السكن : التمويل التشاركي يستقر في 24,5 مليار درهم متم شهر نونبر (بنك المغرب)    كأس السوبر الإيطالية: الهولندي دمفريس يقود إنتر إلى النهائي بثنائية أمام أتالانتا    الخطوط المغربية تطلق خطا جديدا يربط بين الرباط والداخلة    مجازر إسرائيل مستمرة في غزة... 25 شهيدا بينهم قائد الشرطة في القطاع    لفتيت يُقرّ بنصب مقاولين على ضحايا الزلزال ويؤكد الصرامة مع أعوان السلطة المتورطين في الابتزاز والتلاعب    تفاصيل جديدة عن حادث انفجار سيارة "تسلا" أمام فندق ترامب    عمليات اطلاق نار في روتردام تخلف ضحايا والشرطة تشتبه في نفس الجاني    "إف بي آي" يقدم تفاصيل جديدة بشأن حادث "نيو أورليانز"    إحداث أزيد من 11 ألف مقاولة مع متم أكتوبر الماضي بجهة طنجة تطوان الحسيمة    جدل بعد وفاة سجين بواد زم وإدارة السجن توضح..    مندوبة الحكومة بمليلية تعلق على ما يروج حول فتح الجمارك التجارية    رأس السنة الأمازيغية الجديدة.. "ليلة إيقاعات الأطلس المتوسط" يوم 15 يناير الجاري بالرباط    الجيش الملكي يضع اللمسات الأخيرة قبل مواجهة مانيما    طريق الكركرات.. مشروع اقتصادي استراتيجي ضخم يعزز التعاون الإقليمي بين المغرب وموريتانيا    مالي تحرج الكابرانات وتطالبهم بتوجيه الجهود نحو حل القضية القبائلية    ديرها غا زوينة.. فضي.حة أخشيشن الجديدة والقيادية التي تتوسط لانق.لابي نعتها بأوسخ النعوت (فيديو)    طنجة: توقيف أربعة أشخاص بتهمة حيازة وترويج المخدرات والمؤثرات العقلية    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الارتفاع    فرار مغاربة بمطار مالطا بعد هبوط اضطراري لطائرة تركية    وفاة أكبر بطلة أولمبية في العالم المجرية أغنيش كيليتي عن 103 أعوام    اليورو يتراجع إلى أدنى مستوياته منذ أكثر من سنتين مقابل الدولار    10.393موظف أمن استفادوا من الترقية برسم السنة المالية 2024    مدوّنة الأسرة… استنبات الإصلاح في حقل ألغام    الفيفا تعتبر إبراهيم دياز نقطة تحول في مسار المنتخب الوطني سنة 4202    البطولة الاحترافية.. مباراة واعدة بين تواركة و"الماص" والفوز مطلب يوحد الوداد و"الماط"    تفاصيل متابعات في حق مقاولين متهمين بالنصب على ضحايا زلزال الحوز    بلاغ من المغرب التطواني بخصوص جمهور الوداد    هولندا.. العثور على جثة مهاجر ينحدر من الريف بعد 11 يوما من اختفائه    قطب الريسوني ورشيدة الشانك ومحمد العناز يفتتحون سنة 2025 في دار الشعر بتطوان    تسجيل هزة أرضية خفيفة بإقليم أزيلال    سيارة تصدم شرطيًا أثناء أداء مهامه بطنجة    بعد إصابته في الرأس ودخوله في غيبوبة.. "الكاك" يكشف عن حالة اللاعب أمين تغزوي    "مقتصدو التعليم" يحتجون بالرباط    بشار الأسد يتعرض لمحاولة اغتيال    المعارضة بورزازات تطعن في انتخابات رئيس المجلس وتصفها ب"المذبحة القانونية"    فيفا: رحلة دياز تعيد المغرب إلى القمة    السلطات الفلسطينية تقرر توقيف بث قناة الجزيرة القطرية و"تجميد" كافة أنشطتها    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    شرطة كوريا الجنوبية تداهم مطارا في إطار الكارثة الجوية    تفاقم البطالة والفساد والمديونية.. منظمة نقابية تستعرض إخفاقات الحكومة في 2024    تأجيل محاكمة مبديع إلى 9 يناير الجاري    إختتام الدورة السادسة للمهرجان الدولي للسينما و التراث    المنظمة العالمية للأرصاد الجوية: 2024 الأكثر دفئا على الإطلاق    كلشي بالمكتاب .. الدوزي يختتم 2024 بإصدار جديد    مجموعة من التعديلات الضريبية تدخل حيز التنفيذ مع حلول السنة الجديدة    أحكام ‬قضائية ‬‮‬ضد ‬‮"صناع ‬التفاهة" وارتياح ‬كبير ‬لدى ‬للرأي ‬العام    وفاة الكاتب الفرنسي باسكال لينيه الحائز جائزة غونكور عام 1974    دراسة: الصيام المتقطع يساعد في علاج اضطراب التمثيل الغذائي    باحثون يطورون علاجا آمنا وغير مسبب للإدمان لتسكين الآلام    الطهي يتجاوز الفواكه والخضروات باستخدام أجزاء الأشجار    تنبيه من خطورة عودة انتشار "بوحمرون" بالمغرب ودعوة إلى ضرورة التلقيح للقضاء عليه    الدكتور فؤاد بوعلي ضيفا في حلقة اليوم من "مدارات" بالإذاعة الوطنية    باسل خياط يخالف مبادئه ويقع في الحب ضمن الدراما الاجتماعية الرومانسية "الثمن" على "5MBC"    بنكيران: الملك لم يورط نفسه بأي حكم في مدونة الأسرة ووهبي مستفز وينبغي أن يوكل هذا الموضوع لغيره    الثورة السورية والحكم العطائية..    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    









