فكان حدث تقديم رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران لحصيلة نصف الولاية للحكومة المغربية تفعيلا للفصل 101 من الدستور، واقعة سياسية بارزة ووجبة دسمة للفعاليات السياسية والصحافية ببلادنا في الأيام القليلة الماضية. وكل من حاول أن يساهم في هذا الحوار برؤية نقدية موضوعية ينظر إلى الكأس في شموليته، سواء في الجزء الفارغ أو في الجزء المملوء، لا يمكن أن يُقر إلا بحصيلة هزيلة ومُخيبة للآمال، وأن الخطاب المدافع عن الحصيلة الحكومية يعتمد القراءة السياسية التي تحمل أسلوب التشنج وارتفاع مؤشر التأهب للهجوم والاستنشاق المفرط لغاز الانتخابات.. كان حدث تقديم رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران لحصيلة نصف الولاية للحكومة المغربية تفعيلا للفصل 101 من الدستور، واقعة سياسية بارزة ووجبة دسمة للفعاليات السياسية والصحافية ببلادنا في الأيام القليلة الماضية. وكل من حاول أن يساهم في هذا الحوار برؤية نقدية موضوعية ينظر إلى الكأس في شموليته، سواء في الجزء الفارغ أو في الجزء المملوء، لا يمكن أن يُقر إلا بحصيلة هزيلة ومُخيبة للآمال، وأن الخطاب المدافع عن الحصيلة الحكومية يعتمد القراءة السياسية التي تحمل أسلوب التشنج وارتفاع مؤشر التأهب للهجوم والاستنشاق المفرط لغاز الانتخابات (حسب حسناء أبو زيد) وخاصة عندما جعل رئيس الحكومة من نفسه وحكومته وحزبه صمام الاستقرار وضامناً له باتراً بذلك المرحلة من سياقاتها التاريخية، كان من المنتظر ومن الواجب أن يتحمل السيد الوزير الأول للحكومة مسؤوليته في تنفيذ أول دستور يؤهل البلاد نحو الانتقال الديمقراطي، وأن يكون موضوعياً ونزيهاً في مناقشة موقع المعارضة وصلاحياتها انطلاقاً من الدور الذي يوليه لها الدستور الجديد، وأكد عليه الخطاب الملكي في افتتاح الدورة التشريعية لأكتوبر 2013، عوض اللجوء إلى أساليب التلاسن والتهكم والسخرية والتنكيت واتهام العفاريت والتماسيح والقنافد. وكان على السيد عبد الإله بنكيران أن يلتزم بروح الدستور وينسجم مع مقتضيات السياقات الدولية، والتي تنزع إلى المزيد من الانفتاح والشفافية والديمقراطية، وكان عليه أن يلتزم بموقف مؤسسة الإنصاف والمصالحة والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، عوض أن يتقمص دور البصري وأمثاله وعوض أن يردد الأسطوانة المشروخة في خرجاته الأخيرة حول فضله وفضل حكومته في الاستقرار الاجتماعي والسياسي الذي ينعم به المغرب حالياً، في حين يتجاهل عن وعي أو ربما عن جهل أن استقرار مؤسسات الدولة وتماسك المجتمع كما يقول يونس مجاهد في ركن متابعات هو نتاج جدلية لعبت فيها القِوى الوطنية الديمقراطية وكذا المنظمات النقابية ونسيج المجتمع المدني دوراً تاريخياً وأساسياً، حيث ساهمت في حصانة المجتمع ونضجه ومنحه قدرة على تجاوز الأزمات، ومساهمة مني في هذا الحوار ورداً على الخطاب التبريري للمدافعين عن حصيلة الحكومة الحالية، وخاصة الادعاءات بتحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي واحتواء الغضب الشعبي بحيث حسب زعمهم تراجعت الإضرابات