الفقرة الثانية: تسخير القوة العمومية سنتحدث في هذه الفقرة عن تسخير القوة العمومية لمؤازرة المهندس الطبوغرافي – أولا- ثم سنتحدث عن تسخير القوة العمومية لمؤازرة مأمور إجراءات التنفيذ – ثانيا – أولا – تسخير القوة العمومية لمؤازرة المهندس السماح نظرا لتكرار عرقلة عملية التحديد والمسح من طرف الشركاء أو الجوار أو سكان القبيلة، فإن المشرع العقاري قد تدخل في قانون التحفيظ العقاري07: 14 لفرض نوع من الحماية للمهندس المساح أثناء عملية التحديد، وتسخير القوة العمومية لمؤازرته استنادا إلى مقتضيات الفصل 20 من القانون أعلاه الذي ينص على أنه: " ينجز التحديد في التاريخ والوقت المعين له، ولتوفير الظروف الملائمة لإجراء عملية التحديد، يجب على وكيل الملك تسخير القوة العمومية عند الاقتضاء، بطلب من المحافظ على الأملاك العقارية أو من كل من له مصلحة….." . وعمليا فإن تسخير القوة العمومية يتحدد وفق كل حالة على حدة، فإذا تبين له من خلال التنسيق مع الضابطة القضائية والسلطة المحلية أن هناك نزاع "قبلي"أو تواجد جماهير غفيرة في العقار موضوع التحديد ،فإنه يأمر بتوفير عدد كبير من الدرك الملكي والقوات المساعدة إذا كان العقار في العالم القروي، أما إذا كان العقار في المجال الحضري فالأمر سيان حيث يتم تكليف الشرطة القضائية عوض الدرك الملكي. أما إذا اتضح له أن الأمر عادي ،وأن هناك فقط أشخاص على رؤوس الأصابع فإن الضابطة القضائية قد لا يتجاوز عناصرها ثلاثة أفراد إضافة إلى المقدم والشيخ وأحد عناصر القوة العمومية. مع الإشارة أنه يستوجب على المهندس المساح الطبوغرافي القيام بعملية التحديد في المرة الثانية التي أزرته فيها بالقوة العمومية بأي حال من الأحوال ولو استدعى ذلك إضافة عناصر أخرى من القوة العمومية شريطة عدم المساس بالنظام العام، وإثارة الفوضى.لماذا ؟ لأن مقتضيات الفصل 23 من ظ. ت. ع المعدل بقانون 07: 14 ينص على أن مطلب التحفيظ يعتبر لاغيا وكأن لم يكن إذا تعذر إنجاز عملية التحديد لمرتين متتاليتين بسبب نزاع حول الملك" وبالتالي فإنه لتفادي إلغاء مطلب التحفيظ ينبغي على المهندس المساح القيام بالمتعين داخل هذه المهلة المحددة في الفصل 23 أعلاه. وإن كان اتجاه أخر من الفقه يرى أن عملية التحديد التي تقام للمرة الموالية وبعد تدخل عنصر جديد والمتمثل في القوة العمومية بمثابة مرة أولى لعملية التحديد، على اعتبار أن ظروف العملية قد تغيرت، وانضم طرف جديد إلى عملية التحديد وهي القوة العمومية، فإننا نرى أنه ليس هناك ما يمنع من تقديم طلب تسخير القوة العمومية للمرة الأولى لعملية التحديد إذا تبين للمهندس المساح، أو المحافظ، أو طالب التحديد، أو كل من له مصلحة أن هناك أشخاص يصرون على عرقلة هذه العملية نتيجة نزاع قائم بينهم. ويقدم المهندس المساح أو المحافظ أو كل من له مصلحة طلب تسخير القوة العمومية إلى وكيل الملك طبقا للفصل 20 من القانون العقاري 07/14. أو إلى الوكيل العام للملك طبقا للمادة 49 من قانون المسطرة الجنائية. وبالتالي فإن كل عصيان أو إزالة للأنصاب أو السبب العلني في حق المهندس المساح أو في حقه الضابطة القضائية، فإن هذه الأخيرة تحرر محضرا وتحيله مباشرة على وكيل الملك الذي يقوم بتحريك الدعوى العمومية في حق المخالفين طبقا للمادة 02، والمادة 36 من قانون المسطرة الجنائية. إن تدخل وكيل الملك في عملية التحديد توضح لنا التوجه الجديد للمشرع لإعطاء ضمانة أكبر في حماية العقار و الحقوق على حد سواء، وهو مستجد يحسب للمشرع المغربي بخلاف ما يذهب إليه بعض الباحثين الذين يرون أنه ليس من الضروري تسخير القوة العمومية بأمر من ن. ع. والحال