الرباط .. لقاء تواصلي لتقديم المضامين الرئيسية لمقترحات مراجعة مدونة الأسرة    أزمة عميقة في شباب بلوزداد بعد "سداسية" الأهلي: اشتباك بين نجم الفريق ومدربه    المغرب فكك 123 شبكة إجرامية تنشط في الهجرة السرية خلال سنة 2024    حصيلة: العقوبات التأديبية بحق موظفي الأمن الوطني تراجعت ب50 في المائة هذا العام    اليوم في برنامج "مدارات" بالإذاعة الوطنية : البحاثة محمد الفاسي : مؤرخ الأدب والفنون ومحقق التراث            احتفالا بالصناعة التقليدية المغربية.. حفل انطلاق النسخة الثانية من برنامج" الكنوز الحرفية المغربية"    الفصائل السورية تتفق مع أحمد الشرع على حل نفسها والاندماج مع وزارة الدفاع    التوفيق يقدم رؤية عميقة حول العلاقة التي تجمع إمارة المؤمنين بالعلماء ويُبرز آليات إصدار الفتوى في حالة مدونة الأسرة    تفاصيل الاجتماع الأول لفدرالية الصحافة الرياضية بالمغرب    النسخة الرابعة للألعاب الوطنية للمجندين بالفوج 39 للقوات المسلحة الملكية بجرسيف        الشبكة الدفاع عن الحق في الصحة تدعو إلى التصدي للإعلانات المضللة    توقيع اتفاقية بين المجلس الأعلى للتربية والتكوين ووزارة الانتقال الرقمي    يوسف النصيري يرفض عرض النصر السعودي            "أفريقيا" تطلق منصة لحملة المشاريع    مجلس الحكومة يتدارس أربعة مشاريع مراسيم    الملك يشيد بالعلاقات الأخوية مع ليبيا    إلغاء التعصيب ونسب الولد خارج الزواج.. التوفيق يكشف عن بدائل العلماء في مسائل تخالف الشرع ضمن تعديلات مدونة الأسرة    أول دواء مستخلص من «الكيف» سيسوق في النصف الأول من 2025    أ. الدشيرة يفوت على ا. يعقوب المنصور فرصة الارتقاء للصدارة    السكوري: القانون التنظيمي يراهن على منع المشغلين من "شراء الإضراب"    ما أسباب ارتفاع معدل ضربات القلب في فترات الراحة؟    الإصابة بالسرطان في أنسجة الكلى .. الأسباب والأعراض    نظرية جديدة تفسر آلية تخزين الذكريات في أدمغة البشر    تركيا: مقتل 12 شخصا على الأقل في انفجار في مصنع ذخيرة    برقية تعزية من الملك محمد السادس إلى أفراد أسرة المرحوم الفنان محمد الخلفي            مستشار الأمن القومي بجمهورية العراق يجدد موقف بلاده الداعم للوحدة الترابية للمغرب        الإعلان عن تشكيلة الحكومة الفرنسية الجديدة    عودة نحو 25 ألف سوري إلى بلدهم منذ سقوط نظام الأسد    العصبة تكشف عن مواعيد مباريات الجولة ال17 من البطولة الاحترافية    "فيفبرو" يعارض تعديلات "فيفا" المؤقتة في لوائح الانتقالات    الصين تكشف عن مخطط جديد لتطوير اقتصاد الارتفاعات المنخفضة    مختص في النظم الصحية يوضح أسباب انتشار مرض الحصبة بالمغرب    وعكة تدخل بيل كلينتون إلى المستشفى    "بيت الشعر" يقدم "أنطولوجيا الزجل"    موظف بالمحكمة الابتدائية بطنجة خلف القضبان بتهمة النصب وانتحال صفة    المغرب يشارك في أشغال الدورة الأولى لمجلس وزراء الأمن السيبراني العرب بالرياض    اختطاف المخيم وشعارات المقاومة    موانئ الواجهة المتوسطية: انخفاض بنسبة 17 بالمائة في كمية مفرغات الصيد البحري عند متم نونبر الماضي    تقديم «أنطولوجيا الزجل المغربي المعاصر» بالرباط    "سونيك ذي هيدجهوغ 3" يتصدر ترتيب شباك التذاكر    تواشجات المدرسة.. الكتابة.. الأسرة/ الأب    إعلامية فرنسية تتعرض لتنمر الجزائريين بسبب ارتدائها القفطان المغربي    إدريس الروخ يكتب: الممثل والوضع الاعتباري    الأخضر يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ماثيلد زييْس (من أولى الغربيات اللواتي كتبن عنه): فرنسية في مغرب 1908 25 / ختم القرآن الكريم والارتقاء إلى درجة «طالب»
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 23 - 06 - 2017

منذ أواخر القرن التاسع عشر وإلى حدود 1912، سنة بسط الحماية الفرنسية على الإيالة الشريفة، أصبحت الرحلات الأوربية لاستكشاف المغرب ونشر المؤلفات حول أوضاعه وأهله، هواية نسائية أيضا بعد أن فتحت الصحفيات والكاتبات هذا الحصن الذي كان محتكرا من طرف الرجال. وقبل ترسيم الوجود الفرنسي في المغرب، كانت للبريطانيات حصة الأسد في زيارة البلد ونشر الارتسامات حوله، لكن الوضع سينقلب رأسا على عقب إثر معاهدة فاس لتتسلم الفرنسيات مشعل الريادة في المجال.
