يعد الكاتب الروائي والقاص إبراهيم عبد المجيد أحد أبرز الروائيين المصريين، من خلال مسيرة تمتد لأربعين عاماً، أنجز خلالها ثلاثة عشر رواية وثلاث مجموعات قصصية وكتب آخرى من بينها كتابه الأخير »ما وراء الكتابة.. تجربتي مع الإبداع«، كتب للتلفزيون سيناري روايتيه »قناديل البحر«، »ولا أحد ينام في الإسكندرية«، وحولت روايته »الصياد واليمام« إلى فيلم سينيمائي وترجمت كثير من أعماله إلى لغات أجنبية، وفاز بجائزة نجيب محفوظ من الجامعة الأميركية عام 1996، كما اختيرت في العام نفسه روايته »لا أحد ينام في الإسكندرية« افضل رواية، كما فاز بجائزة الدولة للتفوق في الآداب عام 2004 وجائزة الدولة التقديرية للآداب عام 2008 . وجائزة »ساويرس« عن الرواية لكبار الكتاب عام 2011 عن روايته »في كل أسبوع يوم جمعة«، ووفي هذا الحوار نتعرف على رؤاه في كتابه الأخير »ما وراء الكتابة«، والذي أكد أنه محاولة لتقديم سيرة للكتابة، موضحاً أن وراء بنية ومعمار رواياته ألم عميق وتوتر أفرزته في نفسه التحولات الاجتماعية الكبيرة. حوار روحي حول الدوافع التي خلقت فكرة الكتابة لديه قال عبد المجيد »يلح عليّ هذا المطلب منذ وقت طويل رغم أن من رواياتي ما مضى على كتابته الآن أكثر من ثلاثين عاماً، وربما أردت أن أستعيد حالات الحوار الروحي الخاص جدا بي ككاتب. وكيف استطعت التغلب على مشكلات الكتابة، والقضايا الجمالية التي شغلتني، وكما قلت في مقدمة الكتاب هذا نوع من الكتابة غير شائع في الأدب العربي، وهو يكشف كثيراً من الهموم الجمالية والفنية فضلا عن معايشة عملية الكتابة ذاتها وما يحيط بها عندي، مؤكد لذلك فائدة نقدية وجمالية وفيه ايضا متعة للقارئ«. وحول اكتشافاته من خلال هذه التجربة الإبداعية أوضح »كل ما اكتشفته كتبته، أردت أن أقدم نموذجا على نوع من الكتابة غير موجود في حياتنا الأدبية«. وإن كان يمكن إدراج الكتاب تحت السيرة الذاتية ولماذا لم يكتب سيرته الذاتية رد »ليس سيرة ذاتية لي، ولكنه سيرة للكتابة نفسها، فكتابة السيرة الذاتية في بلادنا لايمكن أن تتسم بالصراحة الكاملة؛ مثلاً، من عرفتهم من النساء تحولوا في رواياتي إلى شخصيات وحالات إنسانية وهذا افضل، كما أن في حياتي ما أحب أن أنساه، فسيرتنا فيها (نكد كثير)«. وعن طريقة السرد الروائي، قال عبد المجيد إنه أراد الكتاب ممتعا فقط في الوقت الذي يثير قضايا فنية وفكرية. سر الإسكندرية ويرى المهتمون بتجربة إبراهيم عبد المجيد أن الإسكندرية هي كلمة السر في مجمل أعماله، عن ذلك برر »ربما لو لم أكن إسكندرياً لوددت أن أكون كذلك، من المؤكد أنني لا أعرف ما إذا كانت الإسكندرية هي التي فعلت بي ذلك، أم أنا الذي جئت هكذا، الحقيقية أن المدينة تمشي معي. وأنا في دمها، مضى عليّ الآن حوالي أربعين عاما في القاهرة ولم أكتب عنها أو في حقيقة منها غير بضع قصص وروايتين هما عتبات البهجة وفي كل أسبوع يوم جمعة. لقد عشت في الاسكندرية ربع القرن الأول من حياتي، وكتبت عنها أكثر من سبع روايات حتى الآن، السنوات الأولى بالتأكيد تظل تثيير الدهشة رغم أنني عشت في القاهرة سنوات الأسئلة الصعبة، سنوات التحول الاجتماعي والسياسي العنيف في السبعينيات، لقد كتبت ذلك بروح وبألم عميق وحزن جليل وتوتر لا ينتهي، هكذا بنيت معمار رواياتي وموضوعاتها«. طاقة الروائي وأضاف: »هذا النوع من الكتابة عرفه الأدب العالمي لكن الأدب العربي ليس لديه رصيد فيه، وأغلب الأدباء العرب ربما يشيرون إلى الأجواء والأماكن والشخصيات التي أحاطت بأعمالهم في حوارات صحفية لكنهم لم يكتبوا ذلك كما فعلت، وربما لم ينتبه الآخرون إلى أهميته وربما لأن هذه الأحاديث الصحفية أحياناً تستنزف طاقة الروائي«. حكايات كثيرة وحول الفارق بين كتابته للقصص القصيرة والروايات، أجاب عبد المجيد »حكايات كثيرة كانت وراء القصص ومشاعر يغلب عليها عدم الاستقرار أو العبث أو الحيرة، وطبعا قصص الحب الضائع. أنا والآخرين، كان لها تأثير مع غيرها من خبرات الحياة، في كل القصص التي كتبتها لم أكن بحاجة لإعادة كتابتها كما يبحدث مع رواياتي، وكل رواياتي كتبت أكثر من مرة باستثناء »الصياد واليمام«، فقط كنت أحذف كلمة أو أضيف كلمة لا أكثر. وفي كل القصص كانت تأخذ منحى آخر غير ما حدث سواء خبرتها أنا أو فكرت فيها أو سمعتها أو رأيتها، منحى لم أفكر فيه لكن وراءه كل ما كتبت من قبل من قراءة وفلسفة أو موقف من الحياة يمشي مع روحي، وفي النهاية تجد الوقت والفراغ والعدم خلفية لأكثر ما كتبت من قصص إن لم يكن كلها، وتجد شخصياتها كلها بشكل أو بآخر يتحركون وسط عالم لا يدري بهم أو تجدهم غير قادرين على التوافق معه«. إضاءة إبراهيم عبد المجيد روائي وقاص مصري من أعماله الروائية »ليلة العشق والدم«، و»البلدة الأخرى«، »بيت الياسمين« و»لا أحد ينام في الإسكندرية«، وله 5 مجموعات قصصية وهي »الشجر والعصافير«، و»إغلاق النوافذ«، و»فضاءات«، و»سفن قديمة«، و»ليلة انجينا«. ترجمت رواياته إلى لغات عدة. حصل على عدد من الجوائز الهامة منها: جائزة نجيب محفوظ للرواية، وجائزة الدولة للتفوق، وجائزة الدولة التقديرية في مصر. »ما وراء الكتابة« تجربة مع الإبداع ببوح متدفق واعتراف سيّال في كتابه الجديد »ما وراء الكتابة.. تجربتي مع الإبداع«، وفي لغةٍ لا تكاد تبتعد كثيراً عن لغته السردية الناعمة السلسة، يصحبنا الروائي إبراهيم عبد المجيد في رحلة طويلة وممتدة عبر أكثر من أربعة عقود زاخرة بالكتابة، أنتجت روايات وقصصا وكتبا ودراسات ومقالات، احتلت مكانها اللائق في المكتبة العربية. وأصبحت ضمن أهم الأعمال الروائية والقصصية في القرن الأخير، ليكشف لنا ببساطة ويسر الإجابة عن السؤال: كيف خرجت هذه الأعمال إلى الوجود؟ ما التفاصيل والظروف التي أحاطت بها وبكتابتها؟ كيف كتبها ولماذا؟ وما السياق التاريخي والسياسي والاجتماعي الذي أحاط بدائرة إنتاجها وتشكلها وغير ذلك من الأسئلة المتعلقة بطبيعة العملية الإبداعية وتفاصيل الكتابة. الكتاب ليس تنظيراً للسرد أو تفصيلا للقول في مكونات النص الإبداعي وآلياته في التوليد والتأويل؛ فهو لا يحدثنا عن حقائق المفاهيم، ولا يقول أي شيء عن نظريات أدبية أو نقدية مسبقة، فالإبداع هو الأصل، أما النظرية فتأمل لاحق، والفن تفجير للطاقات الانفعالية وإمساك بالروح التي تسكن الأشياء والكائنات وتتحكم في مصائرها، أو هو محاولة للبحث عن الانسجام والوحدة في المختلف والمتناقض والمتعدد والمتشظي. إنه بوح متدفق واعتراف سيّال بما كان من الممكن أن يظل سراّ إلى الأبد، أو ما يسميه الروائي والناقد الإيطالي المعروف إمبرتو إيكو في هذا السياق ب»حكايات السيرورة«، و»التفكير بالأصابع«، و»سيرورة التكون والبناء«، التي تنقل أجزاء من حياة المؤلف إلى عوالم التخييل بوحي أو في غفلة منه. سيرة الكتابة للموضوع قيمته وأهميته الكبرى، وهو موجود في الأدب العالمي بكثافة، فكثير من الكتّاب العالميين والأدباء المعروفين كتبوا عن أعمالهم ورواياتهم، »سيرتها وتشكلها«، وعن الظروف التي أحاطت بكتابتها. عدا تناولاتهم لأعمال نظرائهم من الكتاب، نقدا وتذوقا وكشفا عن جمالياتها وبراعتها الفنية والأدبية، بينما نجد في أدبنا المعاصر القليل جداّ من الكتّاب والروائيين العرب الذين قدموا لنا شيئا في هذا الموضوع، مما يطرح التساؤل: لماذا يعزف الكثيرون من كتابنا عن الحديث عن أعمالهم والطقوس التي صاحبت كتابتها وما وراءها؟ يقول عبد المجيد: »ربما لأن ذلك من الأسرار التي يصعب الكشف عنها لما تحمله من معان سحرية أو صوفية، وربما لأن الكتّاب بعد أن يكتبوا أعمالهم تنقطع صلتهم بها تماما، وقد تصل المسألة بالكاتب إلى أنه لا يريد أن يعود إلى عمل انتهى منه«. موضوعيا ينقسم الكتاب إلى 4 أقسام، تسبقها مقدمة تحمل بوضوح الهدف من تأليف الكتاب ودوافعه، فالمعنى الذي أراده عبد المجيد يبحث عن الكتابة وطقوسها، تلك العملية المعقدة جداّ، فيها ما هو عام قد تجده عند كل الفنانين والكتّاب، وفيها ما هو خاص بكل فنان على حدة، وكلما زادت مساحة الخصوصية سما الفن المكتوب والفن عموما واقترب من المعاني الإنسانية العميقة. تاريخ سري 10 روايات، وعدة مجموعات قصصية، أبدعها إبراهيم عبد المجيد عبر مسيرته الأدبية الممتدة، احتلت مكانها ضمن منجز السرد العربي المعاصر، لكن الحديث عنها هذه المرة، بقلمه هو مبدع هذه الأعمال، ليس »نقديا« بالمعنى المعروف، وليس »ذاتيا« أيضا بالمعنى المباشر، إنه حديث يحمل »سيرة الكتابة« أو»التاريخ السري للروايات والقصص«، التي كتبها وتفاصيلها التي لا يعرفها أحد إلا كاتبها. كيف تولدت أفكار هذه الروايات وكيف اكتملت أو تحورت كي تصل إلى شكلها الذي طالع عيون القراء، هل كان الكاتب واعيا بالشكل والتكنيك وطريقة البناء الذي خرجت به هذه الرواية أو تلك القصة، أم كان مدفوعا بقوة لا واعية تجبره على اتخاذ المسار الذي سلكته تلك الأعمال حتى ظهورها ونشرها؟. وقد ضم القسم الأول من الكتاب الحديث عن الروايات الأربع الأولى في مسيرة عبد المجيد السردية، وهي »المسافات«، »الصياد واليمام«، و»ليلة العشق والدم«، و»بيت الياسمين«. أما القسم الثاني، فخصصه عبد المجيد للحديث عن ثلاثيته الشهيرة: »لا أحد ينام في الإسكندرية«، و»طيور العنبر«، و»الإسكندرية في غيمة«. وفي القسم الثالث تناول فيه عبد المجيد رواياته »ما وراء برج العذراء«، و»عتبات البهجة«، و»في كل أسبوع يوم جمعة«، أما القسم الرابع والأخير فخصصه الروائي الكبير للحديث عن »القصص القصيرة« و»الطريق إلى العشاء«. ويحكي عبد المجيد عن تلك الفترة الباكرة من حياته الأدبية قائلا: »أستطيع أن أقول إن كل القصص كان لها أصل في الحياة.. لم تكن القصة القصيرة ترهقني كثيرا في البحث عن لغة أو بناء لها، كانت تعجبني قصص كتّاب الستينيات المجيدين، ولخصتها كلها في كلمتي (التجريب والإيجاز)«.