أن السلطة المحلية هي المختصة بتسخير القوة العمومية، لأن مهامها هي مهام وقائية قبلية . إلا أنه ما يلاحظ أن النيابة العامة كمؤسسة تدافع عن الحق العام لا زالت تتردد أحيانا في اتخاذ القرارات بالجرأة اللازمة في متابعة الأشخاص بجريمة العصيان وعرقلة عملية التحديد وإهانة موظف عمومي أثناء قيامه بمهامه. الأمر الذي يوحي للمعتدين بعدم العقاب وتكرار الفعل لمرات متعددة مما يهدد تحقيق الأمن العقاري . وبالمقابل ينبغي على المحكمة أن تدين الأشخاص المتابعين بتحقير المقررات القضائية، والمتابعين بالعصيان،ذلك أن أغلب الهيئات القضائية بالمحاكم تقضي بعدم مؤاخذة المشار إليهم أعلاه والحكم ببرائتهم في العديد من الأحكام،وهو ما يشجع على تكرار الفعل. ثانيا- تسخير القوة العمومية لمأمور إجراءات التنفيذ يمكن القول إن النيابة العامة قضاء خاص قائم الذات لدى كل محكمة، يسعى إلى تمثيل المجتمع والذود عن مصالحه العليا، فهي الخصم الشريف الذي يحرك الدعوى العمومية، ويباشرها، ويعمل ما في وسعه لحسن تطبيق القانون أمام القضاء، وتأكيد سيادته من خلال سهره على التطبيق والتنفيذ معا. والنيابة العامة من خلال هذا العمل ليست خصما عاديا في الدعوى العمومية، وإنما تمارس وظيفة أسندت لها تشريعيا تخولها جانبا من السلطة العامة . فهي الجهاز أو الهيئة التي عهد إليها المشرع بتحريك الدعوى العمومية ومراقبة سيرها إلى غاية صدور الحكم فيها و تنفيذه . لذلك فإن تنفيذ الأحكام والقرارات العقارية سواء تم البت فيها أمام المحكمة المدنية، أو أمام المحكمة الزجرية في شق الدعوى المدنية التابعة الرامية إلى إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه، هو من اختصاص مأمور إجراءات التنفيذ بالمحكمة الابتدائية المختصة، وأن هذا الأخير في حالة ما إذا توجه إلى المنفذ عليه من أجل تنفيذ منطوق الحكم أو القرار وتعرض للمنع من الدخول إلى العقار، أو الاقتراب منه، أو امتنع المنفذ عليه عن تنفيذ الحكم، فإنه يحرر محضرا بالامتناع عن التنفيذ ويحيل نسخة منه إلى السيد وكيل الملك من أجل تسخير القوة العمومية الكافية لمؤازرته بالتاريخ المحدد بالمحضر. وهكذا تقوم النيابة العامة بتوجيه أمر إلى الضابطة القضائية التي يتواجد العقار موضوع التنفيذ بدائرتها، قصد مؤازرة مأمور إجراءات التنفيذ بالتاريخ المحدد بالمحضر. والهدف من المؤازرة هو استتباب الأمن، وإرجاع الحقوق لأصحابها وتنفيذ الأحكام الحائزة لقوة الشيء المقضي به. وقرار النيابة العامة هذا الرامي إلى تسخير القوة العمومية لتنفيذ أحكام القضاء هو قرار إداري يجوز الطعن فيه بتجاوز السلطة . كما يجوز لوكيل الملك تسخير القوة العمومية لمراقبي التعمير التابعين للوالي والعامل أو للإدارة بناء على طلبهم طبقا للمادة 65 من قانون مراقبة وزجر مخالفات التعمير 66:12 كما يعمل وكيل الملك على منح إذن كتابي لضابط الشرطة القضائية أو المراقب لمعاينة مخالفة مرتكبة داخل محلات معتمرة داخل أجل لا يتعدى ثلاثة أيام استنادا للمادة 66 من قانون 12: 66 . الفقرة الثالثة: التعرض باسم المحجورين والغائبين والمفقودين والغير الحاضرين سنحاول في هذه الفقرة أن نتحدث عن التعرض باسم المحجورين والغائبين والمفقودين والغير الحاضرين في – أولا – ثم سنتحدث عن دور النيابة العامة في الكشف عن التركات الشاغرة بسبب الفقد أو الغياب – ثانيا-. أولا – التعرض باسم المحجورين والغائبين والمفقودين والغير الحاضرين إذا كان الأصل هو قيام كل شخص بممارسة حقه والدفاع عنه بنفسه، فإنه لا مانع من أن يدخل البعض في ممارسة هذه الحقوق نيابة عن غيره، وهذا ما يمكن أن نستشفه من خلال الفصل 26 من قانون 07-14. وفي الوقت الذي ألغى فيه المشرع العقاري الفصل 29 من ظهير 1913 الرامي إلى قبول التعرض بصفة إستتنائية من طرف وكيل الملك بعد توجيه الملف إلى كتابة الضبط بالمحكمة.