تشير كلمة « false » بالإنجليزية إلى المسألة الخاطئة أو غير الدقيقة، في حين يقصد بمصطلح « fake » المحتوى الخادع، التزوير عن طريق التقليد، كما يصطلح عليه في القضاء ب»تزوير الوثائق» أو «انتحال الصفة . يقع ذلك في الصحافة، التي تعد من أقدم المهن في الأنظمة الديمقراطية، بانتحال الهوية واللجوء إلى الكذب، بصفة صحفي، بغرض خداع وتضليل الجمهور، أي كل من يستخدم وسائل الإعلام، وكل شخص يسعى إلى الاطلاع على أخبار الناس والعالم. ظهرت هذه الممارسة المثيرة للقلق، بل السرطانية-بالنسبة للصحافة وروادها رجالا ونساء-كعشب مدمر للمحاصيل في حقل التواصل الواسع بل اللامتناهي لهذا العصر: العالم الرقمي. تلجأ المواقع والمنصات الالكترونية بحرية مطلقة إلى استعمال جميع الحيل والعروض المصطنعة للتنكر في زي المنابر الإعلامية وتحتال بذلك على مستخدمي الانترنيت، الذين كثيرا ما يُبحرون –بعضهم جراء الإدمان- في محيط الانترنيت الشاسع دون الاستعانة ببوصلة ترشدهم إلى السبيل الصحيح، حتى لا يحطوا رحالهم على أي ساحل كان… قالت صحفية أمريكية سابقة ومختصة في التواصل السياسي: «لا يُدرك بعض الأشخاص أنهم يطّلعون على موقع أخبار زائف، لأن أغلب هذه المواقع تجعل من نفسها مكسبا للثقة، إذ تظهر على أنها منابر موثوقة للصحافة». أما الإشاعة، فتنبع من الشارع والشائع (وهي ظاهرة قام بدراستها إيدغار موران بدقة من خلال تحليل «شائعة أورليانز» المتعلقة بشبكة مزعومة لتجارة «الرقيق الأبيض» في سنة 1969). يمكن للإشاعة أن تنجُم عن دعاية محضة ذات أهداف سياسية أو أخرى متصلة بالحرب – كحرن الأثير أو حرب إعلامية، على سبيل المثال- والتي استخدمت بشتى الأساليب وفي جل الأنظمة السياسية، خاصة منها الديكتاتوريات العسكرية أو التي يحكمها الحزب الواحد أو طغاة الامبراطوريات… ظهر مفهوم «الأخبار الزائفة» (fake news) بشكل واضح خلال الحملة الانتخابية الأمريكية الأخيرة، إذ أن دونالد ترامب، الذي كان-ولا يزال- مروجا كبيرا « للأخبار الزائفة «، يستعين بها باستمرار بغرض توجيه اتهامات لخصومه، حيث يستهدف كما يحلو له صحافيين مرموقين ووسائل إعلام مشهورة والأكثر تأثيرا على صعيد العالم (سي ن.ن وواشنطن بوست ونيويورك تايمز…). يستغل الرئيس الأمريكي هذه « الأخبار الزائفة « أو يتهم الآخرين بها، و هو يوظفها كأداة حرب ثقافية في خطاباته الشعبوية المستمرة، التي تضمن استدامة وتعزيز مواقف أنصاره وناخبيه الموزعين على الأرض الأمريكية الشاسعة، بل حتى خارجها ( كما في بعض المجتمعات الأوروبية، ولا سيما شرق ألمانيا اليوم)… خلال تلك الحملة الانتخابية الأمريكية، كانت تشمل مدينة صغيرة بماسيدونية تدعى «فيليس» (60.000 نسمة) 150 موقعا الكترونيا مهتما بالسياسة الأمريكية تعج فيه دائما « الأخبار الزائفة»، إذ كانت بطبيعة الحال تستهدف السيدة كلينتون، وتدعم دونالد ترامب. زعم مزور ويب أمريكي، يدعى بول هورمر، المسؤول عما لا يقل عن عشر موقع