والاحتجاجات في الشارع المغربي، رداً على هذه الادعاءات البعيدة عن التحليل الموضوعي الرزين والجاهلة للتاريخ المغربي بأحداثه البارزة والمؤثرة والمُساهمة في بناء ورسم الأنسقة السياسية منذ الاستقلال وسياقاتها ودلالاتها وانعكاساتها على مسار التجربة الديمقراطية في المغرب، فمساهمة مني إذن في هذا الحوار، أحاول بتواضع علمي كبير أن أسرد بعضاً من سياقات تشكل معالم التجربة السياسية والديمقراطية في المغرب ودورها في الاستقرار السياسي والاجتماعي وبروز هذا البناء الشامخ، والذي يمثل الاستثناء المغربي. واقتناعاً مني بضرورة الاختصار نظراً لشساعة الموضوع وتشعبه وجزالة المعطيات المرتبطة به، قررت أن أبدأ من أحداث نهاية فترة الخمسينات من القرن الماضي، حينما كان ميزان القوى في المشهد السياسي المغربي يميل إلى قِوى التقدم والتحرر. ولقد كان المغاربة وقتها في أوج نشوة الانتصار على المستَعمر وحماسة قهر الذل والهوان، فأدرك المغاربة أن مسيرة التحرر ومعركة الديمقراطية لابد لها أن تستمر وتستمر جدوتها ووقودها وأدواتها وحرارتها وكل رصيد المقاومة ضد الاستعمار الابنيني بالمغرب. وفطنت القوى الحية آنذاك أنها خرجت من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر، وهو الجهاد ضد الفقر والاستغلال والاستعباد والمهانة، ومن أجل التحرر والتنمية والكرامة والديمقراطية، بل هناك من هذه القوى من ذهب إلى اعتبار الاستقلال ومعاهدة إيكس ليبان مجرد مناورة استعمارية من أجل فرض استقلال شكلي أملته مصالح المستعمر ومصالح الفئات التي ترى في الاستعمار مجرد منافس لها في السيطرة والاستحواذ على مواقع القرار. ولهذه الأسباب، كان على الحاكمين في المغرب أن يبحثوا عن صيغة سياسية لتغيير ملامح المشهد السياسي قصد زعزعة مصداقية حزب القوات الشعبية آنذاك ومحاولة التأثير على تجذره الجماهيري، وذلك بخلق آليات تشريعية وقانونية وخلق أحزاب أخرى تنازعه الجماهيرية وتفقده شيئاً من قيمته ووزنه في الأوساط الشعبية والسياسية. في هذه الظرفية التاريخية، وفي هذا السياق السياسي، بدأت في المغرب استراتيجية إحداث التوازنات السياسية، وذلك بإحداث مرجعية قانونية لتأسيس وخلق أحزاب أخرى تنافس الإطار الجماهيري القائم سياسياً ونقابياً وتاريخياً، فظهرإلى الوجود في المغرب، قانون الحريات العامة ليكون بداية فترة النكوص والتراجع وبداية مسلسل سياسي يتمثل في خلق آليات وأحزاب سياسية ونقابات لخلق التوازن المطلوب من طرف الحاكمين في المشهد السياسي المغربي، حيث تميل الكفة نسبياً إلى قوى المحافظة والجمود والتحجر والرجعية ضد قوى التغيير والتحرر. وفي هذا السياق، ظهرت أحزاب الحركة الشعبية ثم حزب الجبهة للدفاع عن المؤسسات الدستورية (FEDC) ثم التجمع الوطني للأحرار (1977) فالاتحاد الدستوري (1983)... فالأصالة والمعاصرة... إلخ. فالاستقرار الذي ينعم به المغاربة حالياً لا يمكن إطلاقاً أن نفسره تعسفاً بأحداث أو بسياسة الحكومة الحالية، لأن مقتضيات قانون الحريات العامة رغم أنها لم يتم تفعيلها خلال الستينات، وخاصة خلال حالة الاستثناء (من 1965 إلى 