فإنه بالمقابل منح صلاحية قبول التعرض للمحافظ على الأملاك العقارية بصفة إستتنائية بعد انصرام الأجل المحدد في الفصل 27 من قانون 07/14شريطة أن لا يكون الملف قد وجه إلى المحكمة الابتدائية. إن الهجوم الذي تم من طرف الفقه لعقود من الزمن من أجل استبعاد مؤسسة النيابة العامة كمؤسسة مخول لها التعرض خارج الأجل أو ما يسمى بالتعرض الإستتنائي، بعلة أنها غير مؤهلة لذلك يدفعنا إلى الاعتراف بأن هذا الموقف فيه نوع من الصواب لكن الموقف الذي يثير التساؤل هو منحه هذه الصلاحية للمحافظ العقاري،وجعل قراره الرامي إلى قبول التعرض غير قابل للطعن .وهذا التساؤل يجعلنا نرد عليه من خلال ملاحظتين إتنتين: أولهما: اعتبار قرار المحافظ العقاري قرار غير قابل للطعن القضائي هو قرار غير دستوري، على اعتبار أن الفصل 118 من الدستور نص على أن كل قرارا تخذ في المجال الإداري،سواء كان تنظيميا أو فرديا، يمكن الطعن فيه أمام الهيئة القضائية الإدارية المختصة. وقد يتعسف المحافظ في استعمال هذا الحق ،فهل يمكن للمحكمة تغريمه طبقا للفصل 48 من قانون 07/14. ثانيهما: إن منح مكنة قبول التعرض من طرف المحافظ يدعونا إلى طرح السؤال التالي، هل هذا يعني أنه يتم التشكيك في الحماية التي كانت تقدمها النيابة العامة في شخص وكيل الملك؟ وإعطاء المحافظ ثقة تامة في قبول هذا التعرض؟.فما الذي تغير ؟. لماذا تم تقليص دور النيابة العامة في هذه المسطرة؟ حيت أصبحنا نجد عددا كبيرا من التعرضات المقبولة من طرف المحافظة العقارية بالمغرب مقارنة مع ما كان عليه الأمر قبل سنة 2011 وهو أمر يستدعي من المشرع إيجاد صيغة قانونية واضحة وفيها نوع من الحياد حماية للحقوق من الضياع ،ونقترح في هذا الصدد تكليف هيئة قضائية مختصة للبت في قبول التعرض خارج الأجل القانوني ،وتعين هذه الهيئة من طرف الجمعية العمومية وتعقد جلساتها مرة أو مرتين في الشهر حسب عدد القضايا،تفاديا لكل ما من شأنه التشكيك أو الطعن في الجهات المختصة.ويكون قرارها قابل للطعن . إلا أنه بالرجوع للفصل 26 من القانون العقاري 07: 14فإننا نجده قد خول لوكيل الملك إمكانية القيام بالتعرض باسم المحجورين والغائبين والمفقودين والغير الحاضرين . واستنادا إلى مقتضيات الفصل 24 من ظ.ت.ع.فإنه:(يمكن لكل شخص يدعي حقا على عقار تم طلب تحفيظه أن يتدخل عن طريق التعرض في مسطرة التحفيظ) . فالتعرض هو ادعاء يتقدم به أحد من الغير ضد طالب التحفيظ بمقتضاه ينازع المتعرض في أصل حق ملكية طالب التحفيظ ،أو في مدى هذا الحق. أو في حدود العقار المطلوب تحفيظه، أو يطالب بحق عيني مترتب له على هذا العقار وينكره عليه طالب التحفيظ الذي لم يشر إليه في مطلبه. وهو وسيلة قانونية يمارسها الغير للحيلولة دون إتمام إجراءات التحفيظ وذلك من خلال الآجال القانونية المقررة ،ويهدف بهذا المعنى إلى توقيف إجراءات التحفيظ من طرف المحافظ،وعدم الاستمرار فيها إلى أن يرفع التعرض ويوضع حدا للنزاع عن طريق المحكمة أو إبرام صلح بين الأطراف. مع الإشارة إلى أن مسطرة تقديم التعرض من طرف النيابة العامة تتمثل في تحرير ملتمس كتابي يوقعه وكيل الملك أو أحد نوابه ويضمن فيه اسم المتعرض لفائدته وصفته وأهليته القانونية مع إرفاق الطلب بالوثائق المبررة للتعرض ، وبالتالي فبمجرد تقديم التعرض فإن النيابة العامة تصبح طرفا مدعيا يقع عليها عبء الإثبات . أي إثبات الحق الذي تعرضت من أجله لفائدة صاحبه الأصلي،وتقدم ما يظهر لها من طلبات. وممارسة كافة الطعون باستثناء التعرض،مع عدم تجريح قضاة النيابة العامة من طرف الخصوم باعتبارها طرف رئيسي .