كان يا مكان…في عام من الأعوام…التقى في الحي المحمدي ثلاثة شبان…بوجميع والعربي وعمر، شبان تحمسوا لفكرة جهنمية من أجل مشروع فيه ما فيه من المغامرة و التحدي، ثم التحق بهم شبان آخرون أغرتهم الفكرة وكانوا لها من المتحمسين: مولاي عبد العزيز الطاهري وعلال يعلى ومحمود السعدي الذي ظهر ثم اختفى مبكرا، ليلتحق به الطاهري (لتتولد فكرة مجموعة جيل جيلالة…) وبعد ذلك، سيعزز المجموعة شاب فنان كناوي من الصويرة اسمه عبد الرحمان قيروش الملقب بباكو، و يدعم استقرارها خصوصا بعد الرحيل المفاجئ و المفجع لأحد أركانها الأساسية : المرحوم بوجميع، و ذلك يوم 26 أكتوبر 1974. لماذا في الحي المحمدي ؟ فهو فضاء احتجاج بامتياز، ظهر بعد بناء المعامل والمصانع الأولى خلال العشرينيات من القرن الماضي…هناك، استقرت أسر هاربة جريا وراء لقمة عيش، هاربة من عمق الجفاف، ومن جميع جهات ربوع الوطن…فتم بناء بيوت قصديرية متناثرة بالقرب من المنازل البسيطة، مجموعات يطلق عليها 2سم الكاريانات : كاريان القبلة وكاريان لاحونة و كاريان الخليفة وكاريان الكودية وكاريان الرحبة و كاريانات أخرى…ثم بنايات 2سمنتية هشة كبلوك السعادة ( حيث يقطن باطما )، و ليس بعيدا هناك تيران الطاس و دار الشباب العتيدة وهناك في الأسفل درب مولاي الشريف ( حيث يقطن عمر و علال و بوجميع )، و هناك دروب : بلوك الرياض و درب السعد و سوسيكا ( لا حظوا الأسماء : السعادة و التقدم و السعد و الرياض ) أسماء على غير مسمياتها…و القاسم المشترك بين السكان هو الفقر المدقع، و بساطة العيش، ثم التآزر والإخاء و التلاحم و» عار الجار على جارو «، و العشق اللامشروط لفريق الحي : فريق ال2تحاد البيضاوي ( الطاس )…كل هذا، من أجل مجابهة الشعور بالحيف و الإحساس بالإهمال…و فرض الوجود بين الألم والأمل…و من الألم، يتولد الإبداع..وما يربط الألم بالأمل،هو الاحتجاج..في هذا الحي العنيد، الذي أبلى البلاء الحسن في مقاومة الاستعمار، تعايشت جماعات ومجموعات متنوعة ومختلفة و متباعدة الأصول والجذور.هناك، ترعرع أبناء الحي في أجواء الاحتفالات من أعراس وحفلات و طقوس و عادات و تقاليد مختلفة بين الرقص و الموسيقى و الاستماع 2لى قصص وحكايات « الحلايقية « القادمين من مختلف أنحاء البلاد ( خليفة نموذجا )…هكذا، اكتشف أبناء الحي المحمدي بعضهم البعض من خلال العوالم الشعرية والرقصات الكوريغرافية المأخوذة عن الموروث الثقافي المحلي، والكل يتغنى بموسيقاه وألحانه، « وكلْها يلغي بلغاه «… في هذا السياق، تولدت أنواع موسيقية من عمق أعماق الهوية المغربية المتعددة الأطراف، و المتباعدة الوجوه…في هذا المكان الصاخب، ظهرت بقوة أصوات جديدة تندمج ..تتداخل فيما بينها… و تتكامل، فيها عناصر الجغرافية الثقافية والفنية العميقة…أصوات ناس الغيوان ؟ في كل صوت…في كل نبرة…في كل مَخارج الحروف…في كل حركة…في كل رقصة، كانت تجتمع الأبعاد المتنوعة : الأبعاد العروبية و الأمازيغية والصحراوية والإفريقية…كانت تجتمع لتتمخض عنها أصوات متنوعة .. أخاذة بمسامع…كلها تمنح أجمل صورة في عين الإنسان…أصوات من عمق الحماس الشعبي لفترة السبعينيات…أصوات من رحم الشعب العميق، أصوات من نبض الشارع المغربي بسائر مكوناته، و تجلياته، و بمعظم شرائحه… هناك أمهات يدندن بمقاطع من الغناء، يحببن الغناء حتى الثمالة، لعبن أدوارا حساسة في تنمية الذائقة الغنائية لدى المجموعة، على شاكلة أمي الضاوية(والدة عمر)، وامي خديجة(والدة بوجميع)، وامي حادة(والدة باطما).. من المبتدأ ، كان الخبر…خبر النجاح الباهر للمجموعة التي استقبلها الجمهور الغفير و احتضنها بالكامل و الشامل، ورددها أغانيها، بل أصبح العمل الفني قطعة من حياة بني الإنسان، و تجربة بني الإنسان… كانت اللحظة تاريخية معقدة… كانت الحركة الغيوانية حركة ثقافية فنية تراثية وحديثة، في وقت تعودت فيه الآذان على سماع موسيقى وألحان و كلمات آتية من الشرق بالضرورة، حركة ترفض كل ما هو كائن وآت من البعد…حركة تفرض الوجود الفعلي مع كل ما كان يترتب على ذلك من عراقيل و حواجز ومثبطات… ها نحن هنا، والآن…سنقوم بتجديد وتحديد الإبداع الغنائي الهادف، و بجانبنا الجماهير الغفيرة التواقة إلى البديل… إعادة الاعتبار للأصول و الجذور في سياق التحولات و التغييرات… أجل،هناك رؤية جديدة لسبك آخر للذوق ..لصقل الذائقة…ينبغي التجديد في المجال…المجموعة لم تكن حركة سياسية، وإلا كانت أكبر حزب مغربي من حيث عدد المنخرطين و المحبين و المعجبين…و كان لهذه الشهرة ثمن…ردود فعل قوية و توتّر وعنف من أنصار التقليد و التقليدانية.. ما علينا…سترسم المجموعة طريقها بهدوء رزين و رزانة هادئة…ستملأ الساحة والمدينة و الفضاءات العمومية…»أنا غيواني… إذن أنا موجود !» كان ثمة خطاب…و كان هناك لسان ناطق باسم الفرد و الجماعة… و ليطمئن المقهورون و المغلوبون على أمرهم…هناك ناطق غير رسمي سيتحدث ب2سمهم… إنه مجموعة ناس الغيوان… فلنستمع 2لى ما قاله الكاتب الراحل 2دمون عمران المالح : «…ناس الغيوان…مجموعة غنائية أثارت حماس الكثيرين و ألهبته (…) شيء ما، انفجر في هذه الموسيقى…و أيقظ، بأصدائه العميقة، روحا…طالما ظلت نائمة…خدرها سيل الأغاني المعسولة، و الأغاني المكرورة من الشرق…هي موسيقى تكفكف الدمع أخيرا…و تجعل المرء يرتمي روحيا وجسديا داخل الإيقاع…محمولا بكلام قوي…ساطعا بالتمرد العنيف…و الناعم في نفس الآن…كلام نوسطالجي، وعاشق للحياة…انتهى كلام 2دمون عمران المالح…و في الاتجاه نفسه، يكتب الأديب الطاهر بن جلون : « إن أفراد مجموعة الغيوان…مخلصون لأشعار جذورهم…و لمآثر الإخاء في وجدانهم… و لمتخيل شعب بكامله… 2نهم شعراء « التروبادور…» يبعثون الغناء.. و يصنعون الإيقاع، و يعودون إلى زيارة أرض الأسلاف…» منذ البدء، عرفت المجموعة كيف تمسرح الأداء للتواصل أكثر و أعمق مع الجماهير المتعطشة… أتقنت التعبير عن الرفض والكبت والصمت المطبق…مثلت الاحتجاج السياسي والاجتماعي.. قوة المجموعة في كونها استمدت الإبداع الغنائي من علاقتها بالتراث…و حرفيتها بالتمسك بالهوية و بال2مساك بالجذور..