ماثيلد زييْيس إحدى أولى الفرنسيات اللواتي زرن مغرب ما قبل الحماية ونشرن كتابا عنه. وهي أديبة اشتهرت بترجمة العديد من التحف الأدبية الإنجليزية والألمانية للغة موليير، واشتغلت في الحقل الصحفي أيضا. سنة 1907، ستحل بالمغرب، في طنجة بالضبط، مبعوثة من طرف مجلة «تور دي موند» (Tour du Monde) المتخصصة في جنس الرحلات الصحفي. وقد نشرت الكاتبة/الصحفية سلسلة مقالات حول مشاهداتها في البلد وحول أوضاعه ونمط حياة رعاياه في المجلة المذكورة، قبل أن تنقحها وتضيف إليها تفاصيل أخرى لتنشرها ضمن مؤلف وسمته ب «فرنسية في المغرب»، صدرت طبعته الأولى سنة 1908 عن دار النشر الباريسية «هاشيت وشركاؤه»، ليعاد طبعه لاحقا عدة مرات، وتنال عنه جائزة «مونتيون» من قبل الأكاديمية الفرنسية.
وضع مقدمة الكتاب في طبعته الأولى غابرييل هانوتو، الذي كان عضوا في ذات الأكاديمية سنة النشر ووزيرا لشؤون الخارجية الفرنسية عام 1896، وقد ورد ضمنها: «اليوم، لم يعد الرحالة الرجال والجنود والمستكشفون هم من يتناولون القضية ويرفعون الحجاب عن لغز المغرب، بل النساء أنفسهن. وهن يطبقن، في استقصائهن هذا الذي يعتبر اكتشافا بكل تأكيد، نظرتهن الآنية والنافذة، وإحساسهن النفسي الحاد وقوة ملاحظتهن الثاقبة والمُلمحة.» ويضيف الأكاديمي في التقديم نفسه: «ثمة جوانب من حياة المسلمين مخفية، لا يمكن لغير النساء ولوجها، ولذا فشهادتهن نادرة بشكل مزدوج لأنها متفردة.»

يدرس التعليم الابتدائي في المسجد أو في مكان يسمى «المسيد»، واقع في المدينة وتابع للمسجد. ويجلس الأطفال داخله على الأرض أو فوق حصائر، مواجهين للفقيه وفي متناول سوطه. وهم يقرأون بشكل جماعي، متأرجحين بانتظام من الأمام إلى الخلف بهدف ضبط الإيقاع. ويستعمل التلاميذ للكتابة ألواحا غير سميكة تقوم لديهم مقام لوحة الكتابة بالطباشير أو الدفتر، وهي ألواح أسفلها أصغر من أعلاها، تدعك بصنف من الصخر الطيني أو مدهونة بشمع النحل، يخط الأطفال على سطحها الحروف بواسطة ريشات من القصب وحبر معين. ويتكلف الأكبر سنا من بينهم بتلقين الآخرين كيفية كتابة الحروف ويفرضون عليهم استنساخ نموذج كتابي مخطوط على الألواح الصغيرة.
ويضيف الفقيه إلى وظيفته كمعلم مهمتي إمام ومؤذن، ما يرفع قليلا من دخله الزهيد. وفي يوم محدد من الأسبوع، يؤدي له التلاميذ واجبهم الضئيل الذي يتفاوت عينا ونقدا، ليتراوح من سنتيم واحد إلى بيضة أو أكثر. ومع مطلع كل شهر قمري جديد، وبمناسبة الأعياد أو العطل أيضا، يمنح الطفل للفقيه عطية ما، غالبا ما يحددها المدرس نفسه مستحضرا الوضعية المالية لأسرته.
يتضمن برنامج الدروس الأولى مادة الخط، وقسطا يسيرا من الحساب، لكن القرآن، الذي يجب حفظه عن ظهر قلب، يشكل المادة الأساس. وبمجرد انتهاء التلميذ من الحزب الأول من الكتاب المقدس الذي يضم ستين حزبا في المجموع، يؤدي الفقيه رسما أو «الختمة»، وبالمناسبة نفسها، يحصل جميع تلاميذ القسم (الذين يبلغ عددهم عادة حوالي عشرين طفلا) على عطلة مدتها نصف يوم. أما حين ينتهي الصبي من حفظ خمسة عشرة حزبا، فوالده، في حالة توفره على الإمكانيات المادية الضرورية، ينظم للفقيه والتلاميذ أجمعهم «زردة»، أي حفلا بسيطا؛ ولاحقا، لما يصل المتعلم إلى ثلاثين حزبا، مع إمكانية إهدائه خروفا أو بقرة للمدرس. وفي الأخير، أي بعد حوالي سنتين من التعلم وحفظ التلميذ للستين حزبا كاملة، فالأب يكون مجبرا على إقامة حفل أكبر بكثير، حتى لو اضطر للاقتراض من أجل ذلك.