و ضرورة التقيد بمقتضيات الفقرة الثالثة من الفصل 25 من قانون 07-14 باستثناء أداء الرسوم القضائية فإن النيابة العامة معفاة من أدائها . لكن ما يلاحظ من خلال الواقع العملي أن مؤسسة النيابة العامة لا تمارس التعرض باسم الأشخاص المشار إليهم سابقا،ويبقى هذا مجرد نص و اختصاص نظري لا يجد سبيلا للتطبيق على أرض الواقع، ذلك أن التعرض باسم المحجورين غالبا ما تتم ممارسته من طرف الأوصياء والممثلين الشرعيين لهم ،أو من طرف القاضي المكلف بشؤون القاصرين . أما بخصوص التعرض باسم الغائبين فإنه يتم من طرف أقاربهم. وما يلاحظ من خلال الإطلاع على سجلات النيابات العامة بالدائرة القضائية بسطات أنه منذ سنة 2012 لم يتم تقديم أي تعرض من طرف النيابات العامة بالدائرة . وهذا يدفعنا إلى التساؤل عن دور النيابة العامة في حماية هذه الفئات المشار إليها.؟. أما الفصل 09 من ق م م فيعطي إمكانية للنيابة العامة للتدخل كطرف رئيسي، أو طبقا للفصل 08 الذي يعطيها التدخل كطرف منضم . واطلاعها على الملفات العقارية المدرجة بالمحاكم وإبداء وجهة نظرها بمستنتجاتها. كما منحه الفصل 8 من نفس القانون أعلاه صلاحية تقييد حقوق القاصرين والمحجورين ، حفاظا أولا على حقوق هذه الفئة، وتنفيذا لمبدأ نيابتها عن المجتمع وتمثيل الحق العام، وهو أمر منطقي على اعتبار أن الأوصياء والممثلين الشرعيين قد يصعب عليهم أحيانا العثور على الإثباتات، وتبقى مؤسسة النيابة العامة لما لها من سلطة واسعة في البحث والتحري. مع الإشارة أن التنازل عن التعرض هو ملزم للمتعرض حماية لاستقرار المعاملات العقارية ،وهو إجراء من إجراءات التقاضي، وهو تنازل قضائي وليس إداري. ثانيا – الكشف عن التركات الشاغرة بسبب الفقد أو الغياب لا يقتصر دور النيابة العامة على تمثيل الحق العام والدفاع عنه، بل إن تدخل النيابة العامة يشمل كذلك البحث والتحري والكشف عن التركات الشاغرة طبقا لمقتضيات الفصل 263 من ق م. م الذي ينص على أنه.. " يمكن لكل شخص يثبت أن له مصلحة مشروعة أو للنيابة العامة لدى المحكمة الابتدائية تقديم مقال، عند وجود ضرورة تسيير كل أو بعض أموال تركها شخص افترضت غيبته بسبب انقطاع أخباره دون أن يترك وكالة لأحد إلى المحكمة الابتدائية لمحل آخر موطن أو آخر محل إقامة من تفترض غيبته وإلا فإلى المحكمة التي توجد الأموال بدائرتها قصد الأمر باتخاذ إجراءات التسيير اللازمة وخاصة تعيين كاتب ضبط يكلف بهذا التسيير ضمن الشروط التي تحددها المحكمة. يمنع على هذا المسير أن يفوت أي منقول أو عقار دون إذن من القضاء. تبث المحكمة بأمر غير قابل للطعن، ويتعين على النيابة العامة إذا ما لم تكن هي التي قدمت المقال أن تدلي بمستنتجاتها". وينص الفصل 267 من ق م م.: على أنه: " إذا كانت الدولة مؤهلة عند انعدام وارث معروف للإرث أخبرت السلطة المحلية لمكان الوفاة وكيل الملك بذلك مع بيان المتروك على وجه التقريب ويصدر رئيس الحكمة الابتدائية المحال عليه الطلب من طرف وكيل الملك أمرا على طلب يعين فيه كاتب ضبط لإحصاء الأموال والقيم المتروكة ويعينه قيما إن كانت لها أهمية ما لحراستها ويضع هذا الكاتب الأختام عند الحاجة، ويحرر محضرا بمختلف هذه العمليات إذا كانت الأموال تشتمل على عناصر قابلة للتلف، استأذن رئيس المحكمة في بيعها بالكيفيات المقررة لبيع منقولات القاصر وتوضع الأموال الناتجة عن هذا البيع بعد خصم المصاريف بصندوق الإيداع والتدبير يخطر وكيل الملك حينئذ إدارة الأملاك المخزنية". باحث في سلك الدكتوراه