للأخبار المزيفة، في صفحات جريدة واشنتن بوست: «أعتقد أن ترامب انتخب بسببي»… لنتريث قليلا، لا تنفع «الأخبار المزيفة» مزور الأخبار فقط على المستوى السياسي أو الأيديولوجي، فهي مصدر مهم يحقق عائدات ضخمة…فقد كان نشاط التزوير الذي كان يمارسه المدعو بول هومر يحقق له أرباحا تصل إلى 10.000 دولار من الإعلانات شهريا. جاذبية الزائف وتكاثر الشبكات أظهر باحثون أمريكيون من جامعتي نويورك وستانفورد درسوا هذه الظاهرة الماسيدونية أن شباب مدينة فيليس قد أسسوا مصنعا « للأخبار الزائفة»، بواسطة إحداث أزيد من مئات المواقع المناصرة للرئيس ترامب، إذ كانت تروج هذه المواقع لأخبار زائفة خلال الحملة الانتخابية الأمريكية»…وكتبت خبيرة أمريكية أخرى أن فور نشرها وإحاطتها بإعلانات مثيرة للاهتمام، كانت هذه « الأخبار الزائفة» تنشر بكثافة في مواقع التواصل الاجتماعي، «إما بدافع السذاجة أو بالاعتماد على حسابات سياسية، أحيانا أكثر من الأخبار الموثوقة». يعتبر باسكال فرواسار من جامعة باريس 8 كل ما هو زائف جذابا للغاية، إذ أنه « أكثر إثارة للنقاش» (وهذا ما يجذب شبكات التواصل الاجتماعي لأنها تتغذى عليها حيت أنها سر وجودها وقوة دافعة لها). نفهم إذن أنه من الصعب على «المستجدات» (أو «المعلومة» أو «النبأ»)، أي ما يحدد حقا «الأخبار» مهنيا وأخلاقيا، أن تضاهي أو تتحدى «الأخبار الزائفة» على شبكات التواصل الاجتماعية. حيث أن هذه الأخيرة «تقتات» على «الخدعة» (hoax) بكل تلذذ (لا نتحدث هنا عن «الأواكس» أو نظم الإنذار المبكر والتحكم التي كانت بجامعاتنا خلال ثمانينات وتسعينيات القرن الماضي)، بل تلك الخدع والإشاعات التي لا أساس لها من الصحة، والتي تغزو الشبكة العنكبوتية، حتى عبر البريد الالكتروني، إذ من شأن مثل هذه الرسائل خلق «البوز»… تلك «الضجة السيئة» (أحدثها صورة لنموذج مصغر لمطار مدينة هيوستون الأمريكية يظهر فيها المكان مغمورا عن آخره بمياه فيضانات إعصار «هارفي»، أو صور مفبركة لأسماك القرش تقودنا إلى الاعتقاد بأن المياه التي غمرت رابع أكبر مدينة أمريكية قد سحبت معها هذا النوع من الأسماك المفترسة!). هل بلغت هذه الكارثة الحالية والمستقبلية ذروتها أم ليس بعد؟ – بالنسبة للصحافة، لم يعد الدفاع عن «التكذيب» صالحا: لم يعد من الهين اليوم إنكار الأخبار المزيفة خاصة مع انتشار وسائل وشبكات التواصل وتزايد آثار «البوز»، فلولاه لما كُشفت هذه الأخبار للعيان، وإذا تجاهلنا هذه الأخبار بكل بساطة وتركناها تغدو في طي النسيان فستندثر لامحالة بقوة الحقيقة والواقع. عادة ما تقاوم شدة الأخبار الزائفة الفيروسية علاج التكذيب، الذي كان كافيا فيما سبق، حينما كانت الصحافة تنفرد بقيادة «الحقيقية» وبإخبار الجمهور وتمده بالمستجدات باعتبار هده المهمة حقا مشروعا. إلا أن هذه الظاهرة قد خربت الصحافة ونهشتها بطريقة وحشية. ويرى باسكال فرواسار أنه إذا كان «التحقق» من الأحداث جزء لا يتجزأ من الحمض النووي للصحافة، فمن المهم ملاحظة أن «الخبر الزائف» إذا كان متبوعا بتكذيبه، فذلك يعني أننا أمام «معلومتين»، ربما تتسويان في الإنتشار أو لا تتسويان أي في صالح الزائف! ومن ثم فالسؤال الوجودي الذي يطرح نفسه هنا هو: ما هو حال هذه المهنة اليوم؟ مهنة الصحافة وروادها، تلك المهنة القديمة التي بلغت من العمر القرن الواحد هنا بالمغرب، والتي يرجع تنظيمها وانخراطها في الممارسة النقابية إلى أزيد من 60 سنة؟ هل يدافع الصحفيون عن أنفسهم، كما هو الحال في معظم بلدان العالم، وكيف؟ هل يتبعون هذا المرض العضال الذي ينخر مهنتهم وينتهك الدور الذي يلعبونه في المجتمع، وعظمته التي تتجلى في خدمة المصلحة العامة، بل وحتى الحضارية أو أضعف الايمان مساهمتهم الخاصة والنسبية في مستقبل السياسة الديمقراطية لبلدهم؟ خطر الموت؟ بما أنها ليست لا بهياكل صحافية، ولا بوسائط إعلام جماهرية، كما عرّفها علم اجتماع التواصل، قبل ظهور الانترنيت ومستخدميه في مطلع التسعينيات، فلا تخضع المواقع الالكترونية وغيرها من وسائل الإعلام التي تأتي بالأخبار الزائفة (مواقع التواصل الاجتماعية والمدونات …) لأي شرط من شروط أخلاقيات وآداب مهنة الصحافة. نظرا لكونها تنتحل بالتحايل وفي الكتمان (في غالب الأحيان أو اختياريا) صفة الصحافي ووسائل الاعلام، ولأن حرية التعبير المطلقة هي ماهية الانترنيت، فعندما ندعو في الخطابات وفي القوانين المشينة أو الاستفزازية إلى التصدي لهده الطفيليات التي تجتاح الصحافة، نرتكب حينها بكل بساطة سوء التقدير، مما يجعلنا نخسر الطاقة بلا جدوى في هذه المعركة الجانبية ، في الوقت الدي تفقد فيه الصحافة روح الكفاح، ويقع رجالها ونسائها في العوز، علاوة على أن صورتهم تُطمس وتتدهور أمام أعينهم يوميا، أكثر فأكثر، إلى أن تصبح غير ضرورية أو نافعة في أعين الجمهور … بل في أعين المجتمع بكامله! يمكن القول أن مزورو الشبكة العنكبوتية قد سرقوا هوية الصحافي بالكامل، مهنته، روحه و… عمله… انقرضت بالولايات المتحدةالأمريكية خلال 25 سنة 60 % من المناصب في مجال وسائل الاعلام (أي ما يعادل 275.000 صحفي طرودا من هده المهنة!). انخفض عدد مناصب الشغل في أكبر الصحف الأمريكية من 455.000 منصب سنة 1990 إلى 183.000 سنة 2016. في حين يشير إستطلاع في فرنسا، أن 41% من المواطنين الذين تتراوح أعمارهم بين 14 و24 سنة خلال 2016 صرحو أنهم يعتمدون بالدرجة الأولى على مواقع التواصل الاجتماعي لاستسقاء الأخبار مع الأخذ بعين الاعتبار أيضا معطى آخر مثير للقلق لدى وسائل الاعلام التقليدية ومهني الإعلام: يعد الانترنيت مصدر المعلومات بالنسبة ل25 % من الفرنسيين. انتهى الكلام! قد تسود الموعظة الزائفة –الأخبار الزائفة-على الخطبة الأصلية للصحافة كما عهدناها إلى حد الآن! يبدو أن زوالها حتمي لا مفر منه… ماعدا في حالة حدوث شيء استثنائي، نهضة أو إنتفاضة دفاعية/هجومية من جانب من؟ … من جانب رجال ونساء الصحافة أولا.