من بين أهم الدعامات و الأسس التي تنبني عليها استمرارية حياة الأمم و الشعوب وتتيح مسايرتها للتطور والتقدم الحضاري الحفاظ على الماضي واستشارته، والنبش في مخزون ذاكرته لبناء قراءة جديدة مستدامة للتاريخ من خلال العبرة و الاعتبار والاستفادة من الخبرات السالفة لإعادة بلورتها وضخها في شرايين الحاضر قصد استشراف متمكن وموثوق للمستقبل. ارتباطا بما سلف فإن القولة الشعبية المأثورة «اللي فات مات» أصبحت غير ذات معنى ولم يعد لها مكان، لأن النبش في الذاكرة وبعث أحداثها يجعل من الماضي واقعا حيا منتصبا لا يقبل التعسف، ولا يستطيع الحاضر طي صفحة من صفحاته دون قراءتها قراءة متأنية ومركزة، حتى نتمكن من أن نقدم للجيل المعاصر وللأجيال القادمة قراءة جديدة للماضي تتبنى الحقيقة الصرفة دون انحياز أو محاباة لأحد، من خلال سير حياة شخصيات تركت بصماتها جلية ومؤثرة على المشهد الوطني في جميع تجلياته السياسية و الاجتماعية والثقافية و الرياضية. من هذا المنطلق ونحن نتنسم نفحات ربانية بحلول شهر رمضان المبارك آثرنا الغوص في أعماق بحر ذكريات الماضي الرياضي لمدينة أسفي من خلال بعث الحياة في جسم أعرق فريق لكرة القدم في المغرب وهو الاتحاد الرياضي الآسفي أو ما يصطلح عليه ب»اليوساس». فالماضي الرياضي لآسفي هو جزء من درر المنظومة الحضارية العريقة التي رصعت جيد أسفي عبر التاريخ من خلال أصالتها وتراثها التليد في الآداب والعلوم والفنون. وبإقبالنا على سبر أغوار الزمن الجميل فإننا نروم من ورائه إحاطة شبابنا علما بسيرة حياة رجال تألقوا في رياضة كرة القدم، حافزهم في ذلك حب الوطن و الصالح العام في زمن لم نسمع إبانه بالمساومات والبيع والشراء في المجال الإبداعي عامة والمجال الرياضي على الخصوص، بخلاف اليوم حيث أصبح الفن و الإبداع و النجومية سلعة تباع و تشترى في سوق النخاسة بعد أن كانت رسالة سامية ونتاج معاناة ومكابدة صادقة. لكل المعطيات السالفة تستضيف جريدة «الاتحاد الاشتراكي» قراءها الكرام إلى فسحة مشوقة خلال هذه الأيام المباركة عبر عرض سيرة حياة مجموعة من الشخصيات الرياضية التي تألقت ضمن فعاليات فريق اليوساس لكرة القدم لمدينة أسفي منذ 1921 سنة ولادة الفريق العبدي إلى سنة 1956 فجر الاستقلال. عندما تم تغيير اسم الفريق من «ليوساس» إلى «نادي اتحاد أسفي» . وجريدة «الاتحاد الاشتراكي» وهي تغوص بقرائها في أعماق الذاكرة الرياضية المغربية فإنها تتوخى الإسهام في بناء مسيرة التطور الحضاري لبلدنا الحبيب من خلال التعريف بالماضي لتعزيز مكانة الحاضر وبعث الثقة في استشراف المستقبل. يعد عبد الكبير الوازني الملقب ب ّ الروبيو ّ من اللاعبين المهرة والممتازين في كرة القدم بحاضرة أسفي ، يتميز بين زملائه بضربات الرأس وبتسديدات القوية التي نادرا ما تخطئ الهدف ، ساعدته في ذلك بنيته القوية حيث كان يتوفر على الطاقة الهائلة والقدرات الفائقة والتقنيات الخارقة . فنحن أمام ظاهرة كروية نادرة لها خصوصياتها ومميزاتها فمن هو عبد الكبير الوزاني ؟ ولد سنة 1932 بحي جنان الشقوري بأسفي ، التحق بمدرسة مولاي يوسف حيث قضى بها أربع سنوات ، مند صغره عشق لعب كرة القدم حيث كان التلاميذ يستغلون وقت الفراغ أثناء الخروج من المؤسسة التعليمية ويملآون الجوارب بالورق والثوب حتى تصبح على شكل (كورة )ثم يلعبون بها ، و هو في سن الطفولة كان يترك المدرسة أحيانا ويتجه نحو الملعب البلدي لحضور التداريب ومقابلات فريق اليوساس ، هذا التغيب المستمر عن المدرسة ساهم في عدم تفوقه الدراسي فغادر المدرسة متجها نحو تعلم حرفة الخزف بتل الفخارين . وفي سنة 1944 انضم إلى فريق جنان الشقوري الذي كان يحمل اسم ّ الهلاك ّ وهو من فرق الأحياء التي كانت متواجدة بمختلف أنحاء المدينة والتي كانت تتبارى فيما بينها حيث كان فريق ّ الحياة ّ بحي تراب الصيني ، وفريق ّ النجيمة ّ بجنوب أسفي ، وفريق ّ الشرف « بعزيب الدرعي وفريق ّ المجد ّ بأشبار « وفريق ّ الأمل ّ للبحارة . في موسم 1948/1949 قدم المعلم كويتة الروبيو إلى رئيس الفريق ّ لوكارلات ّ الذي أعجب بلعبه فوقع العقد مع فريق اليوساس وهو ابن 18 سنة بقيمة 40 درهما . و كانت سنة 1950 هي بداية المرحلة الأكثر إشراقا في حياة ّ الروبيو ّ حيث أصبح ضمن التشكيلة الرسمية لفريق اليوساس ، ولعب أول مقابله له كانت ضد فريق المكناسي وقد ظهر خلال هذه المبارة بمستوى جيد ،وقضى بصحبة فريق اليوساس ثلاثة مواسم . التحق بعدها أي في موسم 1954/1955 بفريق الوداد البيضاوي الذي كان يضم أنذاك لاعبين كبار من طينة عسيلة وكبور وسيدي فاتح وشتوكي وعبد السلام ...يتذكر عبد الكبير الوزاني وهو الآن في سن الثانية والثمانين أنه وقع العقد مع الوداد البيضاوي بمبلغ قيمته 350 درهم . كان يرغب في البقاء مع فريق الوداد البيضاوي إلا أن الرياح تجرى بما لا تشتهي السفن ، اذ لم يكتب له الانضمام الى فريق الوداد البيضاوي سوى لموسم واحد. كانت أخر مقابلة له مع فريق الوداد المباراة ضد فريق المغرب الفاسي والتي انتهت بانتصار فريق الوداد بإصابة لصفر وفي هذه المقابلة أصيب الروبيو على مستوى الركبة بإصابة بليغة جعلت الدكتور الخطيب يأمر بإجراء عملية جراحية عاجلة وفعلا آجراها الفرنسي ّفونفارّ له وكللت العملية بالنجاح . بعد ذلك عاد من جديد إلى فريقه اليوساس ، وعاش مخاض اندماج فريق اليوساس في فريق اتحاد أسفي مع المدرب عبد القادر الخميري حيث قضى معه موسمين وعقب ذلك اعتزل بشكل نهائي ميدان كرة القدم .