلى أن الدراسات تبرز على أن غسل اليدين يقلل نسبة الوفيات الناتجة عن الإسهال بمعدل النصف ومن الالتهابات التنفسية بمعدل الربع تقريبا، هذا في الوقت الذي تؤكد فيه منظمة الصحة العالمية على أن توفير الماء الصالح للشرب سيمكن من تقليص وفيات الأطفال بنسبة 50 في المئة. الماء، الحل السحري لكل هذه الأعطاب، وفي انتظار تعميم هذا الحق على جميع المواطنين، وتمكين المغاربة قاطبة منه، وتوفير المرافق الصحية العمومية من طرف المجالس المنتخبة، والرفع من منسوب التحسيس والتوعية بأهمية غسل اليدين، من طرف المصالح الصحية والمؤسسات المدنية، فإن مجموعة من الأمراض التي يتسبب فيها تلوث الأيدي، ستظل حاضرة دون القطع معها، مع ما لذلك من كلفة صحية واجتماعية وغيرهما، وذلك حتى إشعار آخر!