اعتنت بالبعد الصوفي و الروحاني للتعبير بالموسيقى…بإلايقاع الموحي والمعبر،بموازين ومقامات…إن.المجموعة تاريخ طويل وعريض حافل البذل والعطاء المثمر.إنها ظاهرة انحفرت في الأذهان ووشمت في القلوب ورسخت في الأسماع…إنها كانت ومازالت وستبقى خالدة في ذاكرتنا الفردية والجمعية. هكذا نفهم لماذا هذا البحر الغزير من الكتابات من كل حقول المعرفة عن الظاهرة الغيوانية من أجل إنصافها..تخليدها.. كتب عن المجموعة في الداخل والخارج بلغة الضاد ولغة موليير وغيرها كثير من الأعلام والمشاهير، بل أنجزت في حقها البحوث والدراسات والأطاريح. غاب العربي…بعد بوجميع…و بقيت المجموعة تبني نمطا غنائيا استثنائيا ومتميزا وحافظت على حياتها رغم موت أفراد منها، لأنها أكبر من الأفراد..إنها ملك شعب بأكمله. ولئن سلطنا الأضواء على أغاني المجموعة..فسنلاحظ استثمار التراث الشعبي القروي.. تعدد الثيمات.. فسحة الملحون.. عمق الأمثال والحكم.. أغنية الغيوان غالبا ما تبدأ بحرف نداء « يا « … فهي عيطة على المخاطَب…الذي قد يكون فردا..وربما جماعة مقصودة أو نكرة . في ليلة من ليالي شهر يونيو 1971 ، صعدت المجموعة فوق خشبة مسرح محمد الخامس بالرباط، هناك وقف الجمهور الغفير مذهولا أمام هؤلاء الشباب و آلاتهم الموسيقية العتيقة… اكتشف الجمهور المتعطش إلى الأغنية البديلة نوعا جديدا، و شكلا جديدا وإيقاعات منسجمة و جذابة و أصواتا متناغمة…صفق الجمهور على الجرأة غير المعتادة، و الجهر بكلمات احتجاجية في زمن كان الاحتجاج يعني ما يعنيه..كلمات تعبر عن مشاكل و هموم و أحزان مجتمع يتوق للكلمة الملتزمة التي تعبر عن قضاياه ومشاغله. استمدت المجموعة ترياقها وقوتها واستمراريتها من الجماهير، فواصلت ابداعاتها بكل حزم واجتهاد. هناك وحدة القلق…هناك حزن الفرد داخل الجماعة… « أيا ندامتي…و يا ندامتي… و مال كاسي حزين ما بين الكيسان… و مال كاسي تايه تاينين زاد قوا عليا لحزان… مال كاسي باكي وحدو…مال كاسي نادب حضو… مال كاسي يا وعدو…هذا نكدو…غاب سعدو…آه يا الصينية» يتبدى في أغاني المجموعة أسف وأسى على ماض تولى، على زمن جميل مضى وانقضى.. « الماضي فات…يالشاغل بيه بالك مات و العين بكات…على الماضي و الشمعة طفات… مفهوم الزمان في أغاني الغيوان غالبا ما يكون مرتبطا بالغدر والطغيان و العدوان : ما نويت الزمان يغدر و يتبدل الحال ما نويت الناس تبيع عزها بالمال و يوليو الطغيان بالقهر جايرين و المسكين الهيمان فالشقا ولمحان يتمنى الموت عيان ما وجدها فحين… و كما سبقت الإشارة…العودة و الرجوع إلى الأصول و الجذور…و أحيانا بنفحة فلسفية أقرب إلى التصوف…و ليس بعيدا عن فن الموشحات، و إيقاع الحكايات: «…و العار عليك أبو حمرية…حمر التراب و الحمامات الطوبيات…و الطالعات فوق النخلات…. و يݣولو : المولى الروح فنات… و في أغنية أخرى : اصحابي صحاب الݣصبة…اصحابي صحاب العشرة…عمار لمطامر سيدي…بناي النوادر بابا…قنديل الظلام دابا… تتناول أغنية الغيوان كذلك مفارقات المجتمع…و تناقضاته…و متناقضاته…رؤية المواطن العادي للخرافات في وقت يتطور فيه العالم من حوله، و ال2يمان بالخرافات و الأساطير من أسباب استفحال الجهل : سال الطالب…سال الطبيب ! عادو عليه الحرازة بو كمية حرش لعيون ! خوك الطفلة سر لكنون…سيدي إلى كان لكرا نكريه…إلى كان لشرا نشريه إلى كان لقصارة…نهدي عمري على ݣريني… وايلي…كلها يزهى مع ݣرينو… قلتم « الربيع العربي « ؟ فهل تنبأت المجموعة الغيوانية بما وقع في السنوات الأخيرة الماضية…فلنستمع لأغنية مر عليها ردح من الدهر: « سبحان الله صيفنا و لا شتوة…وارجع فصل الربيع فلبلدان خريف و مضات يامنا و سرقتنا سهوة… و تخلطات لديان شلا ليك نصيف…الصهيون فغاية لعلو دركو سطوة…و قبلنا دلهم عاد الشرق كفيف و الحاكم كيصول كيقبض الرشوة…و الشاهد كيزيد فالشهادة تحريف… فهم المعنى و عيقو استافد وروى…هذا سر الكنان ماراهو تصحيف… أليست هذه الأغنية كأنها كتبت بالأمس القريب ؟ و تجدر الإشارة أيضا إلى أن كل أغاني المجموعة تتردد فيها مسألة الموت…مفهوم النهاية…قضية الفناء… ويلا كانت الموت عدل كيف داير حال الظلم ؟ شمس الحيين ما تدفي الموتى ماشي بصياح لغراب كاتجي شتا و الله ما قفلنا…لا فورنا… هناك أيضا العلاقة الطبيعية و لغة الطبيعة…و جمالية الطبيعة…و قوة الطبيعة…و قساوة الطبيعة… ما هولوني غير الصبيان مرضو و جاعو و الغرس 2لى سقط…نوضو نغرسو أشجار و الحوض إلى جف واسود نعناعو الصغير فرجالنا يجنيه فاكية و تمار… مصير وحدين عند آخرين ساهل تنزاعو و شعاع الشمس ما تخزنو لسوار… ثم هناك توظيف الحيوانات بطرق إبداعية ما أعمقها…قد تحيلنا إلى كليلة و دمنة و رمزية التوظيف…حيوانات في أغاني الغيوان قد تكون قابلة لكل القراءات و التأويلات…على سبيل المثال لا الحصر: « يا من هو باز فلقفاز… يا من هو فروج على الكندرة نشر جناحو… يا من هو تليس…عطى ظهرو لتغراز عمرني ما ريت لغزال تمشي بالمهماز و فراخ الخيل عادو سراح عمرني ما ريت النخلة تعطي حب الغاز بعد التمر و تبلاح يا من هو ديب فلغياب كثر صياحو… نسمع في أغنية « الشمس الطالعة « مثلا: عامك يا عام الجوع راه قبيلة وزعوا جربوع «و الجربوع « يتكرر في أغنية « الرغاية «…و الجربوع : نوع من الجراد… نتوما الخيل تعرف ركابها…نتوما الدنيا إلى عواجتو تجيب جوج رجلين عرجين، و صايݣها جربوع…و اللي ݣال العصيدة باردة، يدير يدو فيها… يمكن الحسم بأن الثيمات الأساسية التي تجسدها الأغاني الغيوانية تتمحور أساسا حول « احتقار الفقير «…»الاستغلال البشع « «الذل و الهم « «الجوع و الأحزان « «المرض و العذاب « «الصهد و الجمر « « النكبة و السيبة « « الشدة و الغدر « « التلفة و الاحزان و الغضبان «…» الحق و الباطل « « الظلمة و القهرة « « الرعد و لمواج « «النفاق و الحݣرة « « الكلب و الديب « « الطغيان و البهتان « «الندامة و الكية « « الهول و العديان « الشقا و لمحان « …و « الغم فلبلدان «… « الطيور و الجنحان « « و القلب و صميم لكنان « «الدموع و البكيان «…و قس على ذلك ! لاحظوا معي أن جل الالفاظ تنتهي بآن…كما تنتهي كلمة «إنسان»… إذن إبداعات الغيوان هي إبداعات من الإنسان إلى الإنسان مرورا بالإنسان ! الأغاني تحمل هما إنسانيا بامتياز…ولهذا لقيت الإقبال و الإعجاب من طرف بني الإنسان من إفران إلى تلمسان مرورا بوهران… ونتوقف فقط عند علاقة الأغنية الغيوانية بالظلم…و التفاوت الطبقي…و الحق في مواجهة الباطل…و الحرية في مجابهة العبودية و الاستعباد. في أغنية تاغنجة مثلا…نسمع : يالزايدين المهموم في همو…يالمعاونين الظالم على ظلمو… واش الحق كفا واعطى بالادربار…واش الحق كفا من زمان قفلو عسري و ساروتو ما فالحياة…مبداها الخير و الشر…لحرار و السبايا العيب فينا بالأطنان…لا لغة موحدة و لا ماية يا حيرتي فبنادم واحد، وكثرة الأديان…ياك ذاك إنسان…و ذاك إنسان…ياك هذاك لذاك مرايا…وياك هذاك لذاك مرايا… وفي أغنية مهمومة الشهيرة : المسكين فهمو ساير يلالي…عايم فلفقايص عومة محمومة شي مفتون بمالو ساير يتعالى…لايح الرزانة فقهاوي محرومة هايم بلقصاير و ليلات تلالي…الخرفان مذبوحة و البنات مغرومة كيسان مكبوبة والخمر الغالي…حياني أش دانا للفعايل مذمومة عمرو لحباسات بطفال مهمومة…ماتو الرجال برسايل ملغومة عمرو لسواق بردايل الغاني….تبنات لبيوت بفحايش مسمومة و من طرائف الساخر المعروف بالحي المحمدي «كيرا»، كان ذات يوم واقفا بجانب محل جزار، و 2ذا بالراحل العربي باطما يقف أمام الجزار طالبا منه كيلوغراما من اللحم، و سمعه كيرا ثم خاطبه ضاحكا : « مهمومة علينا غير حنا…» … انتهت النكتة. ثمة أيضا قوة الوصف و التشبيه و الاستعارة و العمق في المعنى…خاصة حين الحديث عن التفاوت الطبقي، و الغني الذي يزداد غنى، و الفقير الذي يزداد فقرا…ففي أغنية البطانة مثلا: عبيد الصنݣ المعبود يا ݣلوب الحجر… ݣلوب طايشة مليانة بلغدر… سلسلتو لقبر…ها الحق…ها المنكر… الخز للصخر من هم لبحر شكا و الرياح العاصفة هجرات البرق و الرعد… ما بين صخرة جامدة…و عوافي زاندة لصهد الريح هامدة…هذا بمهما زوينغر…هاذا ما يرد عليه…لا دوا يداوي…حسبت 10و10 و عرفتها شحال تساوي، القرن 20 هذا…عايشين عيشة الذبانة فلبطانة…راه الفرق عظيم بين التفاح و الرمانة…واش من فرق بين نت و نت و نت و انا… و في أغنية «الجمرة»…نبقى في نفس السياق: مطعونين فالظهر…و ما ضحينا بالعمر…ياك آخرها هي لقبر…بنادم فالزنقة دالح ما مرتاح…الخوف و القهر عليه قاضي فالعماق الفوضى…و من الفوق يبان لبحر هادي…الحق و الباطل هنا…الشاهد يزور لعمى…و الحاكم ما يذوق المعنى… يا بنادم…دار الصابون ماشي جفنة…الطعام إلى سخون…رد اللقمة ! يكفانا اللي حنا فيه…يكفي الجوع و ما قاسينا…كل شي ديالنا و حنا ماليه… و دائما في إطار التفاوت الطبقي الذي ركزت عليه المجموعة كثيرا…جاء في أغنية الصمطة : العمارات عالية…و لكواخ مردومين لمسابح دافقة…لفدادن محروقين شمس ضاوية…لبيوت مغموقين بحوري عامرة…و حنا جيعانين الدنيا غادية يا هلي…بحال المسكين ! و بالأسلوب المباشر…الواضح…تقول : تحݣر الفقير…و تݣول التغيير…و نت شفيفير… ما تسواش نعالة…تزور لوراق…و تشهد بالنفاق… و تسيء الآداب…و تكلم بالجهالة ! نعم هناك تفاوت طبقي حتى بعد الموت…حتى بعد نهاية الإنسان؛ و هذا ما تؤكد عليه المجموعة بقولها عن مصير الغني، و مصير الفقير بعد موتهما : مات الغني يا حبابي…طلبة و عوان تابعاه شي يقرا عند راسو…شي شاد السبحة حداه تبعو لݣنازة يهللو…و ريح الوارث شاداه خلا الديور و دواور…خلا ليشاشرة معاه خلا لخيول العاتقة…ديك السربات عارفاه كلها يكول حبيبي…و ريح النفاق سابقاه راس مالو غير خرقة…حفرة…و شبر ماسواه… أما فيما يتعلق بالمسكين الفقير الذي عاش الفقر، فموته ليس أفضل من حياته : مات المسكين يا حبابي…حتى واحد ما مشى معاه قرا طالب عند راسو…بزز عليه ما قراه خلا الميمة عميا…على خيالو حاضياه عندها مقراج و النعيرة…غير الضرݣة ساداه عندها فروج ل النحيرة…غير القنب قاجاه… إذا سلمنا بأن هناك شيئا من التفاوت الإبداعي و الفني بين بعض أغاني المجموعة : خاصة، في السنوات الماضية؛ فذلك راجع بالأساس إلى تغيير الظروف السياسية و الاجتماعية و الثقافية التي عرفتها البلاد مع الجيل الجديد، و هذا لا يمنع، و لا يلغي القوة الضاربة التي أبانت عنها المجموعة بمسار حافل و مسيرة استثنائية خلال عقد من الزمن كان فيه القمع سيد الميدان، و مقولة « إن لم تكن معي…فأنت بالضرورة ضدي « رسمت المجموعة رسما إبداعيا عميقا حين جعلت من الكلمة الصادقة متنفسا فأطلقتها أنغاما حرة… رحلت أسماء…و تغيرت أسماء…و ظهر أبناء و أحفاد الغيوان داخل الحي العتيد لإعادة غناء المجموعة…و تكونت مجموعات أخرى من جميع مدن البلاد، تحفظ و تعيد الأغنية الغيوانية لكي لا تموت…و لن تموت ! فهي ليست كلاما فحسب، و إلا لما نالت إعجاب السينمائي العالمي الكبير مارتين سكور سيزي الذي لا يفهم اللغة العربية، و قال في حديث له بجريدة لوموند الفرنسية الصادرة يوم 22 ديسمبر 2007 ؛ « خلال مونطاح فيلمي { valse des pantins } عام 1981، كنا نشتغل ليلا؛ و جرت العادة أن أترك شاشة التلفزيون مشتعلة؛ و كان آنذاك شريط « الحال « الذي شدني إليه، و أثار اهتمامي؛ توقفت عن العمل، و تابعت مشاهدته…هذا الشريط مكنني من التعرف على حقيقة الحياة بالمغرب، إذ كان يقدم فكرة عن ثقافته الشعبية المتجذرة…و قد أغرمت بهذا الإبداع، ثم اشتريت بعد ذلك موسيقى المجموعة؛ و هو ما ألهمني بعد ذلك بعضا من صور فيلم « la dernière tentation du christ « « آخر إغراءات المسيح « الذي تم تصويره في المغرب عام 1987؛ تلك الموسيقى فتحت عينيَّ على عالم فني شاسع حيث الأصالة، و المعاصرة في توازٍ…لاشك ان المجموعة تتمتع بقوة جبارة لتنساب بهدوء إلى أعماق جمهورها الذي يتسع ويتمدد أكثر فأكثر، كما أعجبني كثيرا توظيف المجموعة لآلات من التراث الأثيل:»البندير و الدربوكة و الدعدوع و الݣمبري، لاسيما « البانجو» كل هذا برفقة أصوات شجية وجهورية ، كل هذا أثر في تأثيرا بالغا…» يضيف المخرج العالمي الكبير سكورسيزي.