1970)، بعد أن حل البرلمان ومنعت الأحزاب والنقابات، واعتقل الكثير من الفعاليات السياسية والنقابية، ولم تفعل هذه المقتضيات كذلك في بداية السبعينات، نظراً لحالة الجمود السياسي الذي أعقب مظاهرات 1965. نظراً لهذه الأسباب، فإن قانون الحريات العامة، والذي كان سيفاً ذو حدين في يد الحاكمين آنذاك، عرف طريقه إلى التفعيل النسبي بفعل الانفتاح السياسي الذي عرفه المغرب بدءاً بقضية الصحراء التي ساهمت في توحيد الموقف الوطني ووصولاً إلى لحظة اختيار المرحوم الحسن الثاني لكي ينتشل المغرب من مخاطر السكتة القلبية، أن ينفتح على حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. ولقد رأى ملك البلاد آنذاك بفطنته وتجربته السياسية أن المشروع الاتحادي بديناميكيته وانفتاحه وتحرره وأن حزب الاتحاد بأطره وبفعالياته الاقتصادية والفكرية وبمصداقيته ورصيده الجماهيري والتاريخي، بإمكانه أن يقود سفينة المغرب في تلك الظرفية التاريخية الحرجة في تاريخ البلاد. إن هذا الانفتاح الذي اختار المرحوم الحسن الثاني تلك اللحظة السياسية لتدشينه، كان على وشك أن يقع مثله في تاريخ المغرب سابقاً في عهد المغفور له محمد الخامس، لما كان ملك البلاد آنذاك يُجري اتصالات بفعاليات سياسية يسارية من أجل تأسيس حكومة توافق وطني وإحداث مجلس تأسيسي للدستور، إلا أن ولي العهد آنذاك كان له رأي آخر، فأُجهضت تلك الأحلام، وأُدخل المغرب إلى عقود من الجمود السياسي أفرزت اعتقالات ومحاكمات وظهور أحزاب سياسية سرية وانقلابات عسكرية. لذا يمكنني أن أستنتج أن الاستقرار في المغرب، ليس وليد ظرفية حالية بخصوصياتها السياسية والدولية، بقدر ما هو نتاج تعاقد ضمني وعلني بين الشعب المغربي مؤطراً بقواه الحية وبين النظام الملكي. ومن تجليات هذا التعاقد الحريص بالارتقاء بالمغرب وبالمغاربة إلى الموقع المتقدم في الاستقرار والأمن، ظهور حكومة التناوب التوافقي في المشهد السياسي برئاسة الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي، أحد الوجوه الوطنية المعروف بكاريزما جهادية ونضالية، وأبرز رموز التحرر والاستقرار. ورغم ظهور هذه الحكومة في ظروف مالية ومناخية دولية صعبة، إلا أنها استطاعت أن تُعيد للمواطن المغربي ثقته في بلاده، وذلك بإنجازات سياسية واقتصادية مهمة كالانخفاظ الكبير في المديونية الخارجية وارتفاع في الأجور وتطوير مهم في خدمات البادية بشكل أعاد الثقة لسكانها وجدد ثقتهم في العمل السياسي. واستطاعت الأطر الكفؤة، والتي تتوفر عليها الأحزاب المكونة لتلك الحكومة أن تُبدع في مجال برامج تشغيل الشباب وتكثف من برامج كهربة القرى ومدها بالماء الشروب والطرقات. وبما أن التربية والتكوين هي القضية الثانية للمغاربة ذات الأولوية الاستعجالية بعد القضية الوطنية الأولى، فقد صيغ لأول مرة في تاريخ المغرب، ميثاق التربية والتكوين، وذلك بإشراك لجنة تمثل كل الفعاليات والمكونات المعنية بهذه القضية الشائكة. وظهرت مشاريع اقتصادية مهمة كمشروع الميناء المتوسطي، وارتفعت الميزانية الخاصة بالاستثمار، وعلى المستوى الحقوقي، ظهرت أجواء مناسبة