تواجه إسبانيا تحدياً جديداً، بخصوص وحدة دولتها، بعد أن صوّتٓ البرلمان الكاتالوني على قانون ينظم بموجبه استفتاء لتقرير المصير، يوم فاتح أكتوبر المقبل، في أجواء تطبعها المواجهة بين الأغلبية الانفصالية، والحكومة المركزية في مدريد، التي اعتبرت أن تصويت البرلمان الكاتالوني، غير قانوني، ويناقض دستور المملكة. رغم تفوق البرلمانيين الانفصاليين، بعدد قليل في التصويت، إلا أنهم قرروا المضي قدماً في مشروعهم، بتنظيم الاستفتاء، معتبرين أن الظروف ملائمة للتخلص من حكم مدريد، الذي يعتبرونه مفروضا عليهم ،بالقوة، لأن تاريخ كاتالونيا يؤكد استقلال هذا الإقليم منذ سنة 1162، عندما شكلت عدة بلدات من هذه المنطقة إمارة تتمتع بنظامها السياسي الخاص وبلغتها المتميزة. وكانت كاتالونيا باستمرار، ترفض الحكم المركزي، ودخلت في مواجهات وحروب أهلية، باستمرار ضد هذا الحكم، إلى حدود الحرب الأهلية الإسبانية، حيث كانت معقل المناهضين للديكتاتور الجنرال فرانكو، الذي لم يتمكن من الانتصار، إلا بعد معركة تاريخية، دارت حول نهر الإيبرو، الذي كان يشكل حاجزا طبيعيا ضد تقدم قواته في هذه المنطقة. وهذه هي المرة الثانية، في التاريخ الحديث الذي تجد حكومة مدريد نفسها في مواجهة تهديد انفصالي جدي، حيث عانت كثيرا مع إقليم الباسك، الذي دخل عدد من نشطائه في عمل مسلح ضد مدريد للدفاع عن مشروع الاستقلال. ويمكن القول إن الوضع يختلف اليوم كثيرا في كاتالونيا عن الوضع في الباسك، حيث تمكنت مدريد من القضاء على الدعوة الانفصالية، بسبب التوجهات الإرهابية التي كانت وراءها منظمة «إيتا»، مما ساعد على عزلها في اسبانيا وعلى المستوى الدولي، خاصة بعد أن قررت فرنسا دعم الدولة الإسبانية، الجديدة، بعد وفاة فرانكو، لمحاربتها. الانفصاليون في كاتالونيا توجهوا نحو التصويت وليس العنف، الذي يعتبرون أنه سيسيء لقضيتهم في مواجهة مدريد، التي أعلن رئيس حكومتها، ماريانو راخوي، اللجوء إلى كل الأسلحة القانونية والاقتصادية والزجرية، لمنع تنظيم الاستفتاء، معتمدا كثيرا على الدعم الأوربي، بعدم الاعتراف بأية محاولة للانفصال، ويعتبر ذلك ورقة حاسمة في هذه المواجهة. ويمكن القول إن الحظ الذي يحالف الحكومة المركزية الإسبانية، اليوم، يتمثل في وجود دعم خارجي حاسم، ضد كل المطالب الانفصالية، ولولا ذلك لكان الوضع مختلفا، لأن مطالب الاستقلال تستند على أسس تاريخية ولغوية، غير مفتعلة، ومسيرة وممولة من دول أخرى، كما يحصل في أوضاع أخرى.