وينقسم حفظ القرآن عموما إلى ثلاث أو أربع مراحل، يسلم إثر كل واحدة منها الفقيه لتلميذه شهادة تشمل حفظ ربع أو نصف أو ثلاثة أرباع الكتاب أو النص برمته، حسب الوتيرة المعتمدة (مرة واحدة أو مرتان أو ثلاث أو أربع مرات). وانطلاقا من هذا الوقت، يصبح المتعلم، الذي أنهى مرحلة تعليمه الأولى، «طالبا» ويتم الطواف به باحتفالية كبيرة عبر الأزقة، بغية توليد الرغبة في الدراسة لدى الصغار. ومنذ ذاك، يحرز التلميذ على مزيد من التقدير من قبل ذويه، ذلك أن هؤلاء «العلماء» الذي ارتقى الانتماء لفئتهم، جد مبجلين في المغرب، مثلما يجسد حضورهم ضمانة للسعادة بالنسبة لمضيفيهم. وأحيانا، خلال فصل الربيع، يقدم فقيه أسمى مرتبة على القيام برحلة دينية، بمعية «طلبة» (1) آخرين من تلامذته، رحلة قد تقصر وقد تطول. وخلال الرحلة هذه، التي يتنقلون بمناسبتها من قرية إلى أخرى، يستضيفهم السكان السعداء بتشريفهم لهم وبالبركات التي سيجلبونها لصالحهم، فيما يلقون هم، في حضرة الوافدين للإنصات إليهم، خطبا ومواعظ حول بعض المواضيع الدينية أو غيرها.
بفعل مرافقته لفقيه من اختياره يحظى بصيت محترم، ويسعى إلى تكريس سمعته ومعها دخله عن طريق استقطاب أكبر عدد ممكن من تلاميذه حوله، يتمكن «الطالب» من تعلم بعض مفاهيم الهندسة الرياضية والفلك الضرورية لحساب الساعات، كما يدرس كتب الشرع، وخاصة مؤلفات التفسير المختلفة، وفي مقدمتها صحيح سيدي البخاري (2). وفي حالة قرار «الطالب» تعميق دراسته واستكمالها، فإنه يشد الرحال إلى إحدى الجامعات المغربية؛ وتعد جامعة فاس، الأفضل من غيرها من المؤسسات المماثلة بكثير، أشهرها، وذلك رغم أنها لم تعد اليوم إلا مجرد ظل لما كانت عليه في الماضي، خلال القرنين الخامس عشر والسادس عشر.
وبسبب قلة ذات اليد، فطلبة الجامعة في فاس يجلبون معهم عموما بعض الزاد: زبدة ولحم مقدد ومستلزمات إعداد الكسكس، بالإضافة إلى بعض الملابس وسرير. وهم يقطنون في صنف من الثانويات، «المدارس»، ويجب عليهم، لحظة استلام غرفتهم، «شراء مفتاحها» من آخر قاطن بها مقابل مبلغ مالي يتراوح بين 100 و500 فرنك، علما بأنهم، هم كذلك، سيبيعون المفتاح لاحقا لمن سيخلفهم في الغرفة. وبعد دفع ثمن «شراء المفتاح»، لا يفرض عليهم أداء أي واجب للكراء، ويمكنهم الإقامة في الغرفة طوال المدة التي يريدون (ما بين ثلاث وخمس سنوات (3) على وجه العموم).
كل صباح، وعلى حساب المسجد (رغم أن هذه الأريحية غالبا ما تحسب للسلطان)، يوضع رغيف في جميع الغرف عبر فتحة الباب؛ ويتسلم الطلبة، لتحمل بقية مستلزمات العيش، مؤونة أو نقودا ترسلها لهم أسرهم. ويلجأ أبناء الأسر الأكثر عوزا الذين لا يحصلون على الإعانات الإضافية من هذا القبيل، إلى البحث عن بعض الموارد عن طريق استنساخ الوثائق أو كتابة الرسائل أو قراءة القرآن، إلا إذا صادفوا في المدينة أصدقاء كرماء يستضيفونهم إلى موائدهم.
هوامش:
1 – جمع «طالب» (المؤلفة).
2 – أحد كبار العلماء المسلمين، صاحب «الجامع الصحيح» الذي يحظى في المغرب بتقديس يماثل تقريبا تقديس القرآن. وكل سنة، ينظم السلطان، محاطا بأبرز علماء البلاط، قراءات له وفق مراسيم خاصة (المؤلفة).
3 – تم تقليص مدة إقامة الطالب في الجامعة بعض الشيء حاليا، ذلك أنه أصبح مطالبا، بعد مرور حقبة من الزمن، بتقديم دليل على معارفه، علما بأنه لم يعد باستطاعته تمديد دراسته إلى ما لا نهاية (المؤلفة).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.