للتسريع بوتيرة الحوار والانفتاح والتقارب والتصالح عبر تأسيس منتديات (منتدى الحقيقة والإنصاف) وهيئات وجمعيات وطنية للإنصاف والاعتراف والمحاسبة وجبر الضرر، وظهرت كذلك مجالس حقوقية (المجلس الوطني لحقوق الإنسان)، وكذلك بموازاة مناخ الثقة والتعاون والاستثمار والتضامن. ولقد ساهمت هذه المنجزات والمكتسبات في حصول المغرب على امتياز الوضع المتقدم في علاقاته مع الاتحاد الأوربي. تلكم غيض من فيض نريد من خلاله إبراز بعض تجليات التعاقد بين الملك والشعب، والذي أصبح واقعاً ملموساً وضامناً للاستقرار في المغرب. إن الديناميكية التي عرفها المغرب منذ اعتلاء محمد السادس عرش أسلافه الميامين، وانصهار رغبته في الانعتاق والتقدم مع حرص حكومة التناوب في الحفاظ على الحوار مع الفرقاء الاجتماعيين، ساهمت في إرساء منهجية الحوار الفعال والإيجابي اجتماعياً وسياسياً وتبلورت آفاق رحبة في الحوار الاجتماعي نتجت عنه مكتسبات ملموسة في الحريات النقابية والأجور والتشغيل. وأمام هذه الوضعية وهذه الحقائق الثابتة، والتي لا تزكم الأنوف إلا للذين عميت أبصارهم، والتي في قلوبهم أشير في ردي على هؤلاء أن الشارع المغربي لازال يغلي ويشتعل بالمطالب وبالمظالم، ولم يكن هناك طابع سلمي للصراع الاجتماعي في واقع مؤلم أبرز تجلياته، الزيادات المستمرة والمتتالية في المحروقات وتغييب الحوار الاجتماعي قصد الإجهاز على المكتسبات الشعبية والنقابية، والتي تحققت في عهد الحكومات السابقة. كما يتميز الوضع الحالي بانعدام رؤية أو مقاربة أولية لإشكالية صناديق الاحتياط الاجتماعي وصناديق التقاعد والتلكؤ في إصدار قوانين تنظيمية للجهوية الموسعة والقوانين المتعلقة بتنزيل وتفعيل فصول الدستور. وفي المذكرة التأطيرية التي وجهها رئيس الحكومة لمكونات حكومته دعا إلى اجراءات تقشفية صارمة من خلال الإعداد لقانون المالية، وذلك لمواجهة التحديات المرتبطة بالظرفية الدولية وبالسياسة اللاشعبية للحكومة وانعكاساتها السلبية على الاقتصاد الوطني (تباطؤ نمو التجارة العالمية تقلب أسعار الطاقة السحب المبكر لبرنامج التسيير النقدي من طرف البنوك وأثره على استقرار الاسواق المالية وأمام هذه التحديات لازال هناك تلكؤ واضح في توسيع الوعاء الضريبي وادماج القطاع غير المهيكل. ومن جهة أخرى أشار بنك المغرب في تقريره الشهري حول الظرفية الاقتصادية والنقدية والمالية الى أن عجز الميزانية سجل تدهورا خلال ثمانية اشهر الاولى من السنة الجارية, اذ وصل الى 39 مليارا و 200 مليون عوض 34 مليارا و 200 مليون في نفس الفترة في السنة الماضية, كما أن شح السيولة يتفاقم والبنوك في حاجة الى 7.380 ميلان لتمويل احتياجاتها. وتحث المذكرة التأطيرية لإعداد القانون المالي, كذلك على ارجاء تنفيذ القرارات المتعلقة بأية ترقية أو مراجعة للأجور والتعويضات والحد من إمكانيات التوظيف للتحكم في كتلة الاجور ( 104 مليار درهم) كما تحث على عدم التوظيف في المناصب المالية الشاغرة. مع التذكير على أن الحكومة لجأت من قبل الى تعليق 15 مليارا من ميزانية التجهيز والاستثمار مع العلم أن هذه