الفكر العربي محروم من الحرية

الحرية هي قدرنا في هذا العالم، فما دمنا نستطيع أن نختار طريقة عيشنا، بإمكاننا أن نكون مرضى أو أصحاء، فقراء أو أغنياء، ولكن ليس بإمكاننا أن نهرب من قدرنا، فالذي يهرب من قدره يهرب من إنسانيته وليس هناك أعظم قدر يرافق الإنسان في رحلته غير قدر الحرية التي تمتلكه أكثر مما يمتلكها، هذه الحرية التي تسمح بوجود الموجود، بيد أننا نخشى أن ننسى أنفسنا في هذا الوجود، الذي جعل سارتر يخاطبنا قائلا: «أنت آخر بالنسبة لنفسك». لكن متى تصير أنت نفسك؟ هل حين تتعرف عليها؟
ومتى تتحول إلى آخر؟ وما قيمة الحرية في الوجود؟ وما علاقتها بالفكر؟ وبأي أرض تنبت شجرة الحرية؟ وما معنى أن الإنسان محكوم عليه بالحرية، ولا يريد تتفيذ هذا الحكم؟.
من أجل أن ننعم بمصدر الحرية، لابد من تحرير الوعي بالذات من سلاسل العبودية والجهل، ولن نصل إلى هذه اللحظة إلا من خلال الإقبال على التفلسف، ولو مرة واحدة في العمر، كما قال ديكارت، لأن الفلسفة تمتلك قدرة خارقة على تمزيق حجاب الجهل وتحريض النفس على الانعتاق من سجن شهوات الجسد، ها هنا تتحرر، لأنها تصبح نفسا عاقلة تتأمل مثال الخير ولو اقتضى الحال أن نرغمها على ذلك: «فلنفرض أننا أطلقنا سراح واحد من هؤلاء السجناء وأرغمناه على أن ينهض فجأة ويدير رأسه، ويسير رافعا عينيه نحو النور..
ودفعناه تحت إلحاح أسئلتنا إلى أن يذكر لنا ما هي الحرية». فهل سيتقدم إلى الأمام؟
أم أنه سيعود إلى سجنه؟ وبعبارة أخرى، هل يرغب في الحرية أم أنه سيحن إلى العبودية؟
لا يتركنا سقراط نبحث عن إجابة تكون بعيدة عن طبيعة الإنسان، بل أنه يفرض علينا سلطة الحقيقة بالعنف الفلسفي الذي يولد النفوس ولادة جديدة في أرض الحرية والفكر، ولذلك يقول: «وإذا ما اقتدناه رغما عنه ومضينا به في الطريق الصاعد الوعر فلا نتركه حتى يواجه ضوء الشمس، ألا تظنه سيتألم ويثور، لأنه اقتيد على هذا النحو، بحيث أنه حالما يصل إلى النور تنبهر عيناه من وهجه إلى حد لا يستطيع معه أن يرى أي شيء مما نسميه الآن أشياء حقيقية؟».
هكذا ستصبح الحرية هي علة وجوده، ومصدر معرفته، ذلك أن المعرفة في ذاتها حرية، تمتد في ماهيتها، لأنه حينما أكون خائفا تكون الحرية خائفة، وعندما أكون عالما تكون عالمة، فهي تتأثر بماهية الإنسان، ولذلك فإن الشعوب الجاهلة تفتقد إلى ملكة الحرية، والمتعلمة تعتبرها أساس العقد الاجتماعي، لأن الدولة هي التي ترعى حرية الشعب، وليست التي تجردهم منها، فبأي معنى تصبح الحرية أثمن ثروة يتم مصادرتها من قبل الطغاة؟، ولماذا يتم حرمان الأبرياء من هذه النعمة؟ بل لمن تكون الحرية نعمة؟ هل للعامة أم للخاصة؟
لم تكن تأملات كتاب «الوجود والعدم» لسارتر، سوى حفر أركيولوجي في أوضاع الإنسان المعاصر، بل أنه قراءة لمفهوم الإنسان، انطلاقا من مفهوم الحرية. ذلك: «أنني أشعر بالحرية عندما أكون شجاعا، وأفتقدها حين أكون جبانا»، لأنه إذا كانت الحرية هي مصدر وجودي، فإن افتقادها معناه الضياع في العدم وليس هناك شيء في العالم سيجعلني أطمئن على هذه «الأنا موجود» إلا امتلاكي للإرادة القوية: «أن توجد معناه أن تكون فاعلا، وأن لا توجد معناه أن تتوقف عن الفعل». لأن الذات الفاعلة وحدها توجد في العالم، كتجليات للإرادة الحرة، أو ما يسميه سارتر بالالتزام الوجودي للحرية، هذا الالتزام الذي دافع عنه سارتر بشغف الفيلسوف المبدع، الذي يحاور نفسه بواسطة حواره مع تاريخ الفلسفة، مادام أن الوعي يظل ممزقا بين انتمائه إلى الماضي والحاضر في الآن، ومن أجل إبعاده عن الضياع، يقول جيبتير للإنسان: «ينبغي أن تعود إلينا. إن وجهك شاحب وعينيك يمزقهما الخوف، هل تحب الحياة؟ أنت فيها. ولكنك غريب عن طبيعتك»، عن نفسك، يجب أن تعود. أنا النسيان والسكينة». بيد أن الإنسان المصاب بفزع الوجود، لا يتردد في الإجابة قائلا: «أشعر بالاغتراب عن نفسي، أعرف ذلك بعيدا عن ماهيتي، ومضادا لطبيعتي، ولا أملك عذرا.
ولكن لن أعود خاضعا لقانونك، لقد حكم عليّ بالخضوع لقانوني الخاص.. سأسير في هذا الطريق الذي يقودني إلى ذاتي، لأنني إنسان، نعم يقول جيبيتر، يجب على كل إنسان أن يخترع طريقه».
والحال أن استيعاب روح هذه التأملات التائهة في قدر الإنسان لن يكون سهلا، بيد أن سارتر في مديحه لإنسانية أندريه جيد يضعنا في قلب ما ينتظر، ما نتشوق إليه، لأنه في هذا الوميض المشع، ينبثق أمل الحرية، الذي ينير طريقنا نحو قدرنا. والشاهد على ذلك أن أندريه جيد، يقول إن سارتر اختار أن يصبح هو نفسه الحقيقة، وربما تكون هذه الحقيقة قد امتزجت بالحقيقة التي نبحث عنها، لأن ما يمنحه لنا جيد كأجمل هدية هو الوعي بموت العبودية في ذواتنا، وشروق شمس الحرية فيها.
من المستحيل اعتقال المطلق، ولعل هذا بالذات ما يجعل اعتقال الحرية في سجن الاستبداد السياسي، اعتقالا مؤقتا، لأن الحرية هي أصل الإنسان، ولذلك فإنه سيعود إلى هذا الأصل مهما طال الزمان، ومهما تعددت الحواجز، وعظم الطغيان فالإنسان محمي بحظوة التاريخ الذي يكشف عن هفوات الاستبداد: «فالحكم الاستبدادي يسعى إلى إلهاء العقول عن الحرية المفقودة، وكيلا يعي الشعب استعباده، يشغل الحاكم المستبد فكره بمواضيع أخرى، ويعين له دروبا جديدة لبلوغ المجد، لكن ما أن يستقر المستبد فوق عرشه ويشعر بأن الأمور استتبت له حتى يقلع عن رعاية المواهب.. والواقع أن النظام الاستبدادي يتحمل تبعة أفول الحرية والفكر والعلوم». لكن لماذا أن السياسة باعتبارها حدثا زائلا تحدث هزة عميقة في جسد الحرية؟
وبعبارة أخرى؛ كيف يمكن للحرية أن تكون فردية ومشتركة في الوقت نفسه ؟ وكيف تصبح حريتي متوقفة على حرية الآخر؟ ومن هو هذا الآخر؟
بما أن الآخر كمفهوم أساسي في الفلسفة السياسية، فإن حضوره كان هو المحرك لجدلية التنوير والعقل، فروسو انطلق من هذا المفهوم ليشيد المشيئة العامة، ثم الميثاق الاجتماعي على قاعدة المصلحة العامة وكل ذلك من أجل بناء عقده الاجتماعي الذي يقوم على مفهومي الحرية والمساواة، ولن ينعم الشعب بهما إلا إذا كان يملك السلطة السيادية، لأنها قوام الديمقراطية في الفلسفة السياسية، ولذلك فإن المجتمعات الوسطوية التي تضطهد الفلسفة السياسية، لا لأنها تأملات مجردة، بل باعتبارها أداة فعالة في نشر الأنوار والدفاع عن الحرية والمساواة، فباختياره لسياسة العقد الاجتماعي، يصبح هو المبدع للقوانين التي ستحكمه، ولذلك يجب عليه أن ينتخب ذوي العلم والكفاءة، ويحارب الأغبياء والبله والمخبولين، لأنه قد جرت العادة في الأنظمة المستبدة أن أكثر الذين يرتقون فيها إلى سدة المناصب العليا، هم من المحتالين الماكرين المتآمرين الدساسين، الذين ما أن يحتلوا المراكز الحساسة حتى تنكشف عطالتهم لعيون الشعب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.