الاجراءات تضرب في الصميم سياسة الادخار والاستثمار وتضع النظام التحويلي في هشاشة, اذ يتم الالتجاء لمعالجتها وتفادي انعكاساتها السلبية والخطيرة الى تسبيقات البنك الدولي. في ظل هذه التدابير وفي خضم هذه الوضعية التي وصلت اليها بلادنا، يتكلم رئيس الحكومة عن منجزات ينقصها فقط من يعرف تسويقها, كما يتم الحديث عن تحقق الاستقرار والسلم الاجتماعي والحوار الوطني لاصلاح منظومة العدالة. وحينما نتحدث عن اصلاح العدالة يجب استحضار الوقفات والاحتجاجات والملفات المطلبية للمحامين والقضاء والأعوان القضائيين وكذلك المعركة التي خاض محطاتها كتاب الضبط والوقفة المطلبية التي تنوي جمعية العدول تنظيمها والدراسة التي انجزتها جمعية عدالة تطالب خلالها بضرورة تمكين القضاة من الآليات القانونية المساعدة على ترسيخ استقلالية القضاء ووضع الضوابط الفعالة والكفيلة بصيانة استقلالية القضاء وعدم المساس بها. ان أهل مكة أدرى بشعابها وفي موقع الحكم على الإجراءات والاصلاحات المنجزة في مجال العدالة، لذا لا ينبغي التمترس وراء الأجنبي وإشادته بتجربة المغرب في العدالة وفي التجربة الاصلاحية لها. اما عن تراجع الاحتجاجات في الشارع خلال ولاية النسخة الاولى من الحكومة الحالية, فيكفي أن اشير فقط الى خروج خمسة عشر ألف عاطل مؤخرا حاملة للشعار: التشغيل او الرحيل، اذ استطاعت مجموعات العاطلين ابتكار اسلوب نضالي تمثل في خوض يوم نضالي يوم الاحد سادس شتنبر احتجاجا على تهميش ملف العاطلين والسعي الى اقصائهم, مما تم الاتفاق عليه في محضر 20 يوليوز 2011 والقاضي بادماج فئة منهم في اسلاك الوظيفة العمومية بالاضافة الى نهج ممارسات قمعية وديكتاتورية كالاعتقال وتوجيه الاتهامات الجنائية لهم. واذكر في هذا الاطار, ان المحكمة اصدرت أخيرا احكاما لفائدة المعطلين تنضاف الى الاحكام السابقة والتي منحت الشرعية لمحضر اجتماع الحكومة مع المعطلين في 20 يوليوز 2011 لذا يتوجب على الحكومة في شخص رئيسها اتخاذ الإجراءات الضرورية لتسوية الوضعية الادارية والمالية للمدعين وذلك بادماجهم في سلك الوظيفة العمومية مع ما يترتب عن ذلك من اثار قانونية وفقا للمرسوم الوزاري رقم 2.11.100 الصادر بتاريخ 4.8.2011 وتنفيذا لمحضر 20 يوليوز 2011 وهكذا فعوض احترام المواطن المغربي واعتبار كرامته وحقه في الإطلاع على حقيقة اوضاعه الاقتصادية والمالية والاجتماعية، والاعتذار له على عدم تنفيذ وتحقيق الوعود الانتخابية من رفع نسبة النمو الى %7 والعمل على تراجع نسبة عجز الميزانية وتشغيل الشباب وتخصيص منح شهرية او إعانات لذوي الدخل المحدود، عوض الجرأة في اتخاذ هذا الموقف السليم والذي يراعي قيم المواطنة والاسلام والوضوح والشفافية والاعتراف وقول الحق، عوض ذلك تستمر الحكومة في دفن رأسها في الرمال، بل تستمر كذلك في التناقض في الخطاب وعدم الالتزام بوعودها والتزاماتها، امام الشعب المغربي إبان الحملة الانتخابية, فلم تنجح في تخفيض نسبة البطالة الى %8 وتقليص نسبة الامية الى %20 وتخفيض عدد وفيات الاطفال الى 20 وفاة في كل 1000 وتقليص العجز السكني من 840 الف الي 400 الف وحدة سكنية. وعند تشكيل الحكومة في صيغتها الثانية, فاجأتنا بفريق مكون من تسعة وثلاثين وزيرا بمزيج من التكنوقراط والمنتمين للاحزاب المكونة لهذه الحكومة، ولقد حضرت اثناء اختيار الوزراء الجدد مقاييس تعتمد مصالح الاشخاص والعائلات والصقور والاحزاب, بل يمكن القول بأن كل الاعتبارات حضرت خلال هذا الاختيار وفي تقسيم الحقائب الوزارية الا مقتضيات الاصلاح الحقيقي والتي تراعي مصلحة الوطن ومصلحة المواطن، فبالاضافة الى التكلفة المادية والسياسية لهذه الصيغة المختارة، يرمي الكثير من المهتمين والمحللين السياسيين انه لا جدوى ولا فائدة من احداث وزارات منتدبة تابعة لوزارات اخرى وتمارس نفس المهام والاختصاصت، الا اذا استحضرنا هاجس ارضاء بعض الطموحات الحزبية الضيقة وإحداث توازنات وتقديم تنازلات لارضاء صقور حزبية من مختلف الاحزاب المكونة للحكومة، ويتجلى هذا الحرص وهذا الاعتبار في توزيع حقيبة السكنى والتعمير بين قائد حزبين مشاركين في الحكومة واحداث سيل من الوزارات المنتدبة ويتأكد مرة أخرى من ان منطق التحالفات في تشكيل الحكومة لا يرتكز الا على مقياس المصلحة الحزبية الضيقة, وانه في الممارسة السياسية للاحزاب المشكلة للحكومة الحالية لا صداقة ثابتة ولا عداوة دائمة.. بل مصالح قائمة ومسرحية دائمة وأحزاب نائمة ومشاكل متفاقمة.. وكعكة متقاسمة..! ومن الممارسات الايديولوجية الممنهجة للاستاذ عبد الإله بنكيران قصد ارضاء التيارات المحافظة في المجتمع تهييئا للانتخابات، تبخيسه لقدرات المرأة ودورها في المجتمع حين وصف النساء بثريات البيت واعتبر خروج المرأة للعمل خارج البيت خللا ينبغي إصلاحه, لأن حسب تعبيره المصابيح انطفأت في البيوت المغربية، وكان من الموقف حلقة أخرى بعد رفض حزب بنكيران للخطة الوطنية لتنمية وتحرير المرأة وكانت مراجعة مدونة الاحوال الشخصية في جوانبها المتعلقة للمرأة سببا في رفع الحيف والظلم الذي تزرح تحت نيرة المرأة المغربية, وساهمت في إعادة التوازن للاسرة، وكان من نتائج هذه التصريحات الاخيرة لبنكيران والتي تكرس التمييز وتمس بكرامة النساء وحقوقهن في التعلم والعمل، ان قامت جمعيات وفعاليات الحركة النسائية والفعاليات المدافعة عن حقوق المرأة بوقفات احتجاجية اهمها تلك التي نظمت أمام البرلمان وانتهت بقرار عشر جمعيات بمقاضاة رئيس الحكومة بعد إصرار هذا الاخير على رفض تقديم اعتذار للمرأة المغربية، و اذا انتهينا لوضع نقطة نهاية لهذه المحاولة التوضيحية, أستعير فقرة بجريدة الاتحاد الاشتراكي في احد الاعداد الماضية، وجدتها مناسبة للختم, تقول "ان الاتحاديين والاتحاديات يدركون ان نجاح أعراسهم وملتقياتهم وتجمعاتهم ستزيد من شساعة الأفق الذي فتحوه، وأيضا من شراسة الهجوم الذي تعرضوا وسيتعرضون له، لان مراثي النعي ورسائل التعزية الواردة على الاتحاد منذ مدة، سقطت في البحر البحري الهادر الذي ردد وسيبقى يردد النشيد الاتحادي بقوة وبشكل جماعي، ويكشف ان هذا النشيد في قلوب وعلى ألسنة الاتحاديين,و اصبحت (مراثي النعي) بدون جدوى وبلا معنى، وصارت الحياة هي عنوان الاتحاد اليوم كما كانت دائما، وهو تعاقد من اجل الاستمرار ومن أجل التقدم على طريق الجبهة الاجتماعية الديموقراطية الحداثية والتي اعطيت انطلاقتها, بل تجددت دماؤها في التجمع الاتحادي بملعب مولاي عبد الله بالرباط في أكتوبر الماضي ,فالحكومة الحالية اذن لم تحقق كما تدعي سلما اجتماعيا ولم يحدث تراجع في الاحتجاجات الاجتماعية وتحركات الشارع المغربي والوقفات امام البرلمان. وأكبر دليل على ذلك خروج 15 الف عاطل مؤازرين ومدعمين من كل النقابات. والمنظمات الحقوقية والجمعيات في السنة الماضية ,كما عبأ حزب الاتحاد الاشتراكي حوالي 13 الف حافلة لنقل المناضلين والمتعاطفين الى تجمع الرباط، وكل هذه الجماهير لم تذهب الى الرباط يوم الاحد لقضاء الاغراض والمصالح الادارية بل لتقدم جوابا شافيا للذي كتب على حسابه الخاص بالانترنيت ان الاتحاد الاشتراكي مات. أريد من خلال تحريري لهذه المحاولة التوضيحة أن أبرز ان نعمة الاستقرار ليست وليدة اليوم, وليست من انجازات الحكومة الحالية كما يدعي بعض مسؤولي حزب الاغلبية، وانما هي ثمرة نضالات وجهاد تجدر في تربة هذا الوطن من عقود طويلة بدءا من النضال والجهاد من أجل الاستقلال عندما ربط الشعب المغربي بين الاستقلال وعودة المغفور له محمد الخامس من المنفى الاضطراري، مرورا بالمعارك التي خاضتها القوى الوطنية والتقدمية طيلة العقود الاخيرة من القرن الماضي وما خلفته هذه المعارك من محن وآثار وانعكاسات على الأبدان والنفوس والاسر ثم التفاف المغاربة بكل اطيافهم وأحزابهم وهيئاتهم للدفاع عن الوحدة الترابية منذ حدث المسيرة الخضراء, ثم بعد ذلك ما فتحته حكومة التناوب من آفاق المصلحة والمراجعة والمناصفة وجبر الضرر، بالاضافة الى المجهودات التي بذلتها الحكومات السابقة من أجل تفعيل قانون الحريات العامة و ضمان الحريات الفردية وترسيخ قيم المواطنة والحداثة كظهور مدونة الاسرة والمجالس والمنتديات الحقوقية. وكان على الحكومة القديمة في لبوسها الجديد ان تحترم المقتضيات الدستورية كأول التزام اخلاقي وقانوني وسياسي وتتجاوز العجز الواضح في التنزيل السليم للدستور رغم ان تشكيلها وظهوها في لبوسها الجديد لم يخضع لمقتضيات الفصل 88 من الدستور والذي ينص صراحة على أن رئيس الحكومة لا يتحمل مسؤوليته الدستورية الا بعد تصريح يدلي به في موضوع السياسة العامة أو نص ينال موافقة وثقة نواب ممثلي الشعب. وفي شأن الاستقرار السياسي والاجتماعي بالمغرب، اورد مركز التفكير الامريكي أتلانتيك كانسل في تقريره الاخير ان المغرب حافظ على استقراره بفضل مبادرات جلالة الملك الاصلاحية والتي بدأت قبل اندلاع ثورات الربيع العربي وسقوط عدد من الانظمة العربية، وصنف خبراء هذا المركز بلدنا من أكثر البلدان استقرارا في منطقة الاتحاد المغاربي. ولخدمة هذه الوضعية بالمغرب ودعمها تحتاج بلادنا الى اعتماد روح التوافق الوطني والمنهجية التشاركية الواسعة بفكر متفتح، ومتسامح، والانفتاح على المعارضة وتوفير ظروف العمل ,واعتماد تجارب وقدرات اقتراحية وكفاءات وطنية وفعاليات اقتصادية وسياسية خلال بلورة وإقرار